ذا ناشيونال إنترست: أمريكا بحاجة إلى استراتيجية حرب باردة لمواجهة الصين

تحتاج أمريكا إلى استراتيجية شاملة، تنظم وتنسق أدوات السياسة الأمريكية الكبيرة لتحقيق النصر، خاصة في المجال الاقتصادي.

ذا ناشيونال إنترست: أمريكا بحاجة إلى استراتيجية حرب باردة لمواجهة الصين

ترجمات -السياق 

منطاد التجسس الصيني والمخاوف المتزايدة، بشأن الدعم الدبلوماسي والعسكري الصيني المحتمل لروسيا ضد أوكرانيا، تطورات حفزت صانعي السياسة الأمريكيين على التفكير في ضرورة اتخاذ إجراءات لمواجهة التهديد من الحزب الشيوعي الصيني.

وتقول صحيفة ذا ناشيونال إنترست، إن صانعي السياسة في الولايات المتحدة بدأوا استيعاب حقيقة صارخة، مفادها أن هناك حربًا باردة مع الصين، تتطلب استراتيجية ذات أهداف واضحة، مشيرة إلى أن الموقف الأمريكي ضد الصين فاجأ كثيرين بما في ذلك بكين، إلا أنه ينبغي ألا يستمر.

وأوضحت أن الصين «أساءت» بشكل منهجي استخدام الامتيازات التي مُنحت لها كعضو في مجتمع الدول الحر والمفتوح، في سعيها الخاص للسيطرة، مشيرة إلى أنه يمكن رؤية الدليل على ذلك، في استخدام الصين المستمر للإكراه الدبلوماسي، والاستفزازات العسكرية غير القانونية، وفي المجال الاقتصادي، عبر السرقة المتفشية للملكية الفكرية، والممارسات التجارية الاستحواذية، والتلاعب على نطاق واسع في السوق، من خلال الإعانات الضخمة للصناعات المفضلة. 

قائد عالمي وإنشاء نظام إقليمي وعالمي 

استخدام هذه التكتيكات من قبل الحزب الشيوعي الصيني، ليس من قبيل الصدفة، لكنه جزء من استراتيجية متعمدة، لتحل محل الولايات المتحدة كقائد عالمي وإنشاء نظام إقليمي وعالمي يحترم تفضيلاتها الاستبدادية، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن الولايات المتحدة كانت بطيئة للغاية في مواجهة هذا التحدي. 

وبحسب «ذا ناشيونال إنترست»، فإن التغيير الأساسي للنهج التنافسي، أجرته إدارتا ترامب وبايدن، لكن الاستراتيجية الشاملة التي تنظم وتنسق أدوات السياسة الأمريكية الكبيرة لتحقيق النصر لا تزال غير موجودة، خاصة في الساحة الاقتصادية.

وتقول الصحيفة الأمريكية، إن ذلك الموقف استدعى إطلاق مبادرة الصين الاقتصادية والاستراتيجية، للمساعدة في تطوير وصياغة استراتيجية اقتصادية مثالية، تتضمن أهدافًا ذات خطوط جهد واضحة، لمواجهة التحدي الاقتصادي والتكنولوجي الذي تواجهه الصين، في مواجهة القيادة الجيوسياسية الأمريكية. 

وأشارت إلى أن جزءًا حيويًا من هذه العملية هو أولاً فهم ما تم القيام به بالفعل لمواجهة الصين، ولتحديد كيف يجب على الولايات المتحدة أن تضع نفسها لتحقيق النجاح.

المنافسة الاستراتيجية

وبحسب «ذا ناشيونال إنترست»، فإن بداية إدارة ترامب عام 2017 كانت تحولًا في تركيز السياسة الخارجية للولايات المتحدة بعد الحرب الباردة، حيث سعت إلى إعادة عقلية المنافسة بين القوى العظمى، وتطبيقها على ما عدته الإدارة التهديد الأول لأمريكا: الصين. 

وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى تكريس ذلك في الوثائق مثل استراتيجية الأمن القومي لعام 2017 (NSS) - التي ذكرت أن الصين، إلى جانب روسيا، سعت إلى تحدي «القوة والتأثير والمصالح الأمريكية، في محاولة لتقويض الأمن والازدهار الأمريكي».

وأكدت أن إطار العمل الاستراتيجي للولايات المتحدة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، الذي رُفعت عنه السرية، والذي يوجه تنفيذ هذه الاستراتيجيات يعد بمنزلة خط أساس استراتيجي مفيد، يمكن للإدارات المستقبلية توسيعه وتنفيذه.

كان التحول في سياسة إدارة ترامب، من نواحٍ عدة، إعادة تعيين جذرية للسياسة الخارجية للولايات المتحدة وأجندة الأمن القومي، فبدلاً من التركيز على العولمة غير المقيدة ومطاردة الإرهابيين في الشرق الأوسط، سعت إدارة ترامب إلى غرس روح تنافسية، على أمل أن تتغلغل في جميع جوانب الأجندة الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية للولايات المتحدة. 

إلا أنه مع ذلك، كان التحدي الذي واجهته إدارة ترامب، أن الذاكرة العضلية البيروقراطية، والرغبة في المخاطرة التي طورتها الولايات المتحدة لهزيمة السوفييت كانت كلها ميتة، ما يعقد تنفيذ الإطار الاستراتيجي. 

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن إدارة بايدن واصلت إلى حد كبير، سياسات عهد ترامب، مشيرة إلى أن الصين لديها «النية وعلى نحو متزايد، القدرة على إعادة تشكيل النظام الدولي.

وأكدت أن الرئيس جو بايدن ورث أيضًا التحديات المؤسسية البيروقراطية الممزقة وغير القادرة على تنسيق استراتيجية الصين، مشيرة إلى أنه رغم أهمية احتفاظ إدارتين متتاليتين بالسياسة الشاملة تجاه الصين، فإن استراتيجية ذات أهداف ووسائل واضحة لتطبيقها لم تتحقق.

والنتيجة أن الولايات المتحدة لا تزال تجد نفسها تتفاعل مع السلوك الخبيث للصين، بدلاً من اغتنام المبادرة بأفعال محسوبة، تعمل على تحقيق أهداف استراتيجية واضحة.

الاقتصاد نقطة الصفر

إن التحول في المشاعر الأمريكية تجاه الصين والرغبة المتزايدة في اقتصاد خالٍ من التأثير الاستبدادي للحزب الشيوعي الصيني، جعلا الاقتصاد نقطة الصفر للمنافسة، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن إدارتي ترامب وبايدن بذلتا محاولات لفرض تكاليف اقتصادية على الصين، بسبب ممارساتها الاقتصادية المفترسة، ووضع الولايات المتحدة في وضع يسمح لها بالمنافسة في الداخل والخارج. 

وأشارت إلى أن الإجراءات السياسية التي اتخذتها الإدارتان ارتكزت على تسوية الملعب الاقتصادي، والدفاع عن الميزة التكنولوجية الأمريكية، والتعاون مع الحلفاء والشركاء، إلا أن هذه السياسات، التي وُصف كثير منها بالانتصارات السياسية، كان لها تأثير ملموس في حماية الاقتصاد الأمريكي وأسلوب الحياة.

النهوض بالمصالح الاقتصادية لأمريكا

ركز جزء أساسي من حملة الرئيس السابق دونالد ترامب عام 2016 على تعزيز المصالح الاقتصادية لأمريكا، من خلال التراجع عن ممارسات الصين التجارية غير العادلة، التي قوَّضت الاقتصاد والقوى العاملة الأمريكية. 

وعام 2018، اتخذت إدارة ترامب أول إجراء لها، من خلال فرض تعريفة بموجب المادة 301 على 50 مليار دولار من السلع الصينية، التي استفادت من سرقة الملكية الفكرية الأمريكية، والممارسات الصناعية غير العادلة في الصين، إضافة إلى فرض تعريفة القسم 232 على واردات الصلب والألمنيوم، لمكافحة «إغراق» الصين بالمنتجات في الولايات المتحدة. 

ووسعت إدارة ترامب تعريفات المادة 301 التي وصلت في وقت ما إلى أعلى مستوى عام 2019 بلغ 370 مليار دولار عبر عديد من القطاعات، ردًا على إجراءات الصين.

في المقابل، ترك الرئيس بايدن، أكثر من 300 مليار دولار من التعريفات الجمركية على السلع الصينية بموجب المادة 301، وعزز التزامه بالمادة 232 التعريفات الجمركية على الصلب والألمنيوم على الصين، وحتى تمديد القسم 201 التعريفات المطبقة عام 2018 على مكونات الطاقة الشمسية الصينية، لحماية مصنعي الطاقة الشمسية الأمريكيين.

وسعت إدارة ترامب أيضًا إلى التفاوض بشأن سوق صيني أكثر انفتاحًا، وهي عملية توجت بالاتفاقية الاقتصادية والتجارية بين الولايات المتحدة والصين، والمعروفة باسم صفقة المرحلة الأولى، التي وُقِّعت عام 2020. 

وسعت صفقة المرحلة الأولى إلى تسوية اللعب، مع إصلاحات هيكلية للنظام الاقتصادي والتجاري للصين، وتقليل العجز التجاري، من خلال إلزام الصين بإجراء مشتريات إضافية، لا تقل عن 200 مليار دولار من البضائع الأمريكية، عبر مجموعة من القطاعات خلال عامين، وهي اتفاقية فشلت بكين في الوفاء بها. 

إلا أنه مع ذلك، كانت صفقة المرحلة الأولى مهمة، حيث وقعتها الصين، من دون إزالة أي رسوم جمركية أمريكية، وقبول ضمني للاتهام الأمريكي بالسلوك الاقتصادي الخبيث، كما سمح للولايات المتحدة بالسعي من جانب واحد للحصول على تعويضات، إذا لم تلتزم الصين بنهايتها من الصفقة.

ومع ذلك، فإن التأثير الإجمالي لهذه السياسات في تكافؤ الفرص الاقتصادية مع الصين مشكوك فيه، فبينما حولت التعريفات الجمركية بعض سلاسل التوريد بعيدًا عن الصين إلى شركاء إقليميين آخرين، وأدت اتفاقية المرحلة الأولى للتجارة الصين إلى طاولة المفاوضات، يبدو أن هذه الإجراءات لها تأثير محدود في التجارة. 

وتدعم إحصاءات التجارة الجديدة لعام 2022 هذا الاتجاه، حيث سجلت تجارة السلع الثنائية بين الولايات المتحدة والصين رقماً قياسياً جديداً بأكثر من 690 مليار دولار مع استمرار تفوق الواردات الصينية على الصادرات الأمريكية، في حين أن تعريفات المادة 301 أرسلت رسالة جادة إلى بكين وبقية العالم، مفادها أن الولايات المتحدة لن تقبل العمل كالمعتاد، كان من الممكن أيضًا أن تكون حافزًا لتطبيق نهج ثابت للتعامل مع تفشي سرقة الملكية الفكرية في الصين. 

الدفاع عن الميزة التكنولوجية لأمريكا

حددت إدارتا ترامب وبايدن الحاجة إلى حماية الميزة التكنولوجية لأمريكا، لضمان عدم مساعدة الولايات المتحدة للتحديث العسكري الصيني وشبكة دولة المراقبة، تقول «ذا ناشيونال إنترست»، مشيرة إلى أن تحرك إدارة ترامب لإصلاح عملية فحص الاستثمار الداخلي في الولايات المتحدة عام 2018 من خلال قانون تحديث مراجعة مخاطر الاستثمار الأجنبي (FIRRMA) أدى إلى توسيع قدرة لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة (CFIUS) التابعة لوزارة الخزانة على فحص المعاملات للتهديدات المحتملة للأمن القومي. 

كما أعطى الأمر التنفيذي لعام 2019 من الإدارة بشأن تأمين تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وسلسلة توريد الخدمات (ICTS) التجارة أداة قوية لفحص معاملات تكنولوجيا المعلومات من الخصوم الأجانب المحددين، بما في ذلك الصين، التي يمكن أن تؤثر في الأمن القومي للولايات المتحدة. 

وأعطى تحديث إدارة ترامب لنظام مراقبة الصادرات القديم للولايات المتحدة مع قانون إصلاح ضوابط الصادرات لعام 2018 (ECRA) مباشرة للرئيس سلطة أكبر للتحكم في الصادرات ذات الاستخدام المزدوج والتقنيات الناشئة، التي يمكن تطبيقها على المجمع الصناعي العسكري الصيني. 

وبحسب «ذا ناشيونال إنترست»، فإن إنشاء وزارة الدفاع لقائمة الشركات العسكرية الصينية الشيوعية (CCMC) عام 2020 والأمر التنفيذي اللاحق الذي يحظر الاستثمار في شركات CCMC كان ضربة للمجمع الصناعي العسكري الصيني. 

مع ذلك، فإن نقل سلطة إدارة بايدن لهذه السياسة إلى وزارة الخزانة في يونيو 2021 خفف تأثيرها، من خلال تقليص نطاق الشركات التي ستُفرض عليها عقوبات، كما أنها فشلت في تحديث القائمة لأكثر من عام.

استراتيجية مرتبطة بالأهداف والوسائل

وتقول «ذا ناشيونال إنترست»، إنه إذا كانت أمريكا لديها أي فرصة للتغلب على تهديد الحزب الشيوعي الصيني، يجب على صانعي السياسة الأمريكيين تنفيذ السياسات التي تحركها استراتيجية واضحة، خاصة في المجال الاقتصادي. 

وأكدت الصحيفة الأمريكية، أنه يجب أن يكون تحديد الأهداف النهائية والأهداف الأساسية للولايات المتحدة، ووسائل تحقيقها، على رأس الأولويات، مشيرة إلى أن واشنطن تمتلك ترسانة من أدوات السياسة تحت تصرفها يمكن استخدامها، لكن الافتقار إلى التوجيه الاستراتيجي يعني أن الوكالات الاقتصادية الرئيسة داخل وزارات الخارجية والتجارة والخزانة والدفاع والممثل التجاري للولايات المتحدة هي ببساطة لم يتم تحفيزهم على التنافس مع الصين.

وأشارت إلى أن على الولايات المتحدة الحفاظ على قوتها الاقتصادية للدفاع عن مصالحها، والتأكد من أن النظام الحر والمفتوح لا يزال النموذج الاقتصادي العالمي المهيمن الغائب عن السيطرة الاستبدادية، وتقويض السياسات الاقتصادية الخبيثة للصين. 

وأكدت ضرورة أن تتضمن الاستراتيجية الاقتصادية للولايات المتحدة فصلًا استراتيجيًا مستهدفًا لضمان تقليل الولايات المتحدة بتقليل اعتمادها على الصين، وتحسين البيروقراطية الأمريكية والنظام القانوني للمنافسة، وإنشاء مراكز قوة اقتصادية بديلة مع حلفاء وشركاء متشابهين في التفكير.

وأشارت إلى أنه من المرجح أن يكون الفصل الاستراتيجي المستهدف عن الصين هو الأكثر تحديًا بين هذه الجهود الثلاثة، نظرًا لمدى التشابكات الاقتصادية للولايات المتحدة مع الصين، مؤكدة أنه يجب أن تستمر هذه الإدارة، والإدارة المستقبلية، في اتخاذ خطوات لفصل الصين تمامًا عن التقنيات المتطورة التي يمكن استخدامها لمنح الصين ميزة اقتصادية أو عسكرية، بما في ذلك سلاسل التوريد وعمليات التصنيع وجهود البحث والتطوير المجانية بنسبة 100%. 

وأكدت أن على الولايات المتحدة التركيز على القطاعات الأخرى التي تعد حيوية لأمن الولايات المتحدة، مثل دور الصين في تصنيع الأدوية وإنتاج الطاقة النظيفة من الجيل التالي، مشيرة إلى أن على صانعي السياسة أيضًا تحديد «نقاط الاختناق» التي يمكن للولايات المتحدة الاستفادة منها لحرمان الصين من المكونات الحاسمة التي يحتاجونها لتصنيع التكنولوجيا المتطورة للعمليات العسكرية.

وبحسب «ذا ناشيونال إنترست»، فإنه يجب أن تبث الروح التنافسية الآن عمل البيروقراطية الأمريكية لتحسين الولايات المتحدة لهزيمة منافستها، مشيرة إلى أن من أكبر الطرق التي يمكن أن يحدث بها هذا الأمر الحصول على توجيه واضح من البيت الأبيض يوجه إنشاء استراتيجية «حرب قانونية» متماسكة وواسعة النطاق من شأنها زيادة مجمل «مجموعة أدوات» السياسة الأمريكية لتقويض الصين. 

وشددت على أن لدى الولايات المتحدة مجموعة قوية من سلطات التصدير والتعريفات والعقوبات والاستثمار المتاحة لمحاسبة الصين، التي تحتاج إلى التنسيق والتنظيم والتنفيذ مع وضع هدف واضح في الاعتبار... يجب أن تكون المحاولات الأكثر قوة لإضعاف المجمع الصناعي العسكري الصيني نقطة انطلاق سهلة لصانعي السياسة في الولايات المتحدة.