حرب أوكرانيا تكشف عن ثغرة في إستراتيجية الناتو.. كيف استغلها بوتين؟

بالنسبة لواشنطن وحلفائها في الناتو، فإن مواجهة النفوذ الروسي في البحر الأسود أساسية، للاحتفاظ بنفوذهم على الجناح الجنوبي الشرقي لأوروبا

حرب أوكرانيا تكشف عن ثغرة في إستراتيجية الناتو.. كيف استغلها بوتين؟

لماذا تعد مواجهة النفوذ الروسي في البحر الأسود مصيرية لأمريكا و"الناتو"؟

ترجمات -السياق 

بات مسرحًا لمواجهات عسكرية دراماتيكية، ونكسة بحرية لاذعة لموسكو، وتعاملات دبلوماسية رفيعة المستوى في 14 شهرًا عمر الأزمة الأوكرانية.

إنه البحر الأسود الذي تحاول روسيا السيطرة عليه، وجعلته أساسيًا باستراتيجيتها في الحرب، وأحد أسباب ضمها شبه جزيرة القرم.

وتقول صحيفة فورين بوليسي، إنه بالنسبة لواشنطن وحلفائها في "الناتو"، فإن مواجهة النفوذ الروسي في البحر الأسود أساسية، للاحتفاظ بنفوذهم على الجناح الجنوبي الشرقي لأوروبا، والحفاظ على تدفق السلع الأساسية من «سلة خبز أوروبا» إلى الأسواق المعرضة للخطر في الشرق الأوسط وإفريقيا. 

إلا أنه مع ذلك، فإن عددًا متزايدًا من صانعي السياسة الغربيين والمشرِّعين الأمريكيين، يجادلون بأن منطقة البحر الأسود احتلت هامش استراتيجية الغرب لمواجهة روسيا، بدلاً من كونها عقيدة مركزية لها، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن هناك حركة متنامية في واشنطن وبروكسل والعواصم الإقليمية، لوضع البحر الأسود في قلب استراتيجية "الناتو".

من جانبه، قال السيناتور جان شاهين، أحد كبار الديمقراطيين لمجلة فورين بوليسي، إن السماح لروسيا بتحديد قواعد البحر الأسود، يعرِّض حلفاءنا ومصالحنا للخطر.

وقدَّم شاهين والسناتور الجمهوري ميت رومني تشريعات الشهر الماضي، لدفع إدارة بايدن إلى صياغة استراتيجية للبحر الأسود، والدفع من أجل زيادة البصمة العسكرية الأمريكية والمشاركة الاقتصادية في المنطقة. 

بينما قدَّم النائب الجمهوري مايك تيرنر، رئيس لجنة المخابرات بمجلس النواب، والنائب الديمقراطي بيل كيتنغ مشروع قانون مرافق في مجلس النواب.

استراتيجية "الناتو"

يقول مسؤولو دفاع ودبلوماسيون غربيون، تحدث بعضهم إلى «فورين بوليسي» بشرط عدم كشف هويتهم، إن البحر الأسود يقع في خط التماس، بين استراتيجية "الناتو" بشأن أوكرانيا وجناحها الشرقي من ناحية، وسياسات الغرب على جانبه الجنوبي من ناحية أخرى. 

وأكد الدبلوماسيون، أن "الناتو" بحاجة إلى إصلاح هذا التماس، لأنه يستعد لمواجهة طويلة الأمد مع روسيا، التي تسعى إلى الانتقام عسكريًا.

وقال أندريه مورارو، سفير رومانيا لدى الولايات المتحدة: «فترة طويلة من الزمن، كانت لدينا فجوة من حيث الأمن في الجزء الشمالي من الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي والجزء الجنوبي من الجناح الشرقي».

دمج البحر الأسود

وبدأ جدل كيفية دمج البحر الأسود في استراتيجية الغرب بشأن روسيا، قبل الهجوم المضاد الأوكراني المرتقب هذا الربيع، الذي قد يستهدف شبه جزيرة القرم، وقمة محورية لقادة "الناتو" هذا الصيف في فيلنيوس بليتوانيا.

ستيف هوريل، الضابط السابق في المخابرات البحرية الأمريكية، الباحث الحالي في مركز أبحاث لتحليل السياسة الأوروبية، قال إن صياغة استراتيجية متماسكة، يمكن أن يكون قولها أسهل من فعلها، بالنظر إلى الدور الضخم الذي تلعبه تركيا، حليفة "الناتو"، في المنطقة، بصفتها الحارس على البحر الأسود، الذي يمتلك مضيق الدردنيل والبوسفور، اللذين يعملان كمنفذ واحد ضيق في البحر المتوسط. 

وأوضح العسكري الأمريكي السابق، أن لتركيا علاقة مشحونة ومتوترة بواشنطن وحلفاء في حلف شمال الأطلسي، وتنظر إلى تعزيز وجود "الناتو" في البحر الأسود، أو أي تغيير في دورها كحارس بوابة للبحر الأسود، بريبة وخوف.

وأبطأت تركيا انضمام فنلندا والسويد إلى حلف الناتو (رغم دخول فنلندا أخيرًا) وعززت العلاقات الاقتصادية بموسكو لدعم اقتصادها الضعيف، حتى مع سعي الدول الغربية إلى تشديد الخناق على الصناعات الروسية، تقول «فورين بوليسي»، مشيرة إلى أنها ساعدت في التوسط بصفقة حبوب حاسمة لشحن السلع الأوكرانية، خاصة من البحر الأسود إلى الأسواق العالمية، وأرسلت مساعدة عسكرية حاسمة إلى كييف.

وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أنه لا يمكن أن تنجح أي استراتيجية لغرب البحر الأسود من دون موافقة تركيا، مؤكدة أنه سيكون من الصعب شراء تركيا. 

وقال سونر كاجابتاي، الخبير في المنطقة بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: «تركيا فاترة تجاه أي اقتراح من شأنه تغيير وضع البحر الأسود أو تغيير شروط الوصول إلى هذا البحر».

مشاهد دراماتيكية

وبعد أكثر من عام على الصراع، كان البحر الأسود مسرحًا لبعض أكثر المشاهد دراماتيكية للحرب بين روسيا وأوكرانيا، بما في ذلك الدفاع الأوكراني العنيد عن جزيرة الأفعى، الذي حفز المقاومة الأوكرانية في الأيام الأولى للحرب.

وفي أبريل 2022، وجَّه غرق الطراد الروسي موسكفا، جوهرة التاج لأسطول البحر الأسود الروسي، ضربة بحرية ورمزية كبيرة لجهود موسكو الحربية، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إنه حتى قبل ضم روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014 وعمليتها في أوكرانيا عام 2022، كان البحر الأسود مسرحًا مركزيًا في تاريخ أوروبا الدموي.

وأوضحت أن البحر الأسود كان شريانًا للتجارة، ومصدرًا للغذاء لأثينا، وموقع الفتوحات السكيثية والفتوحات المغولية منذ ألف عام، مشيرة إلى أن شبه جزيرة القرم كانت نقطة انتشار الطاعون الدبلي إلى أوروبا، وكانت -فترة طويلة- موضع خلاف بين روسيا والامبراطورية العثمانية، ومسرحًا لمجازر لا داعي لها وخطأ عسكري بين القوى الأوروبية العظمى بحرب القرم في القرن التاسع عشر التي كانت فعالة. 

وأشارت إلى أن جنوبي أوكرانيا على طول ممر البحر الأسود، كان أيضًا مسرحًا لبعض أعنف المعارك وأسوأ الفظائع خلال الحرب العالمية الثانية، مؤكدة أن الاتحاد السوفييتي -بقيادة جوزيف ستالين- رحَّل المجتمع كله من تتار القرم الأصليين، لتعزيز سيطرة موسكو على شبه جزيرة القرم والبحر الأسود.

وعام 2008، غزت روسيا جورجيا، وهي دولة أخرى ذات توجه غربي على البحر الأسود، إيذانًا بأول حرب بأوروبا في القرن الحادي والعشرين، ونذرت كيف أن طموحات بوتين الإمبريالية الجديدة، ستقود الغزو المستقبلي لأوكرانيا.

لا يزال يتعين النظر إلى الأهمية النهائية للبحر الأسود في الصراع الحالي، لكنها برزت كنقطة اشتعال محتملة لصراع أوسع بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إنه في مارس الماضي، اصطدمت طائرة مقاتلة روسية بطائرة أمريكية من دون طيار كانت تراقب البحر الأسود، ما أسقطها. 

الحد من قدرة روسيا

وأدان كبار مسؤولي البيت الأبيض تحركات الطائرة الروسية، ووصفوها بأنها طائشة وغير مسؤولة، لأن الطائرة من دون طيار كانت تحلق فوق المياه الدولية، بينما زعمت موسكو أن هذه الطائرة حلقت فوق أراضي داخل حدود «العملية العسكرية الخاصة» الروسية في أوكرانيا.

وقال شاهين إن هذا النوع من الحوادث، سبب حاجة واشنطن إلى استراتيجية متماسكة للمنطقة، مضيفًا: «لو كان للولايات المتحدة وجود أكثر شمولاً في البحر الأسود، ربما تمكنا من الحد من الميزة الاستراتيجية لروسيا في المنطقة، وتأمين موقع تحطم الطائرة من دون طيار».

من جانبه، ركز بوتين في سيطرة موسكو على شبه جزيرة القرم كأمر حاسم في مواجهته الأوسع نطاقًا مع "الناتو"، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إن الرئيس الروسي يرى البحر الأسود أمرًا بالغ الأهمية، لإبراز قوة موسكو الصارمة، في البحر المتوسط وما وراءه.

وأرسل المسؤولون الأوكرانيون -في الأيام الأخيرة- إشارات مربكة ومتضاربة إلى حد ما، تشير إلى أنها قد تكون منفتحة على التفاوض بشأن وضع شبه جزيرة القرم، في محادثات السلام المستقبلية مع روسيا، رغم أن تحرير شبه جزيرة القرم لا يزال هدفًا لأي هجوم أوكراني ضد القوات الروسية المدمرة.

وبعيدًا عن القيمة العسكرية لشبه جزيرة القرم، أوضح بوتين أن شبه الجزيرة –وكذلك سيطرة موسكو على البحر الأسود - تتجاوز الاستراتيجية الباردة القاسية.