رغم الانزعاج الأمريكي.. لماذا لا تستطيع أوروبا الاستغناء عن الصين؟
ما السر الذي يجعل أوروبا بحاجة إلى الصين أكثر من أي وقت مضى رغم الانزعاج الأمريكي؟

ترجمات - السياق
مع استمرار الصراع بين روسيا وأوكرانيا، ووصول العلاقة الثلاثية بين أمريكا وأوروبا وروسيا إلى طريق مسدود، قد يكون السلاح النووي أخر ما يرقد في النفق المظلم بينهم، وتزامنًا مع أزمة الطاقة وشلل المصانع وارتفاع نسب التضخم، يسعى القادة الأوروبيون تباعًا للتودد إلى الصين، أو التنين الاقتصادي الذي تخشاه الولايات المتحدة.
وباتت بكين وجهتهم المفضلة، حسب وصف صحيفة غلوبال تايمز الصينية.
وتتساءل الصحيفة -وفق ما نقلت عنها مجلة مودرن دبلوماسي الرقمية الأوروبية- ما السر الذي يجعل أوروبا بحاجة إلى الصين أكثر من أي وقت مضى رغم الانزعاج الأمريكي؟
وأشارت إلى أنه في الوقت الذي كانت العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي في "شهر العسل"، كانت الزيارات الثنائية رفيعة المستوى متكررة، وكان التعاون الاقتصادي والتجاري مثمرًا، وكانت الثقة السياسية المتبادلة حجر الزاوية للتنمية المستقرة بين الجانبين.
شراكة ومنافسة
لكن مع النمو والتطور السريع للصين وتنفيذ الولايات المتحدة لاستراتيجية احتواء تجاهها، كان على العلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي مواجهة تحديات جديدة.
فمنذ عام 2019، تغيرت نظرة الاتحاد الأوروبي تجاه الصين، التي لم تعد شريكًا لأوروبا في القضايا العالمية الرئيسة مثل التجارة وتغير المناخ فقط، لكنها أيضًا منافس في قطاعي التكنولوجيا الفائقة والاقتصاد.
"استقلال أوروبا"!
وبينّت "غلوبال تايمز" أنه مع اندلاع الصراع بين روسيا وأوكرانيا، وانتشار وباء كورونا، وزيادة سيطرة الولايات المتحدة على أوروبا، زادت المنافسة والمواجهة بين الصين والاتحاد الأوروبي، وانخفضت فرص التعاون والاتصال، التي كان لها تأثير طويل الأمد في استقرار العلاقات الثنائية وتنميتها.
وشددت على أنه "لا يمكن أن يكون الاتحاد الأوروبي كيانًا مستقلًا عن واشنطن، إذ إنه يفتقر إلى القوة العسكرية التي تجعله مستقلًا عن إرادة القوى العظمى".
"أوروبا بلا إرادة"
ورأت أن الاتحاد الأوروبي نوع من "الهجين الدولي" من دون إرادة خاصة، وهذا هو السبب الذي يجعل الدول الأعضاء فيه تفضل اتخاذ إجراءات بمفردها، وليس باسم كيان موحد غير موجود.
وأشارت إلى أن الدول الأعضاء الأضعف في الاتحاد الأوروبي، هي الوحيدة التي تتخذ إجراءات نيابةً عن التكتل، لأنها تشعر بحماية أكبر من قِبل مظلة الولايات المتحدة النووية، فهم يخشون أن تزعج أي مبادرة خاصة بهم واشنطن.
وأوضحت الصحيفة الصينية، أن التطور الشامل للعلاقات بين الصين والاتحاد الأوروبي –إذا كان لدى الاتحاد الأوروبي القدرة على اتخاذ إجراءات بمفرده من دون إذن أطراف ثالثة– من شأنه أن يساعد في تعزيز الانتعاش الاقتصادي للقارة العجوز، كما أنه سيحافظ على السلام العالمي، ومواجهة هيمنة القوى العظمى في الشرق والغرب، بلا انحياز.
ضغوط أمريكية
وترى "غلوبال تايمز" أن الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن، تمارس ضغوطًا مستمرة على أوروبا، في محاولة لاستغلال الأزمة وتحويل الاتحاد الأوروبي إلى حصن، لتطويق الصين في الوقت نفسه، وجعل الاتحاد مزودًا للأسلحة لأوكرانيا.
وأشارت إلى أنه في الوقت الذي لحلف شمال الأطلسي (الناتو) بقيادة واشنطن اليد العليا ويقمع الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي بشكل أكبر، يدفع الاقتصاد والمجتمع الأوروبيان ثمنًا باهظًا، حيث أدت مشاركة أوروبا في العقوبات ضد روسيا بشكل مباشر إلى أزمات الطاقة والتصنيع والتضخم والاضطرابات الاجتماعية المتلاحقة.
قدرة الصين
في المقابل، أصبح نمو الصين قضية سياسية لا مفر منها ومستمرة في أوروبا.
وحسب الصحيفة الصينية، يشير القادة الأوروبيون إلى قوة الصين، بعد أن رأوا على الأرض نفوذًا دبلوماسيًا للصين في تعزيز المصالحة بين إيران والمملكة العربية السعودية، وفي محاولة تعزيز المحادثات بين روسيا وأوكرانيا وتعزيز الحوار والتعاون مع الاتحاد الأوروبي بشأن القضايا العالمية الرئيسة، التي أصبحت نداءً سياسيًا مهمًا للسياسيين الأوروبيين، الذين يزورون الصين واحدًا تلو الآخر.
على سبيل المثال، بينما توشك إسبانيا على تولي الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، أعرب رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز عن أمله بأن تتمكن الصين من المساهمة في استعادة السلام بأوروبا، مشددًا على أن الصين يمكن أن تمارس دور وساطة في الأزمة بين روسيا وأوكرانيا.
انتقام البيت الأبيض
وحسب الصحيفة الصينية: "ذلك يلخص تطلعات قادة عديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشأن العملاق الآسيوي، رغم أن بعضهم مازال يخشى انتقام البيت الأبيض".
وخلال الأشهر الأخيرة، زار المستشار الألماني، أولاف شولتز، بكين، تبعه شارل ميشيل من المجلس الأوروبي في ديسمبر، ثم أجرى رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، زيارة لبكين مؤخرًا، وحاليًا يزور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بكين، وعقد اجتماعات مع الرئيس شي جين بينغ، لسُبل إنهاء الأزمة الأوكرانية، والتعاون الاقتصادي الثنائي.
وهي الزيارات التي وصفتها "غلوبال تايمز" الصينية، بأنها "خارج قشرة الاتحاد الأوروبي المزيفة والمثيرة للشفقة".