عقاب أم إقصاء.. ما أسباب غروب شمس الإخوان في المغرب العربي؟

خسارة الحزب لم تكن في الانتخابات النيابية فقط، بل وصلت إلى أعضاء المجالس الجماعية ومجالس الجهات، التي حل فيها الحزب، والتي تصدَّرها أيضًا حزب التجمع الوطني للأحرار، وجاء في الترتيب الثامن لها حزب العدالة والتنمية.

عقاب أم إقصاء.. ما أسباب غروب شمس الإخوان في المغرب العربي؟

السياق

خسارة مدوية، مُني بها حزب العدالة والتنمية الحاكم في المغرب، أذنت بغروب شمس الإخوان في البلد الإفريقي، بعد عشرية من السيطرة شِبه المطلقة على الحكومة، ولايتين متتاليتين.

فالخسارة التي وُصفت بـ«المذلة» التي مُني بها تنظيم الإخوان في المغرب العربي، كانت متوقَّعة، وجاءت بعد إخفاق على الأرض وغياب المنجزات، رغم قيادتهم الحكومة فترتين متتاليتين عمرهما 10 سنوات، ما خلَّف حالة من الإحباط والتردد، سرت إلى الناخبين المغاربة.

وفي انحدار يعد الأسوأ للحزب في تاريخه، حل «العدالة والتنمية» في المركز الثامن في الانتخابات النيابية، بعد أن كان متصدرًا المركز الأول في انتخابات 2016، في واقعة وُصفت بـ«الكارثة السياسية» للحزب.

 

بيانات رسمية

وزارة الداخلية المغربية، أعلنت في بيان، اطلعت «السياق» على نسخة منه، أنه بعد انتهاء فرز وإحصاء الأصوات الخاصة بانتخاب أعضاء مجلس النواب، وأعضاء المجالس الجماعية ومجالس الجهات، حل حزب التجمع الوطني للأحرار في المرتبة الأولى بـ102 مقعدًا، تلاه حزب الأصالة والمعاصرة بـ 86 مقعدًا، وحزب الاستقلال بـ 81 مقعدًا، وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بـ35 مقعدًا، وحزب الحركة الشعبية بـ29 مقعدًا، وحزب التقدم والاشتراكية بـ21 مقعدًا، وحزب الاتحاد الدستوري بـ18 مقعدًا، وحزب العدالة والتنمية بـ13 مقعدًا، بينما حصلت الأحزاب السياسية الأخرى على 10 مقاعد.

خسارة الحزب لم تكن في الانتخابات النيابية فقط، بل وصلت إلى أعضاء المجالس الجماعية ومجالس الجهات، التي حل فيها الحزب، والتي تصدَّرها أيضًا حزب التجمع الوطني للأحرار، وجاء في الترتيب الثامن لها حزب العدالة والتنمية.

ليلة قاسية

ليلة إعلان نتائج الانتخابات كانت «قاسية» على الحزب، بعد الكشف عن توالي الخسارات، التي جاءت أولاها من مدينة طنجة، وتلتها الدار البيضاء ومكناس، إلا أن الانكسار الأسوأ، جاء بعد خسارة الأمين العام للحزب، رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني في الرباط.

الخسارة المدوية، دفعت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، إلى تقديم استقالتها الجماعية، داعية إلى التعجيل بعقد مؤتمر وطني استثنائي للحزب.

 

استقالة جماعية

قالت أمانة حزب العدالة والتنمية، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه: إن «قرار الاستقالة يأتي في إطار تحمُّلها مسؤوليتها السياسية عن تدبيرها لهذه المرحلة»، مشيرة إلى أنها ستستمر «في تدبير شؤون الحزب طبقًا لمقتضيات المادة 102 من النظام الداخلي للحزب».

وقررت الأمانة العامة، الدعوة لعقد دورة استثائية للمجلس الوطني للحزب 18 سبتمبر الجاري، لتقييم شامل للاستحقاقات الانتخابية واتخاذ القرارات المناسبة، والتعجيل بعقد مؤتمر وطني استثنائي للحزب، في أقرب وقت ممكن.

وفي محاولة لإنكار الواقع، أكدت الأمانة العامة أن «النتائج المعلنة، غير مفهومة وغير منطقية، ولا تعكس الخريطة السياسية لبلادنا ولا موقع الحزب ومكانته في المشهد السياسي وحصيلته في تدبير الشأن العام المحلي والحكومي والتجاوب الواسع للمواطنين مع الحزب خلال الحملة الانتخابية».

إلا أن بيان الأمانة، صاحبته ردود فِعل عنيفة من المنتمين للحزب، أبرزها على لسان الأمين العام السابق عبدالإله ابن كيران (أو بنكيران)، الذي قال في منشور عبر «فيسبوك»: «لا يليق بحزبنا في هذه الظروف الصعبة، إلا أن يتحمَّل الأمين العام مسؤوليته، ويقدِّم استقالته من رئاسة الحزب، التي سيكون نائبه ملزمًا بتحمُّلها، إلى أن يعقد المؤتمر في أقرب الآجال الممكنة، لمواصلة الحزب تحمُّل مسؤوليته في خدمة الوطن من موقعه الجديد».

 

أسباب الخسارة

البرلمانية عن الحزب أمينة ماء العينين، قالت هي الأخرى عبر «فيسبوك»: على الحزب أن يعترف بهزيمته وأن يتدارس أسبابها، داعية إلى استقالة العثماني.

وقالت العينين، في تدوينتها: «لقد عاقب المغاربة الحزب، هذه هي الحقيقة التي يجب الاعتراف بها بشجاعة في بداية للتصالح معهم (..) لقد شعر الناس بتخلي الحزب عن المعارك الحقيقية، وتخليه عن السياسة مع قيادة منسحبة وصامتة ومترددة في معظم القضايا الجوهرية، فتخلوا عنه».

وعن أسباب الخسارة، قالت ماء العينين: «الحقيقة أن حزبنا كان طوال الفترة السابقة حزبًا كبيرًا بقيادة صغيرة»، مشيرة إلى أن من أسباب الهزيمة «صم الآذان عن صوت النقد الصادق».

وأشارت إلى أن سعد الدين العثماني «سمح بمرور قوانين انتخابية كارثية، كما قدَّم تنازلات غير مدروسة، ورفض تفعيل مقتضيات دستورية، كان يمكن أن تنقذ الحزب، كما تبنى منطقاً إقصائياً حديدياً داخل الحزب».

الاعتراف النادر من حزب العدالة، بتقصيره، جاء بعد أيام، من طرد مواطنين وتجار مغاربة، رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية سعد الدين العثماني، من أحد الأسواق التجارية بمدينة الرباط، وطلبوا منه الرحيل.

العثماني الذي كان يقود حملته الانتخابية في شوارع الرباط، استقبله المواطنون والتجار بشعارات «ارحل وسير في حالك»، بينما هتف آخرون «لصوص»، فور دخوله سوق آيت باها التجاري بمدينة الرباط، ليفاجأ بمطالبة المواطنين له ولحزبه بالرحيل.

وبحسب المقاطع المتداولة، فإن العثماني وأعضاء حملته الانتخابية حاولوا التحدُّث مع المواطنين، إلا أن الغضب الذي قوبلوا به، أجبرهم على الخروج من السوق التجاري والمغادرة.

زلزال سياسي

الزلزال السياسي الذي حدث في المغرب، بإقصاء العدالة والتنمية وتصدُّر التجمع الوطني للأحرار، جعل الأخير يعلن عبر رئيسه عزيز أخنوش، أن حزبه «لم يأتِ يومًا لمواجهة تيار سياسي أو حزب معين، وإنما تلبية لمبادرة مجموعة من مناضلات ومناضلي الأحرار الذين كانوا يتطلعون إلى بناء حزب قوي ومتفاعل مع انتظارات المواطنين».

وأكد أخنوش استعداد حزبه «للعمل بثقة ومسؤولية مع كل الأحزاب التي تتقاطع معه في المبادئ ورؤى البرامج لرفع مختلف التحديات»، مشيرًا إلى أنه «يسعى إلى تقديم البديل الذي يتوق إليه المغاربة».

وقال أخنوش، في تصريحات صحفية بالرباط، غداة إعلان النتائج المؤقتة للاستحقاقات الدستورية، إن البرنامج الانتخابي للحزب الذي يضم خمسة التزامات و25 إجراءً، سيشكل قاعدة المفاوضات مع الأحزاب الوطنية، في سبيل بناء أغلبية قوية ومنسجمة تُحدث قطيعة مع الماضي، وتجمعها رؤية موحدة وبرنامج حكومي طموح.

استكمال المشاريع

وأضاف أن «هدف الحزب يتمثَّل في تكوين أغلبية رصينة، قادرة على تفعيل التوجهات الكبيرى والمشاريع المهيكلة التي أطلقها الملك، وقادرة على استكمال مسار التنمية تحت قيادة جلالته، الضامن لنجاح التجربة الديمقراطية في بلادنا».

وتعهد رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار بـ«العمل بجد طالما نحظى بدعم المواطنين والمواطنات، من أجل تحسين معيشتهم اليومية وتحقيق طموحاتهم واستعادة الثقة في ممثليهم».

 

معالم الطريق

وشدَّد على أن هدف حزب التجمع الوطني للأحرار، في ظِل تداعيات الأزمة الصحية العالمية الراهنة، العمل على رسم معالم طريق الأمل، لبناء مجتمع صامد في وجه تقلبات الحياة، يحمي كبار السن وذوي الحاجات الخاصة، والأسر التي تعاني الفقر والهشاشة.

وأكد أن الحزب أمامه فرصة للاستثمار في المنظومة الصحية، وإنعاش التشغيل واستعادة الثقة في الاقتصاد الوطني، وتحديث المنظومة التعليمية، واستعادة الكرامة والاحترام بين المواطن والإدارة.

حزب التجمع الوطني للأحرار، يوصف بأنه مقرَّب من القصر، أسسه مقرَّب من الملك الراحل الحسن الثاني في السبعينيات، ويتزعمه وزير الفلاحة عزيز أخنوش، الذي قال إن «التجمع الوطني للأحرار قدَّم الوزراء الذين حقَّقوا نتائج ممتازة في جميع القطاعات الإنتاجية».

وحزب الأحرار معروف باستقطابه نُخب المال والأعمال والإدارة بوزارات قوية، وينفق بسخاء على الحملة الانتخابية، عبر الترويج للمجال الرقمي، بينما تشير تقديرات إلى هوة مالية كبيرة بينه وبين منافسيه.