منع التمويل الأجنبي للجمعيات في تونس.. حصار للإرهاب أم تقييد للحريات؟

بين مرسوم الرئيس التونسي وبيان الجمعيات المدنية الرافض لها، كانت هناك منطقة رمادية، تحدث فيها المحللون السياسيون عن تأثير القرار المرتقب إصداره في الشارع التونسي، وفي عمل تلك الجمعيات، وما إذا كان سيؤدي إلى تجفيف منابع تمويل الجماعات الإرهابية أم لا

منع التمويل الأجنبي للجمعيات في تونس.. حصار للإرهاب أم تقييد للحريات؟
قيس سعيد

السياق

خطوة جديدة في طريق تجفيف منابع تمويل الجماعات الإرهابية، التي تتخذ من الجمعيات الحقوقية ستارًا، أم محاولة لتقييد الحريات، تفاوتت ردود الفعل على تصريحات الرئيس التونسي قيس سعيد، بعزمه سن قانون يمنع تمويل الجمعيات من الخارج.

الخطوة التي وصفها الرئيس التونسي بـ«الضرورية»، مؤكدًا أن بعض الجمعيات لها امتداد لقوى خارجية، وتنفذ أجندتها بما يعارض المصالح الوطنية، رفضتها جمعيات مدنية وحقوقية، مطالبة بعدم تغيير المرسوم المُنظم للعمل الأهلي (المرسوم رقم 88)، لضمان مناخ يتسم بالشفافية وحرية العمل حسب المعايير الدولية، بعيدًا عن المقاربات الرقابية والأمنية.

وتمنع المادة 35 من المرسوم رقم 88، الصادر عام 2011، الجمعيات من «قبول مساعدات أو تبرعات أو هبات صادرة عن دول لا تربطها بتونس علاقات دبلوماسية أو عن منظمات تدافع عن مصالح وسياسات تلك الدول».

إلا أنه بين مرسوم الرئيس التونسي وبيان الجمعيات المدنية الرافض لها، كانت هناك منطقة رمادية، تحدث فيها المحللون السياسيون عن تأثير القرار المرتقب إصداره في الشارع التونسي، وفي عمل تلك الجمعيات، وما إذا كان سيؤدي إلى تجفيف منابع تمويل الجماعات الإرهابية أم لا.

 

مراجعة ضرورية

قالت ضحى السعفي، الناشطة والمحللة السياسية التونسية، في تصريحات لـ«السياق»: على الحكومة التونسية مراجعة مراقبة وحظر التمويل الأجنبي للجمعيات.

وبينما أكدت السعفي، أن هناك فسادًا داخل بعض تلك الجمعيات بالفعل، يستلزم تنقية وتنقيح جميع مصادر التمويلات الخارجية ومحاربة الفساد الذي عدَّته حقًا للدولة، إلا أنها تحفظت في المقابل على توجيه الاتهام لجميع الجمعيات التي تحصل على تمويلات خارجية.

وأشارت إلى أن تلك الجمعيات أتاحت فرص عمل لمجموعة كبيرة من الشباب التونسي، وفتحت آفاقًا "مهمة" للشباب، وأدخلت العملة الصعبة للبلاد، في محاولة منها المساهمة في العملية الاقتصادية بشكل أو بآخر.

وبحسب الإحصائيات التونسية الرسمية، فإن عدد الجمعيات المدنية والحقوقية في تونس يتخطى 23 ألفاً، بينما يشير تقرير لجنة التحاليل المالية في البنك المركزي التونسي، الصادرة عام 2017، إلى وجود جمعيات إسلامية تتلقى أموالاً طائلة من جهات أجنبية تحت غطاء الحملات الخيرية.

وأصدرت السلطات التونسية، عام 2017، قرارًا بتجميد نحو 153 جمعية، كانت تنشط تحت غطاء اجتماعي، ولها علاقة بتمويل الإرهاب في تونس.

 

أدوار مشبوهة

وفي هذا الإطار، قال محمد ذويب المحلل السياسي التونسي، في تصريحات لـ«السياق»، إن هناك مطالب تونسية للرئيس قيس سعيد، بأن يتخذ قرار مراقبة تمويل الجمعيات منذ 25 يوليو 2021، نظرًا للدور الذي وصفه بـ«المشبوه» والذي تلعبه بعض الجمعيات تحت غطاء مختلف.

وأكد المحلل السياسي التونسي، أن بعض هذه الجمعيات تتحول في فترة الانتخابات إلى أذرع لأحزاب سياسية، وتؤثر بصفة مباشرة في المزاج الانتخابي العام في تونس، مطالبًا بمراقبة تمويلاتها.

ورغم تأكيده ومطالبته بضرورة التفعيل السريع لمرسوم لمراقبة التمويلات المشبوهة، فإنه قال: يجب التفريق بين هذا النوع من الجمعيات وبعض الجمعيات الأخرى التي تتلقى تمويلات أجنبية، لكنها تقوم بدور تنموي واجتماعي مهم في تونس.

وأشار المحلل السياسي التونسي، إلى أن قرار رئيس الجمهورية قيس سعيّد بمراقبة تمويلات الجمعيات، أثار الكثير من اللغط، متوقعًا أن يثير «إشكالات» خاصة في الفترة المقبلة؛ كون الضغط هذه المرة من الداخل والخارج، لأن الآلاف من الجمعيات في تونس ويتلقى بعضها تمويلات أجنبية.

 

مراقبة الجميع

بدوره، قال محمد الصافي الجلالي، المتحدث السابق باسم حزب المبادرة الدستورية التونسي، في تصريحات لـ«السياق»، إن القانون بمراقبة أو حظر التمويل من الخارج، يجب أن يسري على جميع الجمعيات.

وأوضح السياسي التونسي، أن هناك عددًا من الجمعيات التى باتت معروفة للشارع التونسي، بأنها على ولاء وارتباط بالخارج في تمويلاتها، مشيرًا إلى أنه «ثبت» تدخلها في العملية الديمقراطية خاصة في الانتخابات، مستغلة الأموال التي تتدفق إليها من الخارج لمناصرة الأحزاب ذات التوجه الديني.

 

استغلال الحريات

من جانبها، قالت ضحى طليق المحللة السياسية التونسية في تصريحات لـ«السياق»، إن السنوات العشر الأخيرة شهدت طفرة في النشاط الأهلي، مشيرة إلى أن هذه الجمعيات «استغلت» مناخ الحرية والديمقراطية والقوانين التي خففت الرقابة على أنشطة هذه الجمعيات ومصادر تمويلها.

وبينما تنشط في تونس حالياً نحو 23 ألف جمعية في مختلف المجالات، قالت المحللة السياسية التونسية، إن الكثير منها استغل مناخ الحرية وغياب الرقابة، ليقوم بأنشطة خارجة عن القانون، كعمليات التسفير وتبييض الأموال، أو بث الفتنة والترويج للفكر المتشدد، على غرار فرع الاتحاد الدولي لعلماء المسلمين وغيره، الذي أنشأ مدارس تدعي أنها «قرآنية»، لكن تبين في ما بعد أنها «فضاءات» لتدريب الأطفال على التطرف والإرهاب.

 

ترويج للفرقة

وأوضحت المحللة التونسية، أن هناك جمعيات تنشط تحت غطاء النشاط الثقافي، إلا أنها تروج للفرقة بين أبناء الوطن الواحد؛ كإثارة مسائل الأقليات وغيرها.

وأشارت إلى أن هناك فروعًا لجمعيات دولية، لا يمكن الاطلاع على الأموال التي تنفقها، إضافة إلى منظمات تموِّل أنشطة ثقافية كالإنتاج السينمائي أو الوثائقيات، لكنها تتدخل في المحتوى وتشترط بعض الأمور التي يجب إدراجها في المنتج، وهي لا تنسجم مع طبيعة المجتمع التونسي.

وتختلف المحللة السياسية التونسية مع الآراء التي تذهب إلى أن قرار مراقبة التمويل الخارجي للجمعيات، يمثل نوعًا من التعدي على الحريات العامة، قائلة إن احترام القانون لن يكون متناقضًا مع مناخ الديمقراطية.

وشددت على أنه حان الوقت للخروج من حالة الفوضى التي كانت تعيشها تونس، إلى حالة العمل في إطار قانون يراعي مصالح البلاد وسيادتها.

كانت الجريدة الرسمية للجمهورية التونسية نشرت في 10 فبراير الجاري قرار رئيسة الحكومة نجلاء بودن، الذي يتعلق بضبط قائمة الجمعيات المنصوص عليها في الفصل 25 المتعلق بمعايير وإجراءات وشروط إسناد التمويل العمومي للجمعيات.

يأتي ذلك في الوقت الذي تسرب فيه لوسائل الإعلام التونسية، مشروع قانون تعده الإدارة العامة للجمعيات في رئاسة الحكومة، يقوم على تنقيح مرسوم 88 لسنة 2011 المنظم للجمعيات.