بعد هبوطها إلى مستوى قياسي.. سيناريوهات غامضة تنتظر الليرة التركية

يأتي التراجع الجديد في سعر العملة التركية، بعد ساعات من تصريحات رجب طيب أردوغان، إذ أعلن ما سماها حرب الاستقلال الاقتصادي متعهدًا بخفض معدل التضخم الذي تجاوز 21%.

بعد هبوطها إلى مستوى قياسي.. سيناريوهات غامضة تنتظر الليرة التركية

ترجمات - السياق

بعد هبوط الليرة التركية إلى قاع غير مسبوق، بداية تعاملات الاثنين، ليكسر الدولار الأميركي حاجز 17.5 ليرة، تساءلت شبكة بلومبرغ الأمريكية: ما الذي يتطلبه وقف انحدار العملة بهذا المستوى السريع، وما السيناريوهات التي تنتظرها في العام الجديد؟

وذكرت الشبكة، أن هذا هو السؤال الذي يطرحه المستثمرون مع دخولهم عام 2022 وهم يفكرون في أسوأ العملات أداءً في الأسواق الناشئة هذا العام، مشيرة إلى أنه حتى تعُهد البنك المركزي التركي، بوقف خفض أسعار الفائدة لم يتمكن من وقف تراجع الليرة ولا الهبوط المفاجئ في سوق الأسهم.

يأتي التراجع الجديد في سعر العملة التركية، بعد ساعات من تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان، إذ أعلن ما سماها "حرب الاستقلال الاقتصادي" متعهدًا بخفض معدل التضخم الذي تجاوز 21%.

مقابل ذلك، خرج آلاف المتظاهرين، إلى شوارع إسطنبول وأنقرة، بدعوة من نقابة العمال، للاحتجاج على زيادة التضخم وتدهور قيمة الليرة التركية.

 

عام قاسٍ

ورأت "بلومبرغ" أن تعليقات أردوغان، هي أحدث دليل على عام قاسٍ للأسواق التركية، بدأ في مارس بإطاحة ناجي أغبال حاكم البنك المركزي، والصديق المؤيد لقواعد للسوق، ثم بدأت عملية تخفيف السياسة جدياً، مع تكريس أردوغان لسياسة معدلات منخفضة غير تقليدية، في صميم استراتيجيته لترويض التضخم المتصاعد وتوفير فرص العمل.

وأمام هذه التوقعات السيئة للعملة التركية مع اقتراب العام الجديد، نقلت "بلومبرغ" عن أوجيداي توبجولاش، مدير المال في مؤسسة "رام كابيتال"، قوله: "لكي تعود تركيا منتصرة فإنها بحاجة إلى تغيير العقلية الاقتصادية والسياسية، ورغم أن حدوث تحول في السياسة النقدية للبنك المركزي التركي، يمكن أن يغير قواعد اللعبة على المدى القصير، فإنه قد لا يقنع المستثمرين".

وحددت الشبكة الأمريكية الأضرار التي لحقت بالعملة التركية في نقاط: تراجع الليرة 57% هذا العام، ومن المفترض أن تتجاوز مستويات الانخفاضات خلال الأزمة المالية لعام 2001 التي أوصلت حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان إلى السلطة.

يوم الجمعة، أوقفت تركيا التعاملات في جميع الأسهم المدرجة، بعد أن أدت الانخفاضات الحادة إلى آلية "قواطع دوائر الأسهم" على مستوى السوق، مع استمرار انخفاض الليرة إلى مستوى قياسي.

رغم أن الأسهم لا تزال مرتفعة 41% هذا العام حسب المعايير المحلية، فإنها الأسوأ أداءً على مستوى العالم بالدولار الأمريكي، مع انخفاض 36%.

وبلغ الانخفاض 500 نقطة أساس منذ سبتمبر، ما تسبب في تصنيف تركيا، من أقل الأسواق الناشئة في العائدات الحقيقية.

 

نهج مختلف

وتوقعت الشبكة الأمريكية، أن ينتهج أردوغان سياسة مغايرة مع الليرة العام المقبل، مضطرًا، كمحاولة منه لوقف النزف المتواصل، وتساءلت: هل يضطر البنك المركزي التركي إلى تغيير وجه السياسة، كما فعل خلال أزمات الليرة؟

وللإجابة عن ذلك، أضافت: "يعتقد الاستراتيجيون، بمن فيهم العاملون في مجموعة غولدمان ساكس للخدمات المالية، أن فرصة حدوث ارتفاع كبير في النصف الأول من العام تتزايد، مع انتقال صدمة السوق من تخفيضات أسعار الفائدة إلى الاقتصاد الأوسع".

لكن -حسب "بلومبرغ"- الإشارات تؤكد أن أردوغان سيتراجع عن موقفه بشأن أسعار الفائدة، مشيرة إلى أن هذا الموقف تعود جذوره إلى مفاهيم الربا والاعتقاد بأن تكاليف الاقتراض المرتفعة ستنتقل إلى المستهلكين، ما يؤدي إلى زيادة التضخم.

ونقلت الشبكة الأمريكية عن بول غرير، مدير الأموال في "فيديليتي إنترناشيونال" (Fidelity International) التي مقرها لندن، قوله: "يبدو أن الإدارة الحالية مدفوعة بإيجاد الوظائف والنمو الاقتصادي، أقل اهتماماً بالعملات الأجنبية واستقرار التضخم"، مشيرًا إلى أن هذا المزيج من الأولويات، يتعارض مع ما يبحث عنه مستثمرو الدخل الثابت، في الخارج.

 

توقيت الانتخابات

وعن ارتباط انهيار العملة بالانتخابات التركية المقبلة، أوضحت "بلومبرغ" أنه لا خطط لإجراء الانتخابات المقبلة في تركيا قبل يونيو 2023، لكن ذلك لا يخفف التكهنات بإمكانية إجراء تصويت مبكر.

ونقلت الشبكة عن لوتز رويمير، كبير مسؤولي الاستثمار في "كابيتولوم أسيت مانجمنت" (Capitulum Asset Management) التي مقرها برلين، قوله: "إذا حدث ذلك -التصويت المبكر- يجب أن تخشى السوق بعض الإجراءات اليائسة بشأن الإنفاق أو الحكومة، في محاولة لتحسين ترتيبها لدى الناخبين، ومن المرجح أن يلقي ذلك بثقله على العملة بشكل أكبر".

وأوضحت أنه مع مغادرة معظم المستثمرين الأجانب منذ فترة طويلة، يبدو أن مدخرات العملة الصعبة بمليارات الدولارات، التي تحتفظ بها الأسر التركية والشركات المحلية، هي التي ستؤدي إلى تقلبات الليرة عام 2022، مشيرة إلى أن المواطنين يمتلكون نحو 229 مليار دولار من العملات الأجنبية حتى 10 ديسمبر، أي ما يعادل أكثر من 60% من الودائع، حسب آخر بيانات البنك المركزي.

وعن ذلك، يقول نيك ستادميلر، مدير استراتيجية الأسواق الناشئة في "ميدلي غلوبال أدفيازرز" (Medley Global Advisors) للشبكة الأمريكية: "ربما كان لفقدان ثقة الأتراك بالليرة، تأثير أكبر في انخفاض العملة من تصورات المستثمرين الأجانب، ومع ذلك فإن الشركات والأفراد بحاجة إلى مبلغ معين من الليرة في الودائع لدفع النفقات العادية، ما يبقي على قدر معين من الليرة في النظام".

 

انخفاض جديد

وكشفت "بلومبرغ" عن مخاطر أخرى خارجة عن سيطرة أردوغان، تهدد الليرة بانخفاض جديد، مشيرة إلى أنه في الوقت الذي تستعد فيه البنوك المركزية في الغرب، وبينها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، لمواجهة التضخم في المستقبل، تتزايد المراهنات على تشديد السياسة النقدية بالاقتصادات المتقدمة في العالم، وبذلك ستضعف الأسعار المرتفعة للأصول الأكثر أماناً في العالم جاذبية، الأسواق الناشئة المحفوفة بالمخاطر، بما في ذلك تركيا.

ونقلت الشبكة عن كارلوس هاردنبرغ، مدير المحفظة في "موبيوس كابيتال بارتنرز"، أنه إلى جانب فقدان الثقة بإدارة البنك المركزي، سيضعف الاهتمام الأجنبي بالاستثمار في تركيا.