فقدت ابنتي وسأقاتل لأحفادي.. قصة موسيقي أنقذ أحفاده من براثن داعش في سوريا

نيويورك بوست تروي قصة موسيقي أنقذ أحفاده السبعة من براثن داعش في سوريا

فقدت ابنتي وسأقاتل لأحفادي.. قصة موسيقي أنقذ أحفاده من براثن داعش في سوريا

ترجمات – السياق

عندما علم أن ابنته ماتت في سوريا، لم يستطع التوقف للحزن، لأنه كان بحاجة لإنقاذ أحفاده السبعة، الذين نُقلوا بعد وفاة والديهم إلى مخيم الهول للاجئين، الذي يديره الأكراد شمالي شرق سوريا.

«فقدت ابنتي منذ وقت طويل، عندما كانت تعيش حياة متطرفة، إلا أنني أحاول أن أفعل كل ما بوسعي لأطفالها»، يقول الموسيقي السويدي من أصول تشيلية، باتريسيو خالفيز، عن المهمة التي كانت شبه مستحيلة، التي عقدتها زواج ابنته المتوفاة بأكثر إرهابي مكروه في الدول الإسكندنافية، مايكل سكرامو، الذي جمع الأموال وجنَّد أعضاء لتنظيم داعش، وأصدر تعليماته لأتباعه على وسائل التواصل الاجتماعي بقتل غير المسلمين في السويد.

ويسرد الموسيقي السويدي، في تصريحات لصحيفة نيويورك بوست، كواليس رحلته لتحرير أحفاده بتفاصيل مؤلمة في فيلم وثائقي جديد بعنوان «أطفال العدو»، للمخرج التشيلي السويدي غوركي جلاسر مولر، سيعرض في أمريكا الشمالية السبت في مهرجان DOC NYC قبل بثه عبر الإنترنت.

 

حلم دفين

ورغم الحياة التي عاشتها أماندا، فإن والدها باتريسيو جالفيز ما زال يرغب في العودة إلى سوريا ليرى أين دُفنت، كما قيل له، مشيرًا إلى أن ابنته التي كانت حاملًا في طفلها الثامن، قُتلت في غارة جوية في يناير 2019 بالقرب من الباغوز، نفَّذتها قوات المتمردين المدعومة من الولايات المتحدة.

وأوضح جالفيز، أنه بعد شهرين من وفاة ابنته، قُتل زوجها بالرصاص، لينقل الأطفال السبعة الباقين على قيد الحياة، الذين تراوحت أعمارهم بين سنة و8 سنوات، إلى مخيم الهول للاجئين، الذي يديره الأكراد شمالي شرق سوريا.

وأشار إلى أن هذا الموقع البائس، الذي يأوي أكثر من 60 ألف شخص، كان الأطفال فيه معرضين للموت بسبب سوء التغذية، ناهيك عن تلقينهم لعقيدة تنظيم داعش، من خلال شبكات أرامل داعش، اللائي غسلن أدمغة «أشبال الخلافة».

وقال جالفيز، 53 عامًا، لـ«نيويورك بوست»: «كنت بحاجة للعثور على الأطفال (..) كانت مهمتي الذهاب إلى سوريا وجلب أطفالها».

 

أيتام داعش

وبحسب مجموعة «Save the Children»، فإن 40% فقط من أيتام داعش في الهول يتلقون التعليم، بينما يعد العنف حدثًا يوميًا في المخيم، مشيرة إلى أن العديد من الأطفال أخبروا المؤسسة الخيرية، بأنهم يشعرون «بعدم الأمان» عندما يذهبون إلى السوق أو يستخدمون المراحيض ومرافق الاستحمام، بسبب شيوع جرائم القتل ومحاولات القتل والاعتداءات والحرق المتعمد.

وإلى ذلك يقول جالفيز عن أحفاده السبعة: «كنت بحاجة إلى إخراجهم من هذا الجحيم بأسرع ما يمكن (..) كنت أرغب في إبعادهم عن التعصب، الذي يشبه السرطان الخبيث».

وتناوب الموسيقي، الذي نشأ في تشيلي ويعيش الآن في جوتنبرج بالسويد، بين لغته الأصلية الإسبانية والإنجليزية، حيث روى قصة الشهرين اللذين قضاهما في محاولة إنقاذ أحفاده.

ورافق المخرج جلاسر مولر، 48 عامًا، جالفيز إلى الحدود السورية في العراق، لتأريخ مهمة الإنقاذ التي قام بها رجل واحد، بينما يقول مولر لصحيفة نيويورك بوست، من منزله في جوتنبرج: «كنت أنا فقط، خلف الكاميرا طوال الوقت (..) كان الأمر مخيفًا في بعض الأحيان، لأنني لم تكن لدي أدنى فكرة عما كنت سأدخله، لعبور الحدود إلى سوريا».

وكان ذنب جالفيز جزئيًا لعدم وجود ابنته حوله، هو الذي غذى مهمته لإنقاذ أطفالها، واعتنقت أماندا غونزاليس الإسلام في الثامنة عشرة من عمرها، بتوجيه من والدتها التي عاشت معها بعد انفصال والديها عندما كانت طفلة صغيرة.

وغيّر جالفيز لقبه من غونزاليس، عندما هاجر من تشيلي منذ أكثر من 30 عامًا، بعد أن حاولت أماندا، التي غطت نفسها بالبرقع، من دون جدوى، تحويل والدها إلى الإسلام ورفضت تناول العشاء معه في المطاعم التي تقدم الكحول، فتباعد الاثنان عن بعضهما.

 

أبناء العدو

قابلت أماندا سكرامو من خلال مدونة ذات طابع إسلامي كتبتها من جوتنبرج، بحسب «نيويورك بوست»، التي قالت إن زوجها كان يخطب في المسجد، وكان لديه قناته الخاصة على يوتيوب، وغيَّر اسمه إلى "أبو إبراهيم السويدي" بعد أن أصبح أكثر تطرفاً.

وبعد أن تزوج الاثنان، شعر جالفيز كما لو أن أماندا ضاعت أمامه، رغم أنه لا يزال يزورها في السويد بعد ولادة أكبر أطفالها، قائلًا إن ابنها الأول، إبراهيم، ولد وهي في الـ21 من عمرها.

وقال جالفيز من سكرامو، وهو نرويجي أحمر الرأس اعتنق الإسلام: «لم يكن موجودًا(..) أماندا كانت دائمًا في المنزل مع الأطفال»، مشيرًا إلى أن ابنته أرادت أن تكون مخرجة أفلام.

ولتشجيعها على ذلك، اشترى لها والدها كاميرا فيديو وجدها سليمة بعد أن غادرت السويد، قائلًا: «كاميرات الفيديو حرام، ممنوع في الدولة الإسلامية».

عام 2014، اتبعت أماندا، التي كانت تبلغ من العمر آنذاك 24 عامًا وأمًا لأربعة أطفال، سكرامو إلى الرقة، عاصمة «داعش» في سوريا، إلا أنها أخبرت والدها -الذي صدَّقها- أنها ذاهبة إلى تركيا لقضاء أسبوعين إجازة.

وبدلاً من ذلك، انتهى بها الأمر بقضاء الكثير من وقتها في تربية أسرتها المتنامية في القيود الصارمة لتنظيم «داعش» المزعومة، التي أسسها أبو بكر البغدادي، زعيم التنظيم الإرهابي في صيف 2014، لتجمع الآلاف من مسلحي التنظيم من جميع أنحاء العالم في الرقة، حيث حوِّل ملعب كرة القدم إلى مركز للتعذيب، وقطع داعش رؤوس أعدائه.

 

حياة من دون قيمة

أنجبت أماندا ثلاثة أطفال في الخلافة، واستمرت في التواصل مع والدها من خلال الدردشات عبر الإنترنت، التي حاولت من خلالها إقناعه بأنها وسكرامو لديهما دعوة أعلى، قائلة: «الحياة لا قيمة لها (..) ما لدينا مهم».

عام 2018، عندما استولت جماعة مسلحة مدعومة من الولايات المتحدة على المدينة، أصبحت الرسائل من أماندا إلى والدها يائسة بشكل متزايد، واضطرت عائلتها إلى الفرار من زحف قوات المتمردين، وكانت تتنقل من منزل آمن إلى آخر، وسط معارك بالأسلحة النارية وتفجيرات، وتوسلت إلى والدها لإرسال نقود لها.

وقالت أماندا: أنت تعلم أنني كنت نحيفة، لكن ملابسي تتساقط الآن، جنبًا إلى جنب مع صور الأطفال الذين يبدون في غاية النحافة، الوضع محزن للغاية.

ووعد جالفيز، الذي ذهب إلى تشيلي في جولة موسيقية في صيف 2018، ابنته بأنه سيجد طريقة لمساعدتها، إلا أن آخر مرة سمع فيها عنها كانت في ديسمبر من ذلك العام، قالت فيها إنها كانت تعيش في ظروف صعبة للغاية وليس لديها ما تأكله.

وتلقى جالفيز نبأ وفاتها في 3 يناير 2019، عندما اخترقت شظية ظهرها، بينما شاهدها أكبر أطفالها تنزف حتى الموت.

ونجا سكرامو وفر مع الأطفال، إلا أنه بعد شهرين، وتحديدًا أوائل مارس من العام نفسه، أصيب سكرامو -الذي تزوج مرة أخرى- بالشلل برصاصة، وترك الأطفال في رعاية زوجته الثانية، التي أخبرت والدة أماندا بوفاته، وفقًا لتقرير في صحيفة وول ستريت.

منتصف مارس، سمع جالفيز من والدة أماندا، أن الأطفال نجحوا في الخروج بأمان من منطقة الحرب، وكانوا يعيشون في مخيم الهول للاجئين.

وبعد شهرين من وفاة سكرامو، وجد جالفيز وجلاسر مولر نفسيهما عالقين في غرفة فندق بأربيل، عاصمة كردستان العراق، في انتظار أسابيع من المسؤولين السويديين والأكراد للسماح لهم بزيارة الأطفال، وشعر الرجلان بالغبطة عندما حصلا على إذن لزيارة المخيم عبر الحدود.

يقول جالفيز في الفيلم: «سأعلمهم كلمة الحرية بالإسبانية»، بينما يقول جلاسر مولر عن إنقاذ الأطفال: «كان من الواضح أن باتريسيو سيستسلم للحزن إذا لم ينجح (..) فكرت، هل سأكون الشخص الذي يجب أن يلتقط القطع؟ في مرحلة معينة عليك أن تختار أن تكون مخرجًا أو أن تكون شخصًا».

 

الكابوس البيروقراطي

وتنجرف جلاسر مولر في الدراما، وتصور سرًا للأطفال في المخيم حيث كان أصغرهم محمد، البالغ من العمر سنة واحدة، نحيفًا.

كأن الكابوس البيروقراطي لإنقاذ أحفاده لم يكن كافيًا، فبينما وثقت وسائل الإعلام السويدية عملية الإنقاذ في مايو 2019، تلقى رسائل على وسائل التواصل الاجتماعي، من أولئك الذين لا يريدون إعادة أطفال «الإرهابيين» إلى بلادهم.

«لقد قمت بتربية إرهابي، أنت لست والدًا لائقًا»، هكذا تقرأ إحدى الرسائل التي يشاركها جالفيز في الفيلم، إلا أنه في ذلك الوقت، أظهر استطلاع أجرته شركة YouGov في السويد، أن 54%من السويديين يعارضون إعادة أبناء أعضاء تنظيم داعش، مقابل 23% يؤيدونها.

وتعرف الأبناء إلى جدهم عندما جاء إلى المخيم، وسافروا معه إلى السويد بفضل الأصدقاء، الذين تبرعوا بالمال لشراء تذاكر الطائرة، لكن لم تكن هناك طريقة لاستيعاب سبعة أطفال صغار، كون الجد يعيش في شقة صغيرة ويربي بالفعل طفلين آخرين من تلقاء نفسه.

إلا أن الخدمات الاجتماعية السويدية، أصبحت متحكمة في مصير الأحفاد السبعة، الذين يعيشون بأسماء مختلفة، ويقيمون في دور رعاية بديلة على بعد ساعة من غوتنبرغ.

وقال جالفيز إنهم بعد عامين، بدأوا تكوين صداقات، مشيرًا إلى أنه يزورهم بانتظام في عطلات نهاية الأسبوع، لكن الخدمات الاجتماعية في السويد، لم ترتب لجمع الأطفال معًا، لحماية عدم كشف هويتهم، في بلد لا يزال من الممكن أن يتعرضوا فيه للوصم.