من أسير إلى أمير... كيف بدا نجل القذافي في أول ظهور له منذ 10 سنوات؟
من أسير إلى أمير منتظر.. هل يستعيد سيف الإسلام القذافي حكم ليبيا؟

ترجمات - السياق
من أسير إلى أمير منتظر، هكذا وصفت صحيفة نيويورك تايمز، نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، الذي ظل قرابة عشر سنوات متواريًا عن الأنظار، مجهول المصير.
فرغم أن منظمة هيومان رايتس ووتش، قالت إنه لا دليل على أن سيف الإسلام حيٌّ منذ عام 2014، وهو ما أكده معظم الذين قابلتهم «نيويورك تايمز» في ليبيا، الذين أشاروا إلى أنهم لا يعرفون إن كان حيًّا أم ميّتًا، التقت الصحيفة نجل القذافي، في فيلّا من طابقين تبدو عليها مظاهر الترف، بهضبة الزنتان، غربي ليبيا.
بملامح بدت أكبر سِنًّا ووجه كسته لحيةٌ طويلةٌ غزاها الشيب، وبإبهام وسبابة مبتورين في يده اليمني، بدا سيف الإسلام، الذي كان يرتدي عباءة سوداء خليجية، تزيِّنها أهدابٌ ذهبية، كأنه رئيس دولة، ووشاحًا ملفوفًا بشكلٍ مهندمٍ حول رأسه، بحسب الصحيفة، التي قالت إنه لو ورث القذافي الابن شيئًا من أبيه، فهو أسلوبه المتكلِّف.
الساحة السياسية
وقال روبرت وورث الرئيس السابق لمكتب نيويورك تايمز في بيروت، والصحافي الذي أجرى المقابلة، إنه بعد فترة من الصمت المشوب بالارتباك، أجاب نجل القذافي على سؤال بشأن ما إن كان لا يزال سجينًا، قائلا: إنه رجلٌ حرٌّ وإنه يرتّب لعودته إلى الساحة السياسية.
وأوضح نجل القذافي أن المقاتلين الذين اعتقلوه قبل عشر سنوات قد تحرّروا مما وصفه بـ«وهْم الثورة» وأدركوا في نهاية المطاف أنه قد يكون حليفًا قويًّا لهم، متسائلا باستغراب: «هل لك أن تتخيل؟ الرجال الذين كانوا حرّاسي هم الآن أصدقائي».
الحركة الخضراء
روبرت وورث، قال إن سيف الإسلام، استغل غيابه عن الساحة، في مراقبة الأوضاع السياسية بالشرق الأوسط، والعمل بهدوء على إعادة تنظيم القوة السياسية التابعة لأبيه، المعروفة باسم «الحركة الخضراء»، مؤكدًا أنه رغم تحفُّظه بشأن الحديث عن احتمال ترشُّحه للرئاسة، فهو يعتقد أن الحركة التي يقودها، بإمكانها أن تعيد إلى البلاد وحدتها المفقودة.
فالشعار الذي اختاره لحملته، نجح في دول عدة، بما فيها أمريكا، هو: "السياسيون لم يقدِّموا لكم سوى المعاناة، حان وقت العودة إلى الماضي"، يقول روبرت.
وقال سيف الإسلام، عن السياسيين: لقد اغتصبوا بلادنا وأذلّوها. ليس لدينا مالٌ ولا أمنٌ ولا حياة، إذا ذهبتَ إلى محطة الوقود، لن تجد وقودًا، نحن نصدِّر النفط والغاز إلى إيطاليا، نحن نضيء نِصف إيطاليا، ونعاني انقطاع الكهرباء، ما يحدث تخطّى حدود الفشل، إنه مهزلة.
أوضاع متردية
نظرة سيف الإسلام للواقع، قال عنها روبرت، إنه «بعد مرور عشر سنوات، على حالة النشوة التي صاحبت الثورة، يتفق معظم الليبيين مع هذه الرؤية، ففي طرابلس، تحتل أسراب النورس، الفندق الكبير الذي لم يكتمل بناؤه، والذي يتخذ شكل كتلة رمادية عملاقة من الطوب الإسمنتي والرافعات المطلّة على المحيط».
وأشار إلى أن هذا المشروع، واحدٌ من مشاريع عدة، دعمها سيف الإسلام، لكنه لم يُستكمَل بناؤه منذ عام 2011، كما أن هناك العديد من المباني الخاوية الأخرى، التي تشوِّه سماء ليبيا، بعد عزوف المموِّلين الأجانب، عن المخاطرة بأموالهم، في ظِل هذه الأوضاع المتردية.
وأكد أن بعض أمراء الحرب في ليبيا، كدَّسوا ثروات طائلة، فبينما تضخّ ليبيا نحو مليون برميل من النفط يوميًّا، يعاني معظم الناس انقطاع الكهرباء ساعات في اليوم، إلى جانب معاناتهم للحصول على مياه الشرب، وتقف آثار ثقوب الرصاص، في طرابلس وغيرها من المدن الكبرى، شاهدًا على حرب دارت رحاها على نحو متقطع على مدى عقد كامل.
تطلعات رئاسية
وتقول «نيويورك تايمز»: رغم اختفاء سيف الإسلام عن الساحة، فإن تطلعاته للرئاسة، تؤخذ على محمل الجدّ، فخلال المحادثات التي أسفرت عن تشكيل الحكومة الليبية الحالية، سُمح لمؤيديه بالمشاركة، ونجحوا بمهارة إلى الآن، في إلغاء شروط للانتخابات، كانت ستحول بينه وبين الترشُّح.
وتشير بيانات استطلاعات الرأي المحدودة في ليبيا، إلى أن قطاعًا عريضًا من الليبيين – بنسبة 57% في منطقة واحدة –عبَّـروا عن «ثقتهم» بسيف الإسلام، الذي دفع أحد منافسيه قبل عامين، 30 مليون دولار لقتله (في محاولة ليست الأولى لاغتياله)، إلا أنها دليل تقليدي على مكانته السياسية.
شعبية سيف الإسلام
وفقًا لروبرت، فإن شعبية سيف الإسلام، تستمد من مشاعر الحنين إلى "ديكتاتورية" أبيه، وهو شعور يزداد انتشارًا في ليبيا وفي المنطقة، وقال إنه سأل أربعة ليبيين -أوائل العشرينات من العمر-عمَّن سيختارونه لرئاسة ليبيا، فذكر ثلاثة منهم اسم سيف الإسلام، إضافة إلى أن محامية ليبية، أخبرته بأن عملها غير الرسمي لقياس الرأي العام، يشير إلى أن ثمانية أو تسعة من كل عشرة ليبيين، سيصوِّتون لسيف الإسلام.
دبلوماسي أوروبي ذو خبرة طويلة في الشأن الليبي، قال لـ«نيويورك تايمز»: «يعتقد الروس أن سيف الإسلام قد يفوز»، مشيرًا إلى أن أطرافًا خارجية أخرى تدعم سيف الإسلام، لكنه تكتَّم في الحديث عن هذه النقطة.
عقبات أمام سيف الإسلام
وفيما يواجه سيف الإسلام عقبة كبرى خارج ليبيا؛ كونه مطلوبًا للمحكمة الجنائية الدولية على خلفية اتهامات بارتكابه جرائم ضد الإنسانية، واتهامات عن دور في قمع المعارضين عام 2011، وقد حُوكم في دعوى قضائية أخرى في طرابلس عام 2015، حيث ظهر على شاشة فيديو خلف القضبان في بلدة الزنتان، وانتهت المحاكمة بإدانته والحكم عليه بالإعدام رميًا بالرصاص. (يحق له استئناف الحكم بموجب القانون الليبي)، إلا أنه يثق من قدرته على تخطي تلك المسائل القانونية إذا اختارته أغلبية الشعب الليبي ليكون قائدًا لهم.
ويعتبر عدد كبير من الليبيين الآن أن ابن معمر القذافي – نفس الابن الذي توعّدهم في خطابه عام 2011 – هو أطهر مرشّحي الرئاسة يدًا؛ بعد أن وضع جميع المتنافسين السياسيين الآخرين أنفسهم موضع الشبهات في الآونة الأخيرة، باستغلال نفوذهم لتحقيق مكاسب شخصية أو بعلاقاتهم مع حملة السلاح الذين اعتُبروا ذات يوم أبطال الثورة.
ويقول روبرت، إن كثيرًا من الليبيين يعتبرون أن عودة سيف الإسلام هي السبيل إلى إغلاق الباب على عقد ضاع هدرًا، مع أنهم لا يعرفون على وجه التحديد شكل المستقبل الذي قد يحمله لهم، مشيرًا إلى أنه لطالما كان سيف الإسلام لغزًا محيّرًا.
مكانته محليا
روبرت يضيف أن سيف الإسلام ربما يكون الشخص الوحيد الذي قدّم الكثير لضحايا مذبحة أبو سليم؛ فقد دعا منظمة هيومان رايتس ووتش إلى زيارة ليبيا عام 2005، ويبدو أنه أقنع والده بالاعتراف بمسئولية النظام عن الواقعة، وعرضت السلطات دفع 200 ألف دينار ليبي لأسر الضحايا إذا تنازلوا عن الدعاوى المرفوعة ضد الحكومة، بحسب محامٍ وكّلته بعض الأسر، لكن أغلب الأسر رفضت هذه التعويضات.
ورغم ذلك، إلا أن سيف الإسلام، قال إن معظم الليبيين يعتقدون أن النظام كان متساهلًا جدًّا وأنه كان ينبغي قتل جميع السجناء في سجن أبو سليم
مكانته دوليًا
ومع أنه لم يكن يشغل منصبًا رسميًّا ضمن نظام القذافي، فقد دلّل والده على أهميته بتفويضه للتوسط في نزاعات دبلوماسية رفيعة المستوى، بينها قضية التعويضات التي دفعتها ليبيا عن تفجير رحلة «بان آم 103» فوق مدينة لوكربي» في اسكتلندا عام 1988، كما كان لسيف الإسلام دورٌ أيضًا في قرار أبيه بالتخلّص من أسلحة الدمار الشامل في ليبيا.
وحول تفجير لوكربي الذي تسبب في مقتل 270 شخصًا، قال سيف إن أكثر اللحظات فخرًا في مسيرته السياسية قبل عام 2011 كانت وساطته في 2009 لإطلاق سراح ضابط المخابرات الليبية عبد الباسط علي المقرحي، وهو المُدان الوحيد في قضية تفجيرات لوكربي.
أما في كلية لندن للاقتصاد، فقد تقرّب سيف الإسلام من المفكّرين الذين اعتبروه صادقًا في رغبته بتحقيق إصلاح ليبرالي، وفي عام 2005، دعا منظمة «هيومان رايتس ووتش» إلى ليبيا لزيارة المكان الذي شهد مذبحة في أحد السجون، فيما أقنع والده بإطلاق سراح السجناء السياسيين، ودعا علنًا إلى إصلاح السجون وإلى نظام حكم دستوري.
الديمقراطية
وفي مأدبة عَشاء بالقرب من لندن عام 2003، طلب سيف الإسلام الجلوس إلى جوار موظف كونغرس يهودي من الولايات المتحدة كان رئيسُه من أشد المدافعين عن إسرائيل، وحينما سأله موظف الكونغرس عن أكثر شيء تحتاجه ليبيا، أجاب: «الديمقراطية».
وفيما ظن موظف الكونغرس أنه أخطأ السمع، سأل نجل القذافي ثانية: ليبيا تحتاج مزيدًا من الديمقراطية؟، إلا أن سيف الإسلام أجاب، قائلا: كلا؛ مزيد من الديمقراطية يوحي بأن لدينا بعضًا منها.
احتجاجات 2011
لم يكن هناك من هو أفضل من سيف الإسلام للتوسط من أجل الوصول إلى تسوية بين نظام أبيه والمتمردين عام 2011، إذ كانت تربطه صلات وثيقة بشخصيات بارزة في حركة المعارضة، حيث سبق وأن ضمّ اثنين منهم إلى نظام القذافي لدفع حركة الإصلاح قدمًا، وحتى «الإسلاميين» الذين شاركوا في احتجاجات 2011 كانوا مدينين له على دوره في إصدار العفو الذي خرج قادتهم بموجبه من السجون قبل بدء أحداث 2011.
وحينما اندلعت أولى احتجاجات الربيع العربي في تونس أواخر عام 2010، رحّب بها سيف الإسلام. كان يشعر بخيبة الأمل والإحباط إزاء بطء وتيرة التغيير في نظام أبيه، فانسحب إلى منزله المترف في لندن مترددًا بشأن العودة إلى ليبيا، إلا أنه عندما عاد إلى طرابلس، عقب الاحتجاجات الأولى هناك في فبراير 2011، شرع وقتها في كتابة خطاب مصالحة تطرق فيه إلى مطالب المتظاهرين ووعد بإحداث تغييرات جذرية، حسبما أفاد أحد أصدقائه المقربين.
نقطة تحول
وقال سيف الإسلام، إنه حذّر الجميع، مطالبًا إياهم بإسراع الخطى في مشاريع الإسكان وفي الإصلاحات الاقتصادية، لأنهم لا يعرفون ما الذي سيحدث في المستقبل، لإجهاض أي مؤامرة ضد ليبيا، إلا أن عناصر عدّة داخل الحكومة كانت تعمل جاهدةً ضده، على حد قوله.
وتقول نيويورك تايمز إن خطاب سيف الإسلام أثناء أحداث 2011، والذي وصف فيه الاحتجاجات في ليبيا، بأنها صنيعةُ المجرمين ومتعاطي المخدرات، متوقعًا بحدوث حرب أهلية، واختراق حدود البلاد، وحدوث هجرة جماعية، وبأن ليبيا ستصبح معقلًا للجماعات الإرهابية، أصبح نقطة تحول؛ إذ غيّر انطباع الليبيين عن سيف الإسلام ووصفوه بـ«سقوط الأقنعة» وأن هذا هو الوجه الحقيقي لسيف الإسلام.
إلا أنه فيما يرى آخرون أنه ألقى هذا الخطاب تحت تهديد مسدس مصوّب إلى رأسه، دافع سيف الإسلام، في حواره مع «نيويورك تايمز» عن خطابه، كاشفًا عن أن جل ما ذكره، قد حدث بالفعل.
إدارة أوباما
وحمَّل سيف الإسلام -في حواره مع الصحيفة الأمريكية- إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، وليس معمر القذافي، مسؤولية الدمار الذي حلّ بليبيا، وهو ما أقره أوباما في السنة الأخيرة من رئاسته، بأن أكبر خطأ ارتكبه -أثناء توليه الرئاسة- كان غياب التخطيط لمرحلة ما بعد القذافي في ليبيا.
ويقول سيف الإسلام عمَّن وصفهم بـ«المتمرِّدين»: «كان العالم يقف معهم، لم يكونوا بحاجة للتوصل إلى تسوية»، مشيرًا إلى أن «المتمرِّدين» عقدوا العزم على تدمير الدولة، وأن أي مجتمع قبلي -مثل ليبيا- يضيع من دون دولة.
وقال نجل القذافي: إن «ما حدث في ليبيا لم يكن ثورة، يمكنك أن تسميها حربًا أهلية أو أيام شؤم، لكنها لم تكن ثورة»، مضيفاً أن أحداث 2011 انبثقت عن التقاء توترات داخلية، كانت تعتمل منذ وقت طويل، مع أطراف خارجية انتهازية، بينهم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، مشيرًا إلى أن «أمورًا عدة كانت تحدث في آن واحد، إنها زوبعة عارمة».
رحلة سيف الإسلام
قاتل فترة وجيزة في باب العزيزية، عندما حاصر المتمرِّدون طرابلس في أغسطس 2011، بعد ذلك فرّ إلى بلدة بني وليد، معقل النظام في المنطقة الجنوبية الشرقية، وبقي هناك حتى منتصف أكتوبر 2011، عندما أودت الضربة الجوية التي شنَّها الناتو بحياة 22 شخصًا من أتباعه، وأصابته في يده اليمنى، تقول الصحيفة الأمريكية عن سيف الإسلام.
وأشارت إلى أنه فرّ أولًا إلى مدينة سرت ومنها إلى وادٍ صحراوي، حيث استطاع التواصل مع عبدالله السنوسي، رئيس المخابرات في نظام أبيه، واتفقا على أن يلتقيا في المثلث الحدودي الجنوبي، بين ليبيا والجزائر والنيجر، إلا أنه بينما كان في طريقه إلى هناك، ألقى مقاتلو الزنتان القبض عليه، ووزَّعوا صورًا له، وبعد ذلك اختفى.
وعن تلك الأحداث، يقول سيف الإسلام، إنه لم يكن على اتصال بالعالم الخارجي، خلال السنوات الأولى من اعتقاله، وإنه قضى بعض هذه الفترة في مكان أشبه بالكهف، أسفل منزل في بلدة الزنتان، لم يكن يميِّـز خلاله الليل عن النهار معظم الوقت.
شيء ما يتغيَّـر
يقول سيف الإسلام: «كنت وحيدًا، وأدركت أنني قد أموت في أي لحظة، إلا أنني ذات يوم، مطلع عام 2014، تلقيت زيارةً غيَّـرت مجرى حياتي»، مشيرًا إلى أن رجلين من كتيبة الزنتان، شاركا في حركة التمرُّد ضد القذافي، قدِما إلى غرفته الصغيرة، وأعربا عن شعورهما بالحسرة، وأخذا يسبّان ما حدث، ويقولان إنه كان خطأ، وإن سيف الإسلام وأباه كانا محقّين.
ويقول سيف، إنه ظل يستمع إليهما، وهو يشعر بأن شيئًا ما يتغيَّـر، كانت الثورة تلتهم أبناءها، ففي النهاية، سيشعر الليبيون بإحباط شديد، لدرجة أنهم سينظرون إلى الماضي، ويشعرون بالحنين إلى عهد القذافي، وهو ما حدث.
الفساد في ليبيا
كان الفساد أحد الهتافات التي سُمع دويّها في أحداث 2011، وهو ما يقول عنه سيف الإسلام لـ«نيويورك تايمز»: إن ليبيا أنفقت في العقد الأخير مليارات الدولارات، من دون بناء مشروع واحد، ولا وضع حجر بناء واحد، مضيفًا أن تلك الأموال ذهبت إلى المتربِّحين، الذين يموِّلون ويدعمون الميليشيات الصغيرة، حتى يضمنوا استمرارية هذه اللعبة».
وتقول الصحيفة، إن الفساد قد يصبح شعارًا مُجديًا لحملة سيف الإسلام الانتخابية، فوفقًا لأحد استطلاعات الرأي، يأتي الفساد في مقدمة المشكلات، التي يعانيها الليبيون، متقدِّمًا على الإرهاب والبطالة وفشل القيادة.
وأشارت إلى أن القادة العسكريين الجدد، الذين كانوا على الأغلب فقراء حتى عام 2011، أصبحوا أكثر ثراءً، عن طريق نهب أموال النفط، مؤكدة أن النخبة الجديدة، تحصل على حصتها غالبًا عن طريق الاحتيال والاختلاس والتهريب.
مفهوم الدولة
سيف الإسلام، عاود الحديث مرارًا وتكرارًا، عن غياب مفهوم الدولة في ليبيا منذ عام 2011، فعلى حد قوله، لم تكن الحكومات المختلفة، التي حكمت البلاد منذ ذلك الحين، سوى مجموعة من المسلَّحين يرتدون البدلات.
وأضاف: «ليس من مصلحتهم، أن تكون لدينا حكومة قوية، ولذلك يخشون الانتخابات، إنهم يعارضون فِكرة وجود رئيس ودولة، وحكومة ذات شرعية مستمدة من الشعب».
فانتازيا وطنية
ويقول روبرت، إنه خلال الوقت الذي قضاه في ليبيا، بدأ يرى أن هذا الشعور سائد في كل مكان، فسيف الإسلام، أصبح في نظر كثيرين من الليبيين، أشبه بفانتازيا وطنية جمعية، يرون غموضه بلسمًا لهم، مشيرًا إلى أنهم -بعد سنوات من اليأس وخيبة الأمل- صاروا في أمسّ الحاجة إلى مخلِّص ينقذهم.
يقول روبتر عن سيف الإسلام، إنه لا يزال يتحدَّث عن الديمقراطية، ويقول إن ليبيا بحاجة إلى انتخابات حرة ونزيهة، مشيرًا إلى أن الأخير محقٌّ في أن الثورة جلبت ويلات على ليبيا، وأن وضع البلاد الآن أسوأ، مما كان عليه في عهد أبيه.
الكتاب الأخضر
وعن الكتاب الأخضر، قال: تناول الكتاب أمورًا أصبح الجميع يعرفونها، مضيفًا أن مختلف الأفكار التي اكتسبت رواجًا في الغرب – مثل الاستفتاءات العامة، وخُطط تملّك الموظفين للأسهم، ومخاطر الملاكمة والمصارعة، تعود أصولها إلى الكتاب الأخضر.
منافسو نجل القذافي
من السياسيين الليبيين، لفت الأنظار شخصٌ معروفٌ بمواقفه الحازمة تجاه الميليشيات، وهو أحد خصوم سيف المحتملين في الانتخابات الرئاسية، إنه فتحي باشاغا، طيار حربي سابق، يبلغ من العمر 58 عامًا، شغل منصب وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني، من عام 2018 حتى العام الماضي.
ونال إعجاب الكثيرين أثناء رحلاته إلى واشنطن والعواصم الأوروبية عام 2019، لطلب الدعم في قطع مصادر التمويل عن قادة الميليشيات الأشد خطرًا، كما قاد جهود بناء جهاز شرطة جديد، في إطار مبادرة تهدف إلى إنشاء مؤسسات وطنية.
سلاح الميليشيات
يقول روبرت، إنه التقى باشاغا –وهو رجل طويل القامة أشيب الشعر ذو مظهر رصين– في أحد الفنادق في مسقط رأسه «مصراتة»، وسأله عن مساعيه لنزع سلاح الميليشيات، قال إن هذه المسألة تتصدر قائمة أولوياته.
وتحدَّث عن نظام لتصنيف هذه الجماعات: أفراد الفئة الخضراء يمكن تعيينهم في الأجهزة الأمنية الحكومية، وأفراد الفئة البرتقالية يحتاجون إلى إعادة التدريب، أما أفراد الفئة الحمراء فهم مجرمون يجب القبض عليهم.
إلا أن مواقف باشاغا –في المنصب وخارجه– أوضحت مدى صعوبة التحرُّر من قبضة الميليشيات، فهو مدين سياسيًّا لجماعات مسلحة ذات نفوذ في مصراتة، ورغم استعداده لمواجهة ميليشيات طرابلس، يرى كثيرون أنه قد لا يتخذ الموقف نفسه داخل بلدته.
مَنْ الصديق الكبير؟
تتنوع الخُطط وتتعدَّد، لكن نجاحها يظل مرهونًا بتخطي رجل متواضع، يجلس وحيدًا في مكتب أنيق، بألواح رخامية في طرابلس، إنه الصديق الكبير، محافظ المصرف المركزي الليبي، الذي يصرف الرواتب لجميع الأطراف المشاركة في الحرب الأهلية في ليبيا منذ اندلاعها، بحسب «نيويورك تايمز»، التي تقول إن الكبير ربما يكون أكثر الأشخاص نفوذًا في ليبيا، رغم أن اسمه ليس معروفًا في الخارج.
وتقول الصحيفة، إن الصديق الكبير، يستمد نفوذه من سيطرة المصرف المركزي على عائدات النفط في ليبيا، إضافة إلى أنه يشرف على دفع رواتب الميليشيات الليبية، التي -رغم تناحرها وعدم احترامها للقانون- تتلقى رواتب من الدولة منذ عام 2011.
لغز كبير
إلا أن أحد الألغاز الكبيرة المحيطة بالصديق الكبير، كيفية احتفاظه بمنصبه طوال هذه الفترة، فلا توجد شخصية سياسية أخرى، لم تتأثَّر بما يحدث منذ عام 2011، بحسب «نيويورك تايمز»، التي تقول إن الكبير كوَّن عداوات كثيرة، لكن في كل مرة كان شخص ما يتدخل لحمايته.
ويرى الليبيون أنه ما من لغز هنا، فقد لعب الكبير أوراقه بدهاء، وقدِّم خدماته للبعض تارةً، وغض الطرف عن الآخرين تارةً أخرى، أضف إلى ذلك أنه يملك سلطة زيادة أو تقليص الفارق بين أسعار الصرف الرسمية في ليبيا وأسعار صرف السوق السوداء، الذي يصل إلى مستويات هائلة في بعض الأحيان.
وبإتاحة سعر الصرف الرسمي لأفراد بأعينهم، يستطيع الكبير أن يجعل أثرياء ليبيا الجدد أكثر ثراءً، وهو ما أكدته منظمة جلوبال ويتنس غير الحكومية في لندن، التي تقول إن المصرف المركزي، أدار -على الأرجح- مخططات استيراد زائفة، بخطابات اعتماد مزوَّرة.