لها جذور فاشية... إيطاليا تخطو إلى المجهول بفوز جورجيا ميلوني برئاسة الوزراء
مع ارتفاع التضخم وأزمة الطاقة التي تلوح في الأفق والحرب في أوكرانيا، سعت المرأة البالغة 45 عامًا إلى طمأنة القلقين بشأن افتقارها إلى الخبرة وماضيها الراديكالي

السياق
اتخذت إيطاليا منعطفًا حادًّا نحو اليمين، الاثنين، بفوز الحزب الشعبوي الذي تتزعمه جورجيا ميلوني في الانتخابات العامة، ما يفتح الباب للمرأة التي أبدت في الماضي إعجابها بموسوليني لتكون أول رئيسة للوزراء في تاريخ البلد.
فاز حزب ميلوني "فراتيلي ديتاليا" (إخوة إيطاليا) الذي له جذور فاشية جديدة، بـ26 بالمئة من الأصوات في انتخابات الأحد وفق نتائج جزئية.
وتقود ميلوني ائتلافًا يتوقع أن يفوز بغالبية مقاعد البرلمان ويؤلف حكومة هي الأكثر يمينية في إيطاليا منذ الحرب العالمية الثانية.
ويمثل نجاحها تغييرًا هائلًا في إيطاليا العضو المؤسس للاتحاد الأوروبي وثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، بعد أسابيع فقط من انتصار اليمين المتطرف في الانتخابات في السويد.
وجه سياسي جديد
بدورها، كتبت صحيفة "ريبوبليكا" اليومية في عنوانها الرئيسي "ميلوني تظفر بإيطاليا"، بينما قال ستيفانو فولي في افتتاحيتها إن إيطاليا "تستيقظ هذا الصباح وقد تغيرت للغاية".
وأضاف فولي "إنها المرة الأولى منذ عقود التي يتغيّر فيها الوجه السياسي للبلاد بشكل كامل. لا نعرف حتى الآن إذا ما كان مصيرها في أوروبا قد تغير أيضًا، لكن هذا السؤال هو الأول من بين العديد من الأسئلة" التي تواجه الإيطاليين الآن.
ومن المتوقع أن تصبح ميلوني التي أجرت حملتها الانتخابية تحت شعار "الله الوطن العائلة"، أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في إيطاليا رغم أن عملية تشكيل حكومة جديدة قد تستغرق أسابيع.
ومع ارتفاع التضخم وأزمة الطاقة التي تلوح في الأفق والحرب في أوكرانيا، سعت المرأة البالغة 45 عامًا إلى طمأنة القلقين بشأن افتقارها إلى الخبرة وماضيها الراديكالي.
وقالت جورجيا ميلوني، إن الناخبين بعثوا "برسالة واضحة" لدعم حزبها في قيادة الائتلاف اليميني إلى السلطة.
وأضافت في تصريحات للصحافيين "إذا دعينا لحكم هذه الأمة فسوف نفعل ذلك من أجل جميع الإيطاليين. سنفعل ذلك بهدف توحيد الناس وتعزيز ما يُوحِّدهم وليس ما يفرقهم".
وحلّ حليفاها في الائتلاف، حزب "الرابطة" اليميني المتطرف بقيادة ماتيو سالفيني و"فورزا إيطاليا" بزعامة رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلسكوني، خلف حزبها وفق النتائج الجزئية.
ويُتوقع أن يفوزوا جميعًا بنحو 44 في المئة من الأصوات، وهو ما يكفي لتأمين غالبية في مجلسي البرلمان.
ولا ينتظر إعلان النتائج الكاملة حتى وقت متأخّر من الاثنين، لكن "الحزب الديموقراطي" من يسار الوسط المنافس الرئيس للتحالف اليميني اعترف بأن هذا يوم "حزين".
وانخفضت نسبة المشاركة إلى أدنى مستوى تاريخي إلى حوالي 64 بالمئة، أي أقل بنحو تسع نقاط مئوية من الانتخابات السابقة عام 2018.
- "أوروبا فخورة وحرة" -
سرعان ما جاءت تهاني حلفائها القوميين في أنحاء القارة، من رئيس الوزراء البولندي ماتيوش مورافتسكي إلى حزب "فوكس" اليميني المتطرف في إسبانيا.
وكتب زعيم حزب "فوكس" سانتياغو أباسكال عبر تويتر "لقد أوضحت ميلوني الطريق لأوروبا فخورة وحرة قوامها دول ذات سيادة".
لكن وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس حذَّر من أن "الحركات الشعبوية تكبر دائمًا، لكنها تنتهي دائمًا بالطريقة نفسها- بكارثة".
بدورها قالت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن في تصريح لمحطة بي إف إم تي في "سنكون حريصين (مع) رئيس المفوضية الأوروبية (أورسولا فون دير لايين) على أن تكون القيم المتعلقة بحقوق الإنسان... ولا سيما احترام الحق في الإجهاض، محترمة من الجميع".
وقال المتحدث باسم الحكومة الألمانية فولفغانغ بوشنر خلال مؤتمر صحافي إنَّ "إيطاليا بلد مؤيد للغاية لأوروبا، ومواطنوها مؤيدون جدًّا لأوروبا، ونفترض أن ذلك لن يتغير".
أما المفوضية الأوروبية فقد أعربت على لسان المتحدث باسمها إريك مامر عن أملها في إقامة "تعاون بناء" مع الحكومة الإيطالية المقبلة.
وتراجعت ميلوني عن فكرة انسحاب إيطاليا من منطقة اليورو، لكنها تقول إن روما يجب أن تشدد على مصالحها أكثر، وتتبنى سياسات تتحدى بروكسل في كل شيء تقريبًا من قواعد الإنفاق العام إلى موجات الهجرة الواسعة.
يريد تحالفها أيضًا إعادة التفاوض بشأن صندوق الاتحاد الأوروبي للتعافي من تداعيات الوباء، وترى أنَّ الـ200 مليار يورو (193 مليار دولار) التي من المقرَّر أن تتلقاها إيطاليا يجب أن تأخذ في الاعتبار أزمة الطاقة.
لكن الأموال مرتبطة بسلسلة من الإصلاحات بالكاد انطلق رئيس الوزراء المنتهية ولايته ماريو دراغي في تطبيقها، ويرى محللون أن لديها مساحة محدودة للمناورة في هذا الصدد.
- دعم أوكرانيا -
تصدرت ميلوني استطلاعات الرأي منذ دعا رئيس الوزراء إلى إجراء انتخابات مبكرة في تموز/يوليو بعد انهيار حكومة الوحدة الوطنية.
وحزبها هو الوحيد الذي لم ينضم إلى ائتلاف ماريو دراغي في شباط/فبراير 2021، ما جعلها عمليًا زعيمة المعارضة الوحيدة في إيطاليا.
وقال رئيس "مركز دراسات الانتخابات الإيطالي" لورنزو دي سيو لوكالة فرانس برس إن ميلوني اختارت بعد ذلك القيام بـ"حملة حذرة ومطَمئنة للغاية".
واعتبر أن "التحدي الذي تواجهه هو تحويل هذا النجاح الانتخابي إلى قيادة حاكمة... قادرة على الاستمرار".
وتتميز السياسة الإيطالية بعدم الاستقرار؛ إذ تشكلت حوالى 70 حكومة منذ عام 1946، كما أن ميلوني وسالفيني وبرلسكوني ليسوا متفقين دائمًا.
ورجَّحت صحيفة "كورييري ديلا سيرا" أن حلفاء ميلوني "المستائين والمنهزمين عمليًا" سوف يمثلون "مشكلة".
وكان أداء "الرابطة" و"فورزا إيطاليا" ضعيفًا، فقد حصلا على 9 بالمئة و8 بالمئة من الأصوات على التوالي في مقابل 17 و14 بالمئة عام 2018.
اتفقت الأحزاب الثلاثة على برنامج مشترك للحكم يشمل إقرار تخفيضات ضريبية وكبح تدفق المهاجرين، لكنها اختلفت في عدد من المجالات.
وتؤيد ميلوني بشدة عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد روسيا بسبب غزوها أوكرانيا، فيما انتقدها سالفيني ووصفها بأنها غير فعالة.
وواجه برلسكوني، رئيس الوزراء الثري الأسبق وصديق فلاديمير بوتين منذ فترة طويلة، انتقادات الأسبوع الماضي حين اعتبر أن الرئيس الروسي "دفعته" حاشيته إلى الحرب.
وتعود جذور حزب "إخوة إيطاليا" إلى حركة ما بعد الفاشية التي أسسها أنصار بينيتو موسوليني، وقد أشادت ميلوني نفسها بالديكتاتور عندما كانت يافعة.
لكنها سعت إلى النأي بنفسها عن ماضيها مع تحول حزبها إلى قوة سياسية وازنة. وقد انتقل الحزب من 4 بالمئة فقط من الأصوات عام 2018 إلى تصدُّر نتائج انتخابات الأحد.