من الفائز في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين؟

ذكرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين مستعرة وتتجه للتصعيد أكثر فأكثر

من الفائز في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين؟

ترجمات – السياق

مع اقتراب اكتمال الحرب الروسية في أوكرانيا شهرها السابع، لا حل يلوح في الأفق مع اشتداد عملية التعبئة العسكرية في موسكو، وتلويح الدول الغربية بمزيد من العقوبات الاقتصادية على موسكو.

بالمقابل، نجد أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين مستعرة وتتجه للتصعيد أكثر فأكثر.

وسط كل هذا طرحت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، سؤالًا حول "من الفائز في الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين؟"، لكن المثير أنها ردت قائلة: لا أحد.

ورأت المجلة أنه رغم نجاح الرئيس الأمريكي جو بايدن على أكثر من صعيد مؤخرًا، مثل (تقدم الأوكرانيين على الروس، وتوحيد حلف شمال الأطلسي بشكل أقوى، والقضاء على زعيم القاعدة أيمن الظواهري، والإعلان عن انتهاء الفيروس التاجي نهائيًا في الولايات المتحدة)، إلا أن التضخم يظل أكبر تهديد للديمقراطيين قبل الانتخابات النصفية المقبلة، المقررة نوفمبر المقبل.

وأشارت المجلة إلى أنه عندما يتعلق الأمر بأكثر بنود جدول الأعمال إهمالًا لبايدن، وهو تعزيز التجارة العالمية، فإن الأمور تكون أكثر قلقًا؛ لأنه يعني أنه مع وجود ركود عالمي محتمل يلوح في الأفق، فإن هذا الأمر الهام جدًا -مواجهة التضخم وتعزيز التجارة العالمية- لا يحظى باهتمام كبير داخل حكومة الولايات المتحدة.

وبينّت أنه مع استمرار الولايات المتحدة والصين، في حرب تجارية طويلة الأمد دون أن تلوح أي نهاية لها في الأفق، سيؤدي ذلك حتمًا إلى انكماش الاقتصاد العالمي.

 

عصر جديد

واعتبرت فورين بوليسي، أن العالم -بعد مرور نحو عامين على وجود بايدن في السلطة- بات يعيش في عصر جديد لم يَعُد فيه الاقتصاد مهمًا، وبدلاً من ذلك، تسود صيحات الحشد الشعبوية حول القومية التكنولوجية.

وأشارت إلى أنه من الممكن تسمية هذا التحول بأنه الذيل الطويل لـ "الصدمة الصينية"، وهي ظاهرة انتشرت خلال العقود الأخيرة، حيث فر المنتجون الأمريكيون إلى مصادر عمالة أرخص في الخارج، ولا سيما في الصين، والتي -حسب المجلة- لم تكن لديها نية للعب بشكل عادل في التجارة الدولية.

بينما في واشنطن -تضيف المجلة-، تم استبعاد الحكمة الاقتصادية التقليدية حول فوائد النمو للأسواق الحرة من المناقشة إلى حد كبير، وبدا وكأن الجميع -داخل الولايات المتحدة- أصبحوا اقتصاديين قوميين، خصوصًا فيما يتعلق بالصين.

وأفادت، بأنه منذ ما يقرب من عام، دأبت إدارة بايدن على مراجعة مئات التعريفات، أو الضرائب على التجارة، التي فرضها سلفه دونالد ترامب، الذي انسحب من آخر اتفاقية تجارة حرة كبيرة لواشنطن، وهي (الشراكة عبر المحيط الهادئ TPP)، لافتة إلى أنه بدا من الواضح أن الرئيس الأمريكي يخشى العواقب السياسية للظهور بهدوء تجاه الصين، خصوصًا مع قرب انتخابات التجديد النصفي المقررة في نوفمبر المقبل.

ونقلت المجلة عن نائبة الممثل التجاري للولايات المتحدة سارة بيانكي قولها: إن الأمر سيستغرق حتى العام المقبل لاستكمال مراجعة مدتها أربع سنوات مقررة لواردات الصين بموجب المادة 301 من قانون التجارة الأمريكي لعام 1974.

وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن هذه المراجعة تسمح لواشنطن بمعاقبة دولة يُنظر إليها على أنها تنتهك المعايير التجارية، إذ يُزعم أن الصين تفعل ذلك من خلال سرقة الملكية الفكرية، وإجبار الشركات الأجنبية على نقل التكنولوجيا، ودعم الصادرات بشكل كبير للسيطرة على القطاعات الصناعية الرئيسة.

كانت الإدارة الأمريكية أعلنت في أكتوبر 2021، أنها ستعيد النظر في التعريفات الجمركية كجزء من خطة لإعادة فتح المحادثات مع الصين.

أيضًا من جانبها، دافعت الممثلة التجارية الأمريكية كاثرين تاي على نطاق واسع عن تعريفات ترامب باعتبارها "استجابة لقلقٍ مشروعٍ اقتصاديًا وتنافسيًا" بعد عقدين من المشاركة الفاشلة مع بكين.

وأعلنت الحكومة الأمريكية بداية سبتمبر الجاري، أنها ستواصل فرض الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس السابق دونالد ترامب على السلع الصينية.

وقال مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة إنه "تلقى طلبات عديدة" لحصر أكثر من 350 شركة تطلب استمرار الرسوم الجمركية.

وطلبت الممثلة التجارية الأمريكية كاثرين تاي الإبقاء على تلك الإجراءات، حيث كانت هناك إمكانية لإزالتها بعد مرور 4 سنوات على فرضها، لكن الحكومة الأمريكية قالت إن تلك الإجراءات في طور المراجعة.

ونقلت المجلة عن ويندي كاتلر، نائبة رئيس معهد سياسات مجتمع آسيا ومسؤول تجاري أمريكي كبير سابق، قولها: إن فرض الرسوم الجمركية أسهل دائمًا من رفعها، مضيفة: "الحجج لرفع بعض التعريفات على الأقل مقنعة، ولا سيما في وقت ارتفاع التضخم وانعدام الأمن الغذائي وتغير المناخ، ولكن، الجدل المتعلق بالتعريفات أقل حول المزايا وأكثر على السياسة، مما يشير إلى أن التعريفات ستبقى في المستقبل المنظور".

 

الثقة الأمريكية

وترى فورين بوليسي أنه، في الوقت نفسه، تُظهر الإدارة الأمريكية الثقة بشأن نهجها في التجارة، والذي يؤكد على حقوق العمال، ومبادرات مكافحة الفساد، والحد من عدم المساواة في الدخل من خلال التغييرات المقترحة في قانون الضرائب، والقواعد التجارية الجديدة لتكنولوجيا الطاقة الرقمية والنظيفة.

وأشارت إلى أنه يتم تضمين العديد من هذه الأولويات في المبادرة التجارية متعددة الأطراف الوحيدة لإدارة بايدن، المتمثلة في "المنتدى الاقتصادي الهندي والمحيط الهادئ (IPEF)".

وحسب المجلة، عُقد أول اجتماع لوزراء IPEF في وقت سابق في سبتمبر في لوس أنجلوس، وتمكن فريق بايدن من الحصول على توقيع جميع الأعضاء الأربعة عشر باستثناء الهند (بما في ذلك اليابان وأستراليا وسنغافورة وفيتنام وكوريا) على جدول أعماله التجاري.

ومع ذلك -حسب المجلة- قدم بايدن بعض الاستثناءات من الرسوم الجمركية الصينية بالفعل، وذلك من خلال السماح مؤقتًا باستيراد الألواح الشمسية الصينية الصُّنع من دول جنوب شرق آسيا، -حيث نقلت بكين بعض مصانعها إلى تلك المنطقة للتهرب من الرسوم الجمركية-.

وقبل عام، توصلت الإدارة الأمريكية أيضًا إلى اتفاق محدود لرفع الحواجز عن تجارة الصلب والألمنيوم مع الاتحاد الأوروبي.

لكن يعتقد العديد من الخبراء أن أجندة المنتدى الاقتصادي الهندي والمحيط الهادئ لا تتضمن أكثر ما تريده الدول، بل إن بعض الاقتصاديين والخبراء يروا أنها "مبنية على أساس من القش"، على حد تعبير ماري لوفلي، الزميلة البارزة في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في واشنطن.

وقالت لوفلي: "الخطر هنا هو أن IPEF ليس لديه آلية إنفاذ، مثل اللجوء إلى منظمة التجارة العالمية، كما أنها (هشة) إذ يمكن بسهولة أن تلغيها أي إدارة تالية غير إدارة بايدن".

وترى المجلة الأمريكية، أن الخطر الاقتصادي يتفاقم عالميًا، بسبب حقيقة أن الرئيس الصيني شي جين بينغ يطابق خطوة بايدن القومية في قراراته، مشيرة إلى أنه بفضل جهود شي الخاصة لجعل الصين تعتمد على نفسها -وإغلاقه الهائل لمدن بأكملها بسبب فيروس كورونا- يتباطأ الاقتصاد الصيني إلى مستويات غير مسبوقة تقريبًا، إلى حوالي 3 في المائة، وهو ما كان غير وارد في السابق في الدولة ذات النمو المرتفع، فيما تبلغ نسبة البطالة بين الشباب 20 في المائة، فضلا عن أن فقاعة سوق الإسكان في الصين -التي تغذيها الديون الضخمة والتوسع السريع للغاية- معرضة أيضًا لخطر الانهيار الكبير.

ورغم ذلك، فإن المجلة بينّت -حسب تقرير صادر عن كلية ستيرن لإدارة الأعمال بجامعة نيويورك- أن التجارة العالمية لم تتباطأ إلى حد التوقف، إذ إنه لا يزال من المتوقع أن تنمو التجارة بشكل أسرع قليلاً في عامي 2022 و 2023 مما كانت عليه خلال العِقد الماضي، على الرغم من التخفيضات المتوقعة بسبب الحرب في أوكرانيا وتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.

وخلصت المجلة في تقريرها بالقول: إن النمو في الاقتصادات الثلاثة الرئيسة في العالم -الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين- آخذ في التراجع، ومع تباطؤ التجارة بينها، فإن خطر حدوث ركود خطير يتزايد عالميًا.