اشتباكات مسلحة وتعيين قائد مليشياوي في منصب حساس.. ماذا يحدث في ليبيا؟
بحسب مصادر السياق، فإن الاشتباكات كان طرفاها مليشيا السلعة ومليشيا سيفاو اللتين تُعَدان تابعتين للحكومة نفسها، بعد أن هاجمت الثانية أحد عناصر الأولى.

السياق
على أنغام أصوات المدافع الثقيلة والخفيفة، عاشت مدينة الزاوية الليبية غربي العاصمة طرابلس، ليلة دامية، نكأت جراح الليبيين، التي لم تندمل بعد.
تلك الاشتباكات التي حوَّلت ليل مدينة الزاوية غربي طرابلس إلى نهار، أدَّت إلى مقتل 6 أشخاص بينهم طفلان وإصابة 19 آخرين، في القتال الذي اندلع بين مليشيات مسلحة تتبع وزارة الداخلية بحكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية وأخرى تابعة لوزارة الدفاع في الحكومة نفسها.
وبحسب مصادر «السياق»، فإن الاشتباكات كان طرفاها مليشيا «السلعة» ومليشيا «سيفاو» اللتين تُعَدَّان تابعتين للحكومة نفسها، بعد أن هاجمت الثانية أحد عناصر الأولى، فاندلعت مواجهات استخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، بالإضافة إلى قذائف صاروخية، أدت إلى تصاعد دخان كثيف بين المباني.
#ليبيا.. ارتفاع حصيلة قتلى اشتباكات مدينة الزاوية إلى 6 وإصابة 19.#السياق pic.twitter.com/o2uBs4trIe
— السياق (@alsyaaq) September 26, 2022
هدنة مؤقتة
إلا أنه بعد سُوَيْعات من نشوب تلك الاشتباكات، تدخل حكماء وأعيان مدينة الزاوية، ونجحوا في الاتفاق على هدنة بين الأطراف المتنازعة، بحسب مصادر «السياق»، التي قالت إن كل الأطراف توافقت على ضرورة خروج المليشياوي محمد السيفاو من المدينة، خاصة بعد أن استعان بعدد كبير من المرتزقة الأفارقة للقتال معه.
من جانبه، قال آمر مليشيا القوة الثانية للتأمين والدعم محمد بن يوسف، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، إن الوضع حاليًا بات هادئًا بعد الاتفاق على الهدنة، مشيرًا إلى أن الاشتباكات خلفت أضرارًا مادية كبيرة في المدينة نتيجة استخدام كل أنواع الأسلحة.
وفيما أكد أن أحدًا من مسؤولي الحكومة منتهية الولاية لم يتواصل معهم حتى الآن، أشار إلى أن طائرة كانت تجوب سماء المدينة صباح اليوم، فيما لم تعلم تبعيتها لأي جهة حتى الآن.
تلك الاشتباكات تتزامن مع قرار أصدره رئيس حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية عبد الحميد الدبيبة، بتعيين قائد مليشيا الأمن المركزي عماد الطرابلسي وكيلًا عامًا بوزارة الداخلية.
ترسيخ الحكومة
وبحسب القرار المؤرخ في 22 سبتمبر/أيلول الجاري لكنه لم ينشر إلا اليوم، فإنه يعمل به من تاريخ صدوره، في خطوة اعتبرها مراقبون محاولة من الدبيبة لترسيخ حكومته في العاصمة طرابلس، بشراء ذمم المليشيات المسلحة.
من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش، في تصريحات لـ«السياق»، إن قرار تعيين الميليشياوي عماد الطرابلسي يترابط بشكل ما مع الاشتباكات التي وقعت في ساعة مبكرة من صباح اليوم الإثنين في مدينة الزاوية.
وأوضح المحلل الليبي، أن الطرابلسي يتحصن في مقر جمعية الدعوة الإسلامية سابقًا والتي احتلها وجعل منها وكرًا لعصابته، بقوة وعتاد جلّه من قبائل الزنتان، مشيرًا إلى أن الدبيبة يسعى إلى كسب ولائه من خلال الدفع له وإغرائه بالمنصب ولو مؤقتًا، حتى لا يسبب له أزمات داخل طرابلس، في الوقت الذي يستعد فيه لمواجهة أكبر من قبل قوات فتحي باشاغا وأسامة الجويلي وأحلافهم الذين يخططون لدخول طرابلس مجددًا.
تأثير تعيين الطرابلسي
وحول تأثير تعيين الطرابلسي على مزيدٍ من التمكين للدبيبة، قال المرعاش إنَّ ذلك يدخل ضمن السياسة التي لا يتقن غيرها رجل الفساد عبدالحميد الدبيبة وهي شراء الولاءات وشق صفوف القبائل وعقد التحالفات التي تطيل تشبثه بالسلطة.
وأشار إلى أن تعيين الميليشياوي عماد طرابلسي هي محاولة «رشوة مكشوفة لشق صف قبائل الزنتان» وإبعاده عن أسامة الجويلي، الذي ينحدر من الزنتان، والمناوئ الشرس لاستمرار الدبيبة في السلطة.
وأكد المحلل الليبي، أن الدبيبة أصبح رمزًا عالميًّا للفساد، فهو فقد الأهلية القانونية والأخلاقية للاستمرار في السلطة، إلا أن «آذان بعض الدول التي تدعي محاربة الفساد ودعم الديمقراطية قد صُمَّت وتركت خزائن ليبيا لهؤلاء اللصوص والقتلة وبذلك اعدّ شريكًا أساسيًّا في جرائم الفساد والقتل».
سياسة فاشلة
وأشار إلى أنَّ «هذه السياسة تعدّ قذرة ولا يلجأ إليها إلا الضعيف الفاقد لصفة رجل الدولة»، متوقعًا نجاحها على المدى القصير وخصوصًا عندما تجد الدعم من قوى إقليمية ودولية توظفها لمصالحها، إلا أنه اعتبرها فاشلة ومدمرة على المدى البعيد، وسيدفع القائمون بها ثمنًا باهظًا».
وأكد المحلل الليبي، أنه يعول حاليًا على هبة شعبية عارمة ضد الفساد ورموزه من آل الدبيبة خصوصًا بعد فضحهم في تقريري ديوان المحاسبة وجهاز الرقابة الإدارية.
أما عن سيناريوهات المرحلة المقبلة، فقد أكد المحلل السياسي الليبي، أن «سياسة شراء الذمم والولاءات هي السائدة الآن في العاصمة طرابلس»، التي من يسيطر عليها يَحُذْ مؤسسات الحكومة والقرار.
وتوقع أن تكون طرابلس عرضة لاشتباكات هنا وهناك وفقًا لمعادلة الدفع والرشاوى ومناطق النفوذ، مشيرًا إلى أنها قد تشهد فترات هدوء لكنها بالتأكيد لن تكون دائمة، طالما حكومة الدبيبة موجودة.
فيما قال عضو المجلس الانتقالي السابق مختار الجدال في تصريحات لـ«السياق»، إن تكليف المليشياوي عماد الطرابلسي وكيلًا لوزارة الداخلية يعتبر اختراقًا لصف الجويلي ومن ورائه قبائل الزنتان، وشراء لذمة الطرابلسي الذي يسيطر على الأحياء الغربية من العاصمة، ويتخذ من مصنع الدخان مقرًّا لمليشياته.
وتر دعم الجيش
وأوضح عضو المجلس الانتقالي السابق، أن الطرابلسي لا عهد ولا ميثاق له؛ فقد لعب على وتر دعم الجيش خلال 2015 - 2016م، وخصصت له أموال، إلا أنه تنكر لموقف القوات المسلحة حيث تم تكليفه بإمرة قوات الدعم المركزي في ليبيا ثم ما لبث أن انضم لحكومة المليشيات.
وأشار الجدال إلى أنَّ تعيين الطرابلس لن يؤثر في شيء في المشهد؛ فالمليشيات المسلحة ستقوى وسيضعف صف الجويلي ومن يقف خلفه، في إشارة إلى حكومة الاستقرار برئاسة فتحي باشاغا، مؤكدًا أن السرقات والفساد سيستمران بحجة ضبط الأمن.
أما علاقة تعيين الطرابلس باشتباكات الزاوية، فقال المحلل الليبي، إنه ليس له علاقة وثيقة الصلة، لكن الاشتباكات تأتي في سياق صراع النفوذ بين مليشيات المدينة على أحياء داخلها.
وحول إمكانية سقوط حكومة الدبيبة قريبًا، قلل عضو المجلس الانتقالي السابق من ذلك، قائلا، إنه طالما سيستمر في دغدغة عواطف المجتمع الدولي بحكاية الانتخابات التي يعجز عن إقامتها أساساً، ولأن القوى المسيطرة على الأرض من المليشيات يستهويها حكومة الدبيبة الباذخة في صرف الأموال، إلا أنه أكد أن المجتمع الدولي قد يتجه إلى حوار جديد للاتفاق على حكومة جديد مهمتها إجراء الانتخابات.