شراكة الصين وروسيا... كيف تنعكس على تايوان وأوكرانيا؟
تسعى روسيا والصين إلى توطيد التعاون التجاري المزدهر، بطريقة وصفها الخبراء بأنها غير متوازنة، إذ تواصل موسكو مساعيها إلى توفير أسواق جديدة من خلال الصين وآسيا، بينما تحاول بكين الحصول على سلع رخيصة.

السياق
على شاكلة المثل الشعبي "عدو العدو صديق"، تشهد العلاقات الروسية الصينية تقاربًا أكثر من أي وقت مضى، وسط حملات أمريكية للإضرار بالدولتين، فمع الأولى تدعم واشنطن كييف بمعونات عسكرية لا تتوقف، منذ إنطلاق العملية العسكرية الروسية فبراير الماضي، إضافة إلى عقوبات اقتصادية متتالية على موسكو، ومع بكين زار عدد من المسؤولين الأمريكيين تايوان، كدولة مستقلة، وهو المبدأ الذي ترفضه الصين بشكل قاطع، وتعده أمرًا يمس بسيادتها وأمنها القومي، من هنا تتعمق العلاقات الصينية الروسية، في أكثر وقت يحتاج فيه الطرفان لبعضهما، في مواجهة أمريكا وقراراتها وقوى الغرب.
وسط هذا التقارب والاستفزاز الأمريكي المستمر للبلدين، اجتمع الرئيس الروسي فلاديمر بوتن ونظيره الصيني شي جين بينغ في أوزبكستان، على هامش القمة السنوية لرؤساء منظمة شنغهاي للتعاون.
حجر الأساس وتايوان
اجتماع الرئيسين يمثل لهما حجر أساس للفترة المقبلة، فروسيا تحاول مواجهة العقوبات الغربية بتركيز اهتمامها نحو آسيا، وهو ما يتفق مع تصريحات يوري أوشاكوف المستشار الدبلوماسي للكرملين، الذي عدَّ فيها منظمة شنغهاي للتعاون بديلاً للمؤسسات ذات التوجه الغربي.
على الجانب الآخر يمثل حضور الرئيس الصيني للقمة، أول رحلة رسمية خارج بلاده منذ تفشي كورونا أواخر عام 2019، ويأمل خلالها تعزيز مكانته، قبل مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني المقرر أكتوبر المقبل، الذي سيسعى خلاله إلى ولاية ثالثة، إضافة إلى توصيل رسالة مفادها أن التقارب الروسي الصيني يشمل دعم روسيا في قضية تايوان، وأن الدعم قد يصل إلى المشاركة العسكرية، لاسيما في ظل دوريات مشتركة للبلدين بالمحيط الهادئ.
في المقابل قالت حكومة تايوان –الجمعة- إن تعزيز العلاقات بين موسكو وبكين يضر بالسلام الدولي، وهي تصريحات تعكس مخاوف تايوان من الدوريات التي قالت عنها وزارة الدفاع الروسية إنها مناورات تكتيكية مشتركة مع القوات البحرية الصينية وتدريبات عسكرية في المحيط الهادئ تتضمن استخدام المدفعية وطائرات هليكوبتر.
وأوضحت أن مهام الدوريات تعزيز التعاون البحري بين البلدين ودعم السلام والاستقرار في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وحماية المواقع الاقتصادية البحرية للدولتين، في إشارة واضحة للتقارب الروسي الصيني بمواجهة التوترات مع الغرب.
تتمتع روسيا والصين بشراكة عسكرية مستمرة، وقد أجرتا سلسلة من التدريبات المشتركة، كان أبرزها "فوستوك 2018"، وهي مناورات لمحاكاة حرب فيها تحالف روسي صيني ضد العدو، أما في العمليات البحرية فتم تنفيذ أول دورية مشتركة لسفن البحرية الروسية والبحرية الصينية من 17 إلى 23 أكتوبر 2021.
رؤية مشتركة
تقول الباحثة أليس إيكمان، المحللة المسؤولة عن شؤون آسيا في معهد الدراسات الأمنية التابع للاتحاد الأوروبي (EUISS)، إن بين روسيا والصين نقاط تلاقٍ كثيرة وقراءة متقاربة للمشهد والتوترات مع أمريكا وحلف الناتو، أو ما تتم الإشارة إليه بـ " الغرب" بمعناه الواسع، فهي ليست كتلة محددة وإنما حالة استقطاب للعالم.
ويشير الباحث سيريل بريت من معهد جاك ديلور في باريس، إلى أنه لا يوجد رابط أيديولوجي بين البلدين، لكن هناك رؤية مشتركة للعلاقات الدولية، باتجاه إزالة التأثير الغربي عن العالم.
أسواق جديدة
تسعى روسيا والصين إلى توطيد التعاون التجاري المزدهر، بطريقة وصفها الخبراء بأنها غير متوازنة، إذ تواصل موسكو مساعيها إلى توفير أسواق جديدة من خلال الصين وآسيا، بينما تحاول بكين الحصول على سلع رخيصة.
التعاون التجاري الصيني الروسي، إضافة إلى إيران، مثَّل منفذًا مهمًا لموسكو لتقليل آثار العقوبات الاقتصادية الغربية، التي فُرضت على روسيا نتيجة حرب أوكرانيا، خاصة مع خبراء بكين وطهران في التعامل مع عقوبات أمريكا وأوروبا.
وتحاول روسيا استغلال قمة منظمة شانغهاي، لتوفير المزيد من الأسواق، خاصة أن أعضاء المنظمة الثمانية من الحلفاء ومن الجمهوريات السوفيتية القديمة، إذ تضم المنظمة ثماني دول: الصين والهند وكازاخستان وقرغيزستان وروسيا وباكستان وطاجيكستان وأوزبكستان، وأربع دول بصفة مراقب ترغب في أن تصبح كاملة العضوية: أفغانستان وبيلاروسيا وإيران ومنغوليا.
ويرى يوري أوشاكوف المستشار الدبلوماسي للكرملين، أن منظمة شانغهاي للتعاون أكبر منظمة في العالم تضم نصف سكان الكوكب، وتعمل من أجل نظام دولي عادل.
العام الماضي تقدمت مصر وقطر والمملكة العربية السعودية بطلبات للحصول على صفة "شركاء الحوار"، وخلال كلمته رحب الرئيس الروسي بوتين بمنح مصر وقطر والإمارات والكويت والبحرين صفة "شريك الحوار" في منظمة شنغهاي.
المنظمة ليست تحالفًا عسكريًا مثل "الناتو" ولا منظمة للتكامل السياسي مثل الاتحاد الأوروبي، لكن أعضاءها يعملون معاً لمواجهة تحديات أمنية مشتركة وتعزيز التجار في ما بينهما.
تعاون إلى أي مدى؟
لكن إلى أي مدى يصل التعاون الصيني لروسيا؟ فبكين لاتزال لديها نوافذ على الأسواق العالمية وغير محاصرة بعقوبات تمنع نفاذ بضائعها لأوروبا وأمريكا، وهو ما جعلها تتجنب انتهاك العقوبات على موسكو بدعم عسكري مباشر في أوكرانيا، رغم ما تشهده الساحة الأوكرانية من تراجع للجيش الروسي واستعادة كييف مساحات كبيرة من أراضيها.
ويقول إيفان فيغنباوم من مركز كارنيغي للسلام الدولي إن "الصين أقوى من روسيا ومصالحها أشمل وأكثر تنوعًا، وإن هدف بكين الحفاظ على تفاهمها مع روسيا على المستوى الاستراتيجي، لمواجهة القوة الأمريكية، لكن دونما الحاجة إلى تقديم الدعم لموسكو على المستوى التكتيكي، لأن بكين تستفيد من الوصول إلى الأسواق العالمية، وتتجنب العقوبات وتبني علاقات مع دول تخشى روسيا، مثل تلك الموجودة في آسيا الوسطى".
الباحثة أليس إيكمان، المحللة المسؤولة عن شؤون آسيا في معهد الدراسات الأمنية التابع للاتحاد الأوروبي (EUISS) تشير إلى أن الصين ليس لديها حلفاء بل شركاء، وأنها تعتمد استراتيجية التحالفات ومع ذلك، فمع توتر شديد وطويل الأمد مع واشنطن، ترى الصين أن لديها مصلحة في تسريع تقاربها مع روسيا.