نظام مالي دولي جديد يتشكل في عالم متعدد الأقطاب.. منظمة شنغهاي تمر بمنعطف تاريخي
رفض السعودية لمناشدات الولايات المتحدة بالتخلي عن التحالف النفطي مع روسيا يعكس روح العصر الجديد الذي يتشكل حاليًا عبر منظمة شنغهاي للتعاون.

ترجمات - السياق
رأت صحيفة ذا تريبيون إنديا، أن منظمة شنغهاي للتعاون تمر بمنعطف تاريخي، مشيرة إلى أنها باتت تعد "نظاما ماليا دوليا جديدا يتشكل في نظام عالمي متعدد الأقطاب".
و"شنغهاي" هي منظمة حكومية دولية تأسست عام 2001، وتضم 8 دول، هي الصين، وروسيا، والهند، وأوزبكستان، وباكستان، وطاجيكستان، وقيرغيزستان، وكازاخستان، وتهدف إلى التعاون في المجالات السياسية والتجارية والاقتصادية، وتوفير السلام والأمن والاستقرار في المنطقة.
كما تضم المنظمة 4 دول بـ"صفة مراقب" هي أفغانستان وبيلاروسيا وإيران ومنغوليا، فيما تحمل عدة دول صفة "شريك للحوار"، بينها تركيا وأذربيجان.
ووصفت في تحليل للدبلوماسي الهندي السابق السفير بهادرا كومار، قمة سمرقند لمنظمة شنغهاي للتعاون (SCO) بأنها "فريدة من نوعها"، من حيث عدد الطلبات من الدول الأخرى التي تحرص على الانضمام إلى أنشطتها في أشكال مختلفة، وخصوصًا جيران الهند المباشرين والبلدان الأخرى الممتدة المتحمسين للارتباط بالمنظمة في مشهد غير معهود.
ورأت أن منظمة شنغهاي للتعاون باتت تمثل إغراءً غير محدود لعدد من الدول الأخرى، خصوصًا في الشرق الأوسط مثل (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت وقطر والبحرين وإيران)، واصفة عدد الطلبات المقدمة بالأمر المذهل.
ما الذي يفسر ذلك؟
وحول تفسير ذلك، أوضح كومار، أنه على مدى السنوات العشرين الماضية، تضاعف حجم منظمة شنغهاي للتعاون أكثر من ثلاثة أضعاف - مع ست دول مؤسسة في عام 2001 إلى 21 دولة عضو الآن، بما في ذلك المراقبون وشركاء الحوار-.
لكن التوسع، في الأساس -حسب الكاتب-، لم يكن أبدًا غاية في حد ذاته، إذ استغرقت عملية انضمام إيران -كمثال- إلى منظمة شنغهاي للتعاون 17 عامًا، وهو ما يشير إلى تراكم مركز قوة جيوسياسي جديد في النظام الدولي بأجندة إيجابية، يمكن للعديد من البلدان المتنوعة أن تتعامل معها بأريحية.
وتأتي شراكة دول الخليج مع منظمة شنغهاي للتعاون على خلفية الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الأمريكي جو بايدن للسعودية وقمته في جدة مع قادة الدول العربية، إذ رفضت دول الخليج توسلات بايدن لإنشاء تحالف إقليمي لمواجهة روسيا والصين، حسب وصف الكاتب.
وأشار إلى أن هذه الدول -الخليج العربي- نحت منحى إيران، بعد أن نظروا إلى منظمة شنغهاي للتعاون باعتبارها موطنًا ملائمًا، نظرًا لروح الزمالة، وإجراءات صُنع القرار القائمة على الإجماع، والوحدة في التنوع، والتأكيد على السيادة الوطنية وعدم التدخل وما إلى ذلك.
وأوضح الكاتب، أن ما تقدمه منظمة شنغهاي للتعاون لأعضائها ومراقبيها وشركائها هو الأمن في العلاقات المتبادلة والاستقرار في جميع أنحاء المنطقة، بالإضافة إلى نظام أساسي فريد لجهات الاتصال العادية وذات المستوى الأعلى، مشيرة إلى أنه على الرغم من أن العضوية قد لا تضمن عدم وجود تعارضات، إلا أنها توفر وسائل عديدة لمنعها.
وحسب الكاتب، فإنه في ضوء موازنة نتائج قمة سمرقند من هذا المنظور، فإن المبادرة الروسية - الباكستانية لتنفيذ خط أنابيب غاز عبر أفغانستان يربط جنوب آسيا بحقول الغاز في آسيا الوسطى وروسيا ذات أهمية عميقة للجغرافيا السياسية لمنطقة منظمة شنغهاي للتعاون، مضيفًا: "من المؤكد أننا نشهد تحركات كتلة ضخمة من الدول التجارية تتجسد في مستقبل يمكن تصوره بين الكتلة الأرضية الأوروبية الآسيوية وجنوب آسيا".
روح شنغهاي
واعتبر كومار، أن مشروع المنظمة يُعد مثالًا رائعًا على التنمية والأمن يتحركان جنبًا إلى جنب في "روح شنغهاي".
وأشار إلى أنه في ملاحظة ذات مغزى، أبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، بأن تحقيق الاستقرار في أفغانستان أصبح أمرًا حتميًا، قائلًا: "لدينا علاقات جيدة مع شعب أفغانستان.. كما أنني أفكر في قدرة باكستان على التأثير على الوضع هناك ".
في الواقع -يضيف الكاتب-، ليس سرًا أن روسيا حريصة على تمديد خط أنابيب الغاز المقترح إلى الهند أيضًا، وهو ما أكده تقرير نشرته صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا الروسية مؤخرًا، لافتًا إلى أنه بالتزامن مع خط الأنابيب، تستعد روسيا بالفعل لبناء خط أنابيب آخر يربط كراتشي ولاهور وحتى الحدود الأفغانية.
كما من الواضح -وفقًا للكاتب- أن مجموعة من البلدان من شرق البحر الأبيض المتوسط إلى باكستان تسعى إلى تعميق علاقاتها مع روسيا، مدركة أن المحاولات الغربية لعزل مثل هذه القوة العملاقة من المعادن وغيرها من السلع التي تشتد الحاجة إليها محكوم عليها بالفشل.
ورأى أن إعادة التنظيم الجيوسياسي وعدم الاستقرار الناجمَيْن عن الصراع الروسي الأوكراني المطوَّل، قلبت الحسابات العالمية حول طرق الإمداد، كما يشير انهيار العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا إلى استبدال العولمة بالجهوية -وهي مصطلح سياسي إداري يرتكز على تقسيم البلدان إلى جهات بهدف التخطيط لتنميتها، وتطبيق اللامركزية-.
وأمام هذا التحول يقول كومار: "حقًا.. منظمة شنغهاي للتعاون تقف أمام مفترق طرق تاريخي".
وهكذا، فإن دول غرب آسيا، التي كانت تاريخيًا منخرطة بشكل وثيق مع قوى غربية بعيدة أكثر من جيرانها، تركز الآن على الفرص في جوارها الديناميكي.
وشدد الكاتب على أن رفض السعودية لمناشدات الولايات المتحدة بالتخلي عن التحالف النفطي مع روسيا يعكس روح العصر الجديد الذي يتشكل حاليًا عبر منظمة شنغهاي للتعاون.
قمة روسية- هندية
وطالب كومار بضرورة التحضير من الآن لاجتماع القمة الروسي- الهندي السنوي المقرر عقده في موسكو برؤية بعيدة المدى، مشيرًا إلى أنه بغض النظر عن الحرب الوجودية الروسية مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على الأراضي الأوكرانية، والتي لا يمكن لموسكو أن تخسرها بأي حال، يجب على رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي التركيز على الاستفادة من صداقته العميقة التي استمرت 22 عامًا مع الرئيس بوتين، في إقامة علاقات أكثر عُمقًا.
وأشار إلى أنه لتحقيق قفزة نوعية في العلاقات الروسية- الهندية، يجب أن تركز نيودلهي خلال الرئاسة القادمة لمنظمة شنغهاي للتعاون على الإنجازات العملية والقابلة للقياس من أجل التنمية، خصوصًا أنه لا يوجد تضارب في المصالح بين البلدين حتى الآن.
كما شدد الكاتب على أن إعادة ضبط علاقات الهند مع باكستان أمر حيوي للغاية لتحقيق الاستفادة القصوى والمثلى من عضوية منظمة شنغهاي للتعاون.
واستشهد الكاتب حول أهمية نجاح المنظمة دوليًا، بتصريحات بوتين الذي شدد فيها على أن "منظمة شنغهاي للتعاون، تهيئ الظروف لتنمية الاقتصاد الروسي".
وقال الرئيس الروسي: "الناتج المحلي الإجمالي للهند نما بنسبة 7 في المائة، والصين بأكثر من 5 في المائة... وتجارتنا مع هذه البلدان تنمو بسرعة.. ومن ثمّ إذا تم الحفاظ على هذه المعدلات، فسنكون واحدة من هذه البلدان، ونقف بجانبها، لضمان مصالحنا"، مضيفًا: "التعاون الاقتصادي هو النقطة الرئيسة حول SCO ".
ورأى الكاتب أن القضية المركزية في الحسابات الإستراتيجية لمعظم البلدان في العالم غير الغربي، هي موثوقية النظام المالي الدولي القائم على الدولار، لافتًا إلى أن ما سماها "الطريقة الوقحة" التي استخدمها الغرب لتسليح العقوبات وانتزاع الأصول الروسية تذكرنا بممارسات وأعراف الحقبة الاستعمارية.
وأمام ذلك، خلص الكاتب في تحليله إلى القول: "يجب على أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون إعطاء الأولوية للانتقال نحو استخدام عملاتهم في التجارة، وربط أنظمة الدفع الوطنية الخاصة بهم"، مضيفًا: "في الواقع، يتشكل نظام مالي دولي جديد في النظام العالمي متعدد الأقطاب، ومن الناحية الجيوسياسية، فإن هذا يعزل دول منظمة شنغهاي للتعاون عن إملاءات القوى العالمية المهيمنة".