وفاة مهسا أميني.. كيف ألقى إيران في المياه الراكدة؟

بعد مرور أربعة أيام من العثور على مهسا أميني مقتولة في زنزانة سجن بطهران، لا تُظهر الاحتجاجات في العاصمة الإيرانية بوادر تُذكر على هدوئها، خصوصًا مع تحوّل بعضها -في المناطق الكردية- إلى أعمال عنف.

وفاة مهسا أميني.. كيف ألقى إيران في المياه الراكدة؟

ترجمات - السياق

حادثة قلبت الرأي العام الإيراني رأسًا على عقب، وأشعلت المظاهرات في أرجاء البلاد كافة، وأعادت ارتفاع الأصوات التي طالما طالبت بسقوط نظام "ولاية الفقيه".

إلى ذلك رأت صحيفة "الغارديان" البريطانية، أن وفاة "مهسا أميني" في أثناء احتجازها على يد الشرطة الإيرانية بطريقة وحشية، قد تكون لحظة الحسم للنظام الإيراني، في إشارة إلى تزايد الاحتجاجات على مقتل "أميني" في عدة مدن من بينها العاصمة طهران، في وقت أعلنت فيه الشرطة اعتقال 22 متظاهرًا وسقوط 3 قتلى، وهو ما استدعى تدخّل الأمم المتحدة، التي عبّرت عن قلقها من ردّ الحكومة الإيرانية تجاه الاحتجاجات.

وبيّنت الصحيفة، أن الاحتجاجات الأخيرة إنما هي "علامات على حدوث موجة من الانتفاضات ضد الدولة التي ترتكب بشكل روتيني أعمال عنف شديدة ضد الرجال والنساء المعارضين"، مشددة على أن "نظام الملالي" يخشى من ثورة شعبية أكثر من اهتمام العالم بقضية مقتل "مهسا".

وقالت: "أصبح موت (مهسا أميني) في السجن فاتورة جديدة تضاف إلى حساب النظام الإيراني الذي يخشى ثورة شعبية قد تطيح به".

وتوفيت "مهسا أميني" -22 عامًا- الجمعة الماضية، بعدما دخلت في غيبوبة في أعقاب إلقاء شرطة الأخلاق القبض عليها في طهران بسبب "زيِّها غير المناسب"، الأمر الذي أثار غضبًا في أنحاء البلاد، واحتجاجات في عدد من المناطق. واتسع نطاق الاحتجاجات أول أمس الاثنين، وكان أشدها في المناطق الكردية.

 

لن تهدأ..

واعتبرت "الغارديان"، أن المظاهرات التي اندلعت في مناطق عدة بالعاصمة طهران، فضلًا عن بعض المدن الأخرى، لن تهدأ رغم سلميتها، مشيرة إلى أن المظاهرات التي شهدتها المناطق الكردية اتسمت بالعنف، حيث تنحدر الفتاة التي قُتلت وهي محتَجَزَة لدى الشرطة الإيرانية.

ورأت أنه بعد أربعة أيام من العثور على "أميني" مقتولة في زنزانة سجن بطهران، لا تُظهر الاحتجاجات في العاصمة الإيرانية بوادر تُذكر على هدوئها، خصوصًا مع تحوّل بعضها -في المناطق الكردية- إلى أعمال عنف.

وأشارت إلى أن هناك بعض الدلائل على احتمال حدوث موجة كبيرة من الاحتجاجات تعيد إلى الأذهان ما حدث عام 2009، عندما أشعلت وفاة شابة أخرى أيامًا من الاضطرابات الواسعة النطاق، التي لم تشهدها البلاد منذ استيلاء "الخميني" على الحكم عام 1979.

كانت فتاة تُدعى "ندا سلطان أغا" قُتلت أيضًا عام 2009، خلال مظاهرة في طهران بطلق ناريٍّ في الرأس على يد قناص، وهو ما وصفته الصحيفة البريطانية بأنه "دليل إثبات على كيفية تعامل إيران مع المعارضين والنساء".

وأضافت: "قُتلت (ندا سلطان) برصاص قناص في أثناء مشاركتها باحتجاج مناهض للحكومة في يونيو 2009، في لحظة أثارت ثورة عارمة حينها، ولفترة من الوقت، وهو ما كشف عن هشاشة واحدة من أقوى الدول البوليسية في المنطقة".

 

غطاء الرأس..

وبينّت "الغارديان"، أن صور "أميني" وهي تجرّها شرطة الآداب إلى شاحنة الاحتجاز، الخميس الماضي، لأنها اختارت عدم ارتداء غطاء الرأس، أثارت ذكريات وفاة "ندا سلطان"، وأثارت مرة أخرى شبح دولة ترتكب بشكل روتيني أعمال عنف شديدة ضد النساء والرجال الذين يتَحَدّون ذلك.
ورأت أنه خلال الفترة ما بين الحادثين -أي مقتل "ندا" و"مهسا"- شهدت إيران زيادة في قمع المعارضين، وسحقت الدولة كلَّ آثار الثورة الخضراء التي أعقبت الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل في 2009.

وأشارت إلى أن قوات الحرس الثوري المسؤولة عن فرض قيم ما تسمى "الثورة الإسلامية"، و"الباسيغ" الذين كان أعضاؤهم مسؤولين عن قتل "ندا سلطان"، باتت هي التي تتحكم في الشارع الإيراني الآن، خصوصًا منذ انتخاب "إبراهيم رئيسي" رئيسًا لإيرانية.

ووصفت الصحيفة "رئيسي" بأنه متشدد، وقد زاد من تضييق هامش المعارضة الموجودة بالبلاد، وعمل على تمكين شرطة الآداب في الشارع لمراقبة تنفيذ الأفكار التي جاء بها "الخميني"، مرسخًا تفسيرًا متطرفًا للإسلام الشيعي في جميع أنحاء البلاد.

بينما في مقابل الاحتجاجات التي لم تهدأ في أرجاء البلاد، ألقى قادة إيران -حتى الآن- اللوم على ما سمُّوهم "المتآمرين" في وفاة "مهسا"، وادعوا أيضًا أن أعمال الشغب والاحتجاجات كانت من عمل الأعداء.

في الوقت نفسه كشفت وسائل الإعلام الحكومية شبه الرسمية عن وجود تحقيق حول الحادث، وزعمت أن كبار المسؤولين، مثل المرشد الأعلى لإيران "علي خامنئي"، من المحتمل أن يكونوا قد شعروا بالتعاطف مع وفاة "أميني".

وذكرت الصحيفة أن السلطات الإيرانية كانت قد ألقت اللوم في وفاة "مهسا أميني" على مرض في القلب، ثم تراجعت وقالت إن الفتاة الكردية البالغة من العمر 22 عامًا كانت مريضة بالصّرع، وهو ما نفاه والداها تمامًا.

وأكد والد "أميني" لموقع إخباري محلي، أن ابنته لم تكن تعاني من أي مشكلات صحية، وأنها أصيبت بكدمات في ساقيها، وحمّل الشرطة مسؤولية وفاتها.

ووفقًا لوالد "أميني"، فإن الشرطة استغرقت ساعتين من الوقت لنقل ابنته إلى المستشفى، "ولو كانت وصلت في وقت مبكر ما توفّيت".

 

دروس في القمع..

واعتبرت "الغارديان" أن المتشددين في إيران تعلّموا دروسًا في القمع منذ أحداث عام 2009، عندما خرجت انتفاضة واسعة النطاق كادت أن تفلت عن سيطرة الدولة.

وأشارت إلى أن إيران تمتلك بعضًا من أقوى نظم الأمن الرقمي المتغلغلة في المنطقة، فضلًا عن قبضة شديدة على المجتمع الذي أصابه الرعب جرّاء هذا القمع المتزايد.

لكن -حسب الصحيفة-، فإن النظام الإيراني يجد نفسه في مواجهة مع شبكة واسعة من المواطنين المغتربين الراغبين في تغيير عدد من الأمور داخل البلاد، وأيضًا في مواجهة مع نشطاء أقوياء في الداخل يعرفون كيف ينظمون أنفسهم.

وأمام هذه التطورات، تساءلت الصحيفة: "هل ستكون حادثة قتل (أميني) لحظة حاسمة في السعي لتقرير المصير المأمول لعدة إيرانيين، أم هي جمرة غضب ستهدأ في النهاية؟".

ومع ذلك، أضافت الصحيفة أن القادة الإيرانيين يخشون من شارع لم يعد بإمكانهم احتواؤه، مشيرةً إلى أن "الموت الوحشي لامرأة شابة أخرى" سيشعل مزيدًا من الاضطرابات، وهو ما يعني أن النظام الإيراني ألقى بنفسه في مياه راكدة، قد لا يستطيع الخروج منها سالمًا.

في سياق متصل، أعربت الأمم المتحدة، الثلاثاء، عن قلقها إزاء وفاة المواطنة الإيرانية "مهسا أميني" عقب اعتقالها على يد الشرطة، وقمع طهران الاحتجاجات الشعبية التي تلت ذلك.

وقالت المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان "رافينا شامداساني"، إن "أميني" دخلت في غيبوبة بعد وقت قصير من انهيارها في مركز احتجاز، ثم توفيت بعد 3 أيام من اعتقالها.

ولفتت المسؤولة الأممية إلى أن التقارير تفيد بأن "أميني" تعرّضت للضرب على رأسها بهراوة في أثناء احتجازها بسيارة ما تسمى شرطة الأخلاق "الآداب".