جورجيا ميلوني رئيسًا لحكومة إيطاليا.. ماذا يعني فوز اليمينية المتطرفة لأوروبا؟
بنسبة مشاركة في الانتخابات وصلت لدى إغلاق مكاتب الاقتراع 64,07% مقارنة بـ73,86% في 2018، شكل فوز جورجيا ميلوني، زلزالًا حقيقيًّا في إيطاليا

السياق
بإعلان فوزها في الانتخابات الإيطالية، باتت جورجيا ميلوني رئيسة حزب فراتيلي ديتاليا أول امرأة تتولى رئاسة الوزراء في إيطاليا، في حدثٍ ألهب الشارع الأوروبي، ودق «إسفينًا» جديدًا في مفاصل القارة العجوز التي لم يندمل جرحها من بركسيت بريطانيا بعد.
فبنسبة مشاركة في الانتخابات وصلت لدى إغلاق مكاتب الاقتراع 64,07% مقارنة بـ73,86% في 2018، شكل فوز جورجيا ميلوني، زلزالًا حقيقيًّا في إيطاليا، إحدى الدول المؤسسة لأوروبا وثالث قوة اقتصادية في منطقة اليورو.
فالاتحاد الأوروبي بات مضطرًا إلى التعامل مع السياسية المقربة من رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، التي تشمل أولوياتها إغلاق الحدود الإيطالية وإعادة التفاوض بشأن المعاهدات الأوروبية لكي تستعيد روما السيطرة على مصيرها، ومحاربة "مجموعة الضغط لمجتمع الميم".
فماذا نعرف عن جورجيا ميلوني؟
ولدت ميلوني عام 1977، وانضمت إلى جناح الشباب في حزب الحركة الاجتماعية الإيطالي الفاشي الجديد عندما كانت في الخامسة عشرة من عمرها لاتخاذ موقف ضد الإرهاب اليساري المتطرف الذي ابتليت به إيطاليا خلال تلك الحقبة.
وقادت لاحقًا الفرع الطلابي للتحالف الوطني اليميني المتطرف، وانتُخبت في مجلس النواب بالبرلمان الإيطالي عام 2006، وأصبحت أصغر وزيرة في إيطاليا بعد ذلك بعامين.
في سن 31، تولت حقيبة الشباب في حكومة برلسكوني، وقبل عشر سنوات، أسست ميلوني جماعة إخوان إيطاليا التي كانت تقودها منذ عام 2014.
وفي عام 2020، تولت أيضًا رئاسة حزب المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين الذي يضم من بين آخرين، الحزب البولندي الحاكم، حزب القانون والعدالة.
وتوجَّهت ميلوني إلى الحملة الانتخابية بشعار شعبوي «إيطاليا والشعب الإيطالي أولاً!»، ودعت إلى المزيد من المزايا الصديقة للأسرة، وتقليل البيروقراطية الأوروبية، وضرائب منخفضة، ووقف الهجرة.
وتريد ميلوني إعادة التفاوض على معاهدات الاتحاد الأوروبي، فيما يرفض حزبها الإجهاض والزواج من نفس الجنس، بحسب موقع «دويتشه فيله»، الألماني الذي قال إنَّ رئيسة الحكومة الإيطالية الجديدة قضت معظم حياتها السياسية كعضو في البرلمان ومسؤولة حزبية.
ثقة راديكالية بالنفس
حافظت ميلوني على هدوئها وسط انتقادات شديدة من المعسكر السياسي اليساري، بحسب الكاتبة جينيفرا بومبياني التي قالت عنها، إن «ميلوني محاطة بالنازيين»، فيما ردت ميلوني على «فيسبوك»، قائلة إنها سئمت من تصويرها على أنها «السيدة السوداء».
وأوضحت ميلوني أن خصومها يائسون فقط لأنها ناجحة للغاية، مشيرة إلى أن ربطها بموسوليني أو هتلر أو بوتين أمر سخيف؛ فهي «بعد كل شيء تؤيد أوكرانيا».
وفي مقابلة تلفزيونية، طلبت من منتقديها ذات مرة إلقاء نظرة على فرنسا وألمانيا، حيث نجحت الأحزاب الشعبوية اليمينية المتطرفة ولم يحول أحد ذلك إلى فضيحة، متسائلة: لماذا يجب أن تكون إيطاليا مختلفة؟
ماذا يعني فوزها لأوروبا؟
تعتمد ميلوني على القيادة الإيطالية لتحويل الاتحاد الأوروبي إلى اتحاد اقتصادي فضفاض، فيما قالت إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أضعف بفقدانه الأغلبية في البرلمان.
وفي مقابلة حديثة مع محطة RAI الإيطالية العامة، اتهمت المستشار الألماني أولاف شولتز بانعدام الثقة، مضيفة أن شولتز بالتأكيد لا يتمتع بنفس القوة التي كانت تتمتع بها سلفه أنجيلا ميركل.
وستشكل رؤيتها زلزالًا حقيقيًّا في إيطاليا، التي تعد إحدى الدول المؤسسة لأوروبا وثالث قوة اقتصادية في منطقة اليورو، بحسب «فرانس 24»، التي قالت إن فوزها يتسبب بأزمة حقيقية في الاتحاد الأوروبي.
وعبر شعار «الله، الوطن، العائلة»، تقود ميلوني إيطاليا في سياسة تشمل أولوياتها إغلاق الحدود وإعادة التفاوض بشأن المعاهدات الأوروبية لكي تستعيد روما السيطرة على مصيرها، ومحاربة «مجموعة الضغط لمجتمع الميم» و«الخريف الديموغرافي» للبلاد التي تسجل أعلى متوسط أعمار بين الدول الصناعية بعد اليابان مباشرة.
وفي العام 2016 نددت بـ«التبديل الإثني الحاصل في إيطاليا على غرار الأحزاب والحركات اليمينية المتطرفة الأخرى في أوروبا، فيما قالت عنها صوفيا فينتورا أستاذة العلوم السياسية في جامعة بولونيا إن «ميلوني تمثل مرجعًا في الاحتجاج والسخط».
هل تهز القارب؟
من جانبه، قال البروفيسور جيانلوكا باساريلي من جامعة سابينزا في روما في تصريحات لـ«بي بي سي» بالإنجليزية، إن جورجيا ميلوني ستتجنب في الفترة الحالية هز القارب في أوروبا، مشيرًا إلى أنها ستركز على السياسات الأخرى.
وأوضح البروفيسور جيانلوكا، أنه يعتقد أن ميلوني ستتوجه نحو وضع المزيد من القيود على الحقوق المدنية والسياسات المتعلقة بالمثليين والمهاجرين.
وتقول صحيفة «نيويورك تايمز»، في تقرير ترجمته «السياق»، إن إيطاليا طوت صفحة التاريخ الأوروبي يوم الأحد بانتخاب ائتلاف يميني متشدد بقيادة جيورجيا ميلوني، الذي أثار سجلها الطويل في انتقاد الاتحاد الأوروبي والمصرفيين الدوليين والمهاجرين القلق بشأن مصداقية الأمة في التحالف الغربي.
وتقول الصحيفة، إنه بينما تؤيد ميلوني بقوة أوكرانيا، إلا أن شركاءها في التحالف معجبون بشدة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وانتقدوا العقوبات المفروضة على روسيا.
وأشارت إلى أن إيطاليا التي تعدّ مهد الفاشية والعضو المؤسس للاتحاد الأوروبي، هي التي أرسلت أقوى موجة صدمة عبر القارة بعد فترة من الاستقرار المتمحور حول أوروبا بقيادة رئيس الوزراء ماريو دراجي، الذي وجَّه مئات المليارات من اليوروهات في صناديق التعافي لتحديث إيطاليا وساعد في قيادة استجابة أوروبا القوية لروسيا.
اختراقات أوروبية
وأكدت الصحيفة الأمريكية، أن انتصار ميلوني أظهر أن جاذبية القومية- التي كانت من أشد المدافعين عنها- لم تتأثر، على الرغم من الاختراقات التي حققها الاتحاد الأوروبي.
وأشارت إلى أن بعض المحللين السياسيين يقولون إن ميلوني، بعد أن وصلت إلى السلطة، قد تميل إلى تخفيف دعمها للعقوبات التي لا تحظى بشعبية في معظم أنحاء إيطاليا، مؤكدًا أنَّ هناك قلقًا من أن تكون إيطاليا الحلقة الضعيفة التي تكسر الموقف الموحد القوي للاتحاد الأوروبي ضد روسيا.
كانت ميلوني قد أمضت الحملة في سعيها لطمأنة الجمهور الدولي بأن دعمها لأوكرانيا كان ثابتًا، فسعت إلى تهدئة المخاوف من خلال إدانة موسوليني، الذي كانت معجبة به ذات مرة، وماضي إيطاليا الفاشي. كما قامت بإصدار المزيد من الأصوات الداعمة حول مكانة إيطاليا في الاتحاد الأوروبي ونأت بنفسها عن لوبان ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، اللذين كانت تحذو حذوهما في السابق.
لكن هذا التمحور كان بالنسبة للأسواق الدولية أكثر من الناخبين الإيطاليين، الذين لم يهتموا كثيرًا بماضيها، أو حتى تقاربها مع الديمقراطيات غير الليبرالية.
وقال علماء السياسة، إن الناخبين الإيطاليين لم ينتقلوا إلى اليمين، لكنهم لجؤوا مرة أخرى إلى الرغبة الدائمة في وجود زعيم جديد يمكن أن يحل جميع مشاكله.
وتقول «نيويورك تايمز»، إن هناك قلقًا بشأن افتقار ميلوني للخبرة وافتقار حزبها للخبرة الفنية، ولا سيما في إدارة ثالث أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، وقد ظل دراجي على اتصال وثيق معها، لضمان دعمها لأوكرانيا.