الكوليرا.. ما أسباب تفشي المرض القاتل في سوريا؟

المرض شديد العدوى انتشر بسرعة في شمال البلاد، حيث يعتمد ملايين الأشخاص الذين نزحوا بسبب حرب استمرت عِقدًا من الزمان، على المياه غير المعالجة من الأنهار التي تحتوي على مياه الصرف الصحي

الكوليرا.. ما أسباب تفشي المرض القاتل في سوريا؟

ترجمات - السياق

سلّطت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، الضوء على مشاكل المياه في سوريا ومدى انتشار الأوبئة هناك، مشيرة إلى أن وباء الكوليرا المميت تفشى في شمال سوريا خلال الأسبوعين الماضيين، في مناطق يعاني فيها ملايين الأشخاص الذين نزحوا بسبب الحرب الأهلية الطويلة في البلاد من نقص المياه النظيفة والرعاية الصحية، وفقًا لمنظمات الإغاثة التي حذرت من أزمة إنسانية أخرى محتملة.

وأشارت إلى أن المرض شديد العدوى انتشر بسرعة في شمال البلاد، حيث يعتمد ملايين الأشخاص الذين نزحوا بسبب حرب استمرت عِقدًا من الزمان، على المياه غير المعالجة من الأنهار التي تحتوي على مياه الصرف الصحي.

ونقلت الصحيفة عن منظمة "أنقذوا الأطفال" -وهي منظمة غير حكومية بريطانية تُعنى بالدفاع عن حقوق الطفل حول العالم- قولها: إن البيانات التي قدمتها الحكومة السورية تشير إلى حدوث 23 حالة وفاة مرتبطة بالكوليرا هذا الأسبوع.

وأبلغت السلطات الصحية في منطقة الحكم الذاتي لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" في شمال شرق سوريا، والتي انفصلت عن سيطرة النظام السوري في 2013، عن 16 حالة وفاة إضافية، فيما قال مسؤولو إغاثة، إنه يُعتقد أن آلافا آخرين أصيبوا بالكوليرا في أول انتشار كبير في البلاد منذ سنوات.

المزيد من البؤس

ونقلت نيويورك تايمز عن تانيا إيفانز، مديرة لجنة الإنقاذ الدولية في سوريا، قولها: إن تفشي الكوليرا يهدد بمزيد من البؤس لمئات الآلاف من السوريين المُعرضين أصلا لخطر الجوع والصراع وطقس قد يكون شديد البرودة الشتاء المقبل.

وأضافت: "لقد ترك عِقد من الصراع، نظام الرعاية الصحية في سوريا هشًا للغاية ويعاني من نقص شديد في الموارد، ما يجعل من الصعب للغاية حشد استجابة لأي أوبئة محتملة".

وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أنه بعد نحو 11 عامًا من الحرب الأهلية، نزح ما يقرب من سبعة ملايين سوري داخليًا، حيث يعتمدون على المساعدات الإنسانية الدولية.

وفي ذلك تقول الأمم المتحدة: إنها تتوقع أن يواجه ما يقرب من ثُلثي السكان السوريين نقصًا في الغذاء هذا العام، ويرجع ذلك جزئيًا إلى زيادة الأسعار المرتبطة بالحرب في أوكرانيا وانخفاض تمويل عمليات المساعدات السورية.

كما حذرت دائرة المساعدات الإنسانية بالمفوضية الأوروبية هذا الأسبوع من مخاطر عالية من انتشار المرض بشكل أكبر عبر مخيمات النازحين في شمال سوريا.

من جانبها، حذرت منظمة الصحة العالمية من أن خطر انتشار الكوليرا في سوريا مرتفع للغاية، مشيرة إلى أن تفشي المرض كان مؤشرًا على نقص حاد في المياه في جميع أنحاء سوريا، وهي قضية كانت الأمم المتحدة "تدق لها أجراس الإنذار" منذ وقت طويل.

وحسب المنظمة الدولية، تتركز الإصابات في المناطق القريبة من نهر الفرات، الذي تعتقد الأمم المتحدة أنه مصدر انتشار الوباء، بسبب شرب الأشخاص مياها غير آمنة من النهر، واستخدام المياه الملوثة لري المحاصيل، ما أدى إلى تلوث الغذاء.

أما في مناطق شمال وشمال غربي سوريا، التي تسيطر عليها فصائل المعارضة، فتم تسجيل أولى الإصابات بالوباء، الإثنين الماضي، في قرية مرمى حجر التابعة لمدينة جرابلس، القريبة من نهر الفرات، فيما تم تسجيل حالة ثانية لمريضة بعمر 23 عامًا في رأس العين، بريف محافظة الحسكة.

وتختلف الأرقام المذكورة عن الإحصائيات التي استعرضتها وزارة الصحة السورية التابعة للنظام السوري، حيث أعلنت أن العدد الإجمالي التراكمي لإصابات الكوليرا المثبتة بالاختبار السريع في البلاد ارتفع إلى 253 إصابة، توزعت في حلب 180 ودير الزور 29 والحسكة 25 واللاذقية 13 وحمص 4 ودمشق 2.

وبلغ العدد الإجمالي للوفيات بمرض الكوليرا 23، بسبب تأخر طلب المشورة الطبية (في حلب 20، ودير الزور 2، والحسكة 1)، وفق بيان الوزارة.

كوليرا معدية

وبينّت نيويورك تايمز، أن الكوليرا في سوريا مُعدية للغاية، وتحدث بسبب شُرب المياه الملوثة بمياه الصرف الصحي، أو عن طريق تناول الطعام المزروع أو المحضر بمياه ملوثة، وهو ما يسبب الإسهال والقيء الشديد، والذي إذا تُرك دون علاج، يمكن أن يؤدي إلى الجفاف القاتل.

وأشارت إلى أن تفشي المرض في هايتي عام 2010 تسبب في مقتل ما يقرب من 10 آلاف شخص، لافتة إلى أنه كان مرتبطًا بنهر ملوث بمياه الصرف الصحي وجاء بعد شهور من وقوع زلزال مدمر هناك.

وحسب الصحيفة، فقد أدت سنوات الجفاف في سوريا إلى جانب الأضرار الجسيمة التي لحقت بالبنية التحتية للبلاد إلى نقص المياه النظيفة لملايين السوريين، إضافة إلى عدم إمكانية الحصول على الرعاية الصحية الأساسية.

كانت وزارة الصحة السورية، أعلنت قبل نحو أسبوعين، تفشي وباء الكوليرا في محافظة حلب الشمالية بعد الإبلاغ عن تسع وفيات في أنحاء البلاد، معظمها في محافظتي حلب ودير الزور، مشيرة إلى أنه تم الإبلاغ عن أكثر من 900 حالة من حالات الإسهال الحاد الشديد.

وعادت وزارة الصحة السورية، لتعلن في آخر حصيلة نشرتها، الأربعاء الماضي، تسجيل 23 وفاة وأكثر من 250 إصابة بالكوليرا في 6 محافظات هي حلب والحسكة ودير الزور، وأعداد أقل في اللاذقية ودمشق وحمص من أصل 14محافظة. وقالت إنه تم تسجيل معظم الإصابات في محافظة حلب، موضحة أن العلاج متوفر بمخزون إضافي.

وبناءً على التقييم الذي أجرته السلطات الصحية، يُعتقد أن مصدر العدوى مرتبط بشرب الأشخاص المياه غير الآمنة من نهر الفرات واستخدام المياه الملوثة لري المحاصيل، مما يؤدي إلى تلوث الغذاء.

من جانبها، كشفت خدمة ريتش (REACH)، -وهي خدمة بحث ومعلومات مرتبطة بالأمم المتحدة-، عن أن نصف أنظمة الصرف الصحي في مناطق بشمال سوريا -تضم أعدادًا كبيرة من النازحين- معطلة، لافتة إلى أنه رغم أن العديد من مساكن محافظة دير الزور مؤقتة، إلا أن نحو 40% من السكان لا يملكون مراحيض.

وأشارت "ريتش" إلى أنه في العديد من الأماكن، يتم ضخ مياه الصرف الصحي دون معالجة مباشرة في نهر الفرات، فيما انخفضت مستويات المياه الجوفية، وباتت محطات الضخ الرئيسة غير صالحة للعمل.

وأوضحت أنه مع عدم وجود مياه شرب نظيفة، يعتمد الكثير من المواطنين على إمدادات المياه المنقولة بالشاحنات، والتي تكون في كثير من الأحيان من مياه الأنهار غير المعالجة.

وبيّنت أن الكوليرا تظهر عادةً في مناطق سكنية تعاني شُحًا في مياه الشرب أو تنعدم فيها شبكات الصرف الصحي، وغالبًا ما يكون سببها تناول أطعمة أو مياه ملوثة، وتؤدي إلى الإصابة بإسهال وقيء وتصل مضاعفاتها أحيانًا إلى الوفاة.

زيادة البكتيريا

وأشارت نيويورك تايمز، إلى أن مستويات المياه في نهر الفرات انخفضت بعد سنوات من الجفاف، ما أدى إلى زيادة تركيز البكتيريا، وفقًا لـ "ريتش".

ونوهت الصحيفة إلى أن تركيا، -التي توجد في شمال سوريا منذ عام 2016-، تسيطر على منسوب مياه نهر الفرات عبر سدود داخل الأراضي التركية، كما أنها تسيطر على محطة ضخ علوك الرئيسة في شمال شرق سوريا، والتي تخدم ما يقرب من مليون شخص وغالبًا ما تكون معطلة.

وأمام هذه التطورات، يخشى مسؤولو الإغاثة من أن يُشكل اقتراب فصل الشتاء المزيد من المخاطر على النازحين السوريين.

وقالت منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة، إنها تلقت شحنة من الفحوصات التشخيصية والعلاج في العاصمة السورية دمشق لتوزيعها في جميع أنحاء سوريا.

ولكن منظمات الإغاثة تقول إن المساعدات الإنسانية التي تصل الأراضي التي تسيطر عليها حكومة النظام السوري بطيئة في توزيعها على المناطق التي تسيطر عليها جماعات المعارضة في البلاد، مثل الإدارة التي يقودها الأكراد في شمال شرق سوريا.