بعد استقالة تراس.. ما أبرز التحديات التي تنتظر رئيس وزراء بريطانيا القادم؟

ذكرت فورين بوليسي، أن الخليفة المحتمل لتراس في دواننغ ستريت، سيواجه تحديات جمَّة، أبرزها ضرورة عودة الثقة في الاقتصاد البريطاني، واستعادة الجنيه الإسترليني لبريقه المفقود.

بعد استقالة تراس.. ما أبرز التحديات التي تنتظر رئيس وزراء بريطانيا القادم؟

ترجمات – السياق

تتراكم المؤشرات السلبية في الاقتصاد البريطاني وسط أزمة سياسية مالية حادة، بين فوائد قياسية على الدين وانهيار مبيعات التجزئة وتراجع الثقة، ما أدى الى استقالة رئيسة الوزراء ليز تراس بعد ستة أسابيع فقط من انتخابها.

وبررت رئيسة الحكومة البريطانية استقالتها بأنها لا تستطيع متابعة مهامها، وقالت إنها اتفقت مع رئيس لجنة 1922 غراهام برايدي، أن تجرى انتخابات زعيم جديد الأسبوع المقبل، مما يعني وفق قواعد الحزب أنه سيصبح رئيس الحكومة الجديد.

وذكرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أنه بعد رئاسة الوزراء المضطربة التي استمرت 44 يومًا فقط، استقالت ليز تراس فجأة من منصبها، يوم الخميس، مما أدى إلى تعميقِ الاضطرابات في بريطانيا وتَرْكِ اقتصادها يتجه نحو ركود محتمل.

وبدأت الأزمة مع تقديم خطة "الموازنة المصغرة" في نهاية سبتمبر الماضي، من قِبل وزير المالية آنذاك كواسي كوارتينغ، والتي تتضمن خفض ضرائب بشكل كبير ودعمًا قويًا لفواتير الطاقة، الأمر الذي أثار مخاوف من تراجع الحسابات العامة، حيث سجل الجنيه الإسترليني تراجعًا إلى أدنى مستوياته وارتفعت معدلات الاقتراض الحكومي الطويل الأجل، قبل أن يتدخل بنك إنجلترا لمنع الوضع من التحول إلى أزمة مالية.

 

تحديات خليفة تراس

وأشارت فورين بوليسي، إلى أن الخليفة المحتمل لتراس في "دواننغ ستريت"، سيواجه تحديات جمَّة، أبرزها ضرورة عودة الثقة في الاقتصاد البريطاني، واستعادة الجنيه الإسترليني لبريقه المفقود.

ومن المتوقع -حسب المجلة- أن يخوض المنافسة على المنصب وزير المالية السابق ريشي سوناك، ووزيرة الدفاع السابقة بيني موردونت، لكن السباق قد يشهد أيضًا عودة رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون الذي تمت الإطاحة به في يوليو عندما استقال وزراؤه بصورة جماعية لإجباره على التنحي.

ويتمتع حزب المحافظين بأغلبية كبيرة في البرلمان ولا يحتاج للدعوة لانتخابات عامة قبل عامين إضافيين، وسينتخب الحزب زعيمًا جديدًا بحلول 28 أكتوبر.

وتجدر الإشارة إلى أنه وفق قواعد حزب المحافظين، يتوجب على لجنة 1922 أن تجتمع لتغيير القاعدة التي تمنع تغيير زعيمه قبل مرور عام على انتخابه.

لكن من غير الواضح إذا ما كان بإمكان أي شخص جر الاقتصاد البريطاني المنهك بعيدًا عن حافة الهاوية، وأشارت المجلة إلى أن تزعزع الأسواق لم يكن وليد اللحظة مع تولي تراس السلطة، وإنما يعود لفترات سابقة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى التضخم المرتفع وأزمة الطاقة التي هزت أوروبا وتضر ببريطانيا بشكل خاص.

فيما أحدثت "الميزانية المصغرة" التي كشفت عنها تراس قبل نحو شهر، والتي تقوم على تخفيض الضرائب عن الشركات، لتحريك عجلة الاقتصاد وتحقيق نمو وسط مؤشرات على دخول البلاد في ركود، ضجة كبيرة في البلاد، لأنها تتعارض مع غالبية السياسات الغربية الراهنة القائمة على تشديد السياسة النقدية لمواجهة أزمة التضخم العالمي.

وأمام كثرة الاتهامات بالفشل وغياب الرؤية من قِبل دوائر اقتصادية وسياسية داخل بريطانيا وخارجها، كانت تراس قد اضطرت للتضحية بوزير ماليتها كواسي كوارتنغ بعد 38 يومًا فقط من تعيينه، واستبدلته بـ جيرمي هانت، ليصبح رابع وزير يشغل المنصب خلال عام 2022.

وأمام هذه التطورات المتسارعة، تصاعدت المخاوف في بريطانيا من أن تسهم هذه الاضطرابات بدخول البلاد في ركود قاسٍ يزيد من وطأة الأوضاع المعيشية الصعبة على المواطن الذي لم يتجاوز بعدُ آثار الخروج من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، وجائحة كورونا، فضلًا عن تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا.

ونقلت المجلة عن دان ديفيز، العضو المنتدب في فرونت لاين أناليستس، قوله: "المشكلة الأساسية التي يعاني منها اقتصاد المملكة المتحدة هي أن سعر الطاقة قد ارتفع كثيرًا".

وأوضحت المجلة الأمريكية، أنه في الوقت الذي قلصت فيه روسيا إمدادات الغاز الطبيعي في أوروبا بسبب الحرب في أوكرانيا، واجهت الأسر البريطانية ارتفاعًا هائلًا في فواتير الطاقة وتضخمًا غير مسبوق، مشيرة إلى أنه مع دخول فصل الشتاء، حذرت شركة الكهرباء في البلاد أيضًا من انقطاع التيار الكهربائي لمدة ثلاث ساعات يوميًا، في أسوأ سيناريو يتمثل في نفاد الإمدادات.

 

الأسعار والركود

وحسب فورين بوليسي، فإن السؤال الأكثر أهمية، المطروح الآن، هو كيف سيحاول خليفة تراس أن يواجه تحديات "ارتفاع الأسعار وتجنب الركود".

ويجيب ديفيز قائلًا: "زمن المعجزات انتهى"، مضيفًا: "لا أرى أي شخص بإمكانه التوصل إلى حل من شأنه أن يغير الأمور ويفاجئ الجميع به".

وأشار إلى أن تراس واجهت الأزمة الاقتصادية في البلاد من خلال الكشف عن أجندة اقتصادية مثيرة للجدل وصفها ديفيز بأنها "غبية في جوهرها وغبية حقًا من الناحية السياسية"، مشيرًا إلى أن خطتها هذه دعت إلى تخفيضات ضريبية غير ممولة كان من شأنها أن تتطلب اقتراضًا حكوميًا كبيرًا في فترة غير مستقرة بالفعل.

وبيّن أن هذا القرار أثار توتر الأسواق ودفع قيمة الجنيه للانهيار إلى مستوى قياسي منخفض، مما أجبر بنك إنجلترا على إطلاق تدخل طارئ؛ كما قوبل بإدانة عامة من صندوق النقد الدولي.

وحسب المجلة، فإنه في مواجهة انتقادات متزايدة وضغوط سياسية غير مسبوقة، اضطرت تراس إلى فصل أول وزير لها في الخزانة، كواسي كوارتنغ، واستبدلته بـ جيريمي هانت، الأسبوع الماضي، الذي حاول التحرك سريعًا لإصلاح أجندتها الاقتصادية بالكامل، لكن الوقت لم يسعفه.

وخلفت تراس، رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، الذي عصفت به فضائح متعلقة بقيود كورونا وغموض سياسة حكومته المالية، على رئاسة حزب المحافظين، وسط تراجع ترتيب بريطانيا على قائمة أكبر الاقتصادات في العالم إلى المركز السادس بعد الهند.

التراجع مثّل -حسب المجلة- ضربة كبيرة لحكومة تراس الجديدة التي وعدت بإعادة تشكيل الاقتصاد البريطاني بشكل جذري لإنهاء سنوات من النمو البطيء، ومواجهة التكاليف المعيشية القاسية في البلاد.

كما تسلمت تراس، شؤون البلاد من جونسون، وهي تواجه أعلى معدل تضخم منذ أربعة عقود، إذ تجاوز 10 بالمئة، مع ارتفاع مخاطر الركود الاقتصادي الذي توقع بنك إنجلترا المركزي استمراره حتى 2024.

وكمحاولة لدفع عجلة النمو وزيادة التوظيف، كشفت حكومة تراس عبر وزير ماليتها كوارتنغ في 23 سبتمبر الماضي، عن حزمة تحفيز تتضمن تخفيضات ضريبية بقيمة 45 مليار جنيه إسترليني (50 مليار دولار)، يجرى سدادها عن طريق الاقتراض الحكومي.

إلا أن هذه الخطة تسببت في جدل اقتصادي واسع، نظرًا لأن تراس وكوارتنغ لم يوضحا كيفية سداد ذلك الاقتراض على المدى الطويل، ما عزز الانتقادات السابقة لتراس بأنها تفتقر لرؤية اقتصادية رشيدة، فضلًا عن أن التخفيضات الضريبية شملت إلغاء أعلى معدل لضريبة الدخل التي تستهدف البريطانيين الأكثر ثراءً، ولا سيما شركات الطاقة المستفيدة من الأزمة العالمية الراهنة، ما دفع المستثمرين للتخلي عن الجنيه الإسترليني وسندات الخزانة البريطانية.

لم يتوقف الأمر عند التضخم وأزمة الطاقة، وإنما واجهت تراس أزمة أخرى أكثر أهمية، وهي انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني إلى ما دون 1.11 دولار للمرة الأولى منذ عام 1985، لتصل نسبة انخفاضه إلى 19 بالمئة منذ بداية 2022، فيما سجلت سندات الخزانة البريطانية لأجل خمس سنوات، أكبر انخفاض يومي لها على الإطلاق.

يذكر أنه منذ نوفمبر 2021، رفع بنك إنجلترا معدل الفائدة سبع مرات، وصولًا إلى 2.25 بالمئة، كان آخرها في 22 سبتمبر الماضي، إذ رفعها بمقدار 0.5 بالمئة.