هل يرسم الناخبون الأتراك مسارًا جديدًا في عام 2023؟

الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد طوال السنوات الأخيرة، باتت العدو اللدود لشعبية أردوغان وحكم حزب العدالة والتنمية.

هل يرسم الناخبون الأتراك مسارًا جديدًا في عام 2023؟

ترجمات - السياق

من المقرر أن يتوجه الناخبون الأتراك إلى صناديق الاقتراع في يونيو 2023 لانتخاب رئيسهم وأعضاء البرلمان، لكن نتائج هذه الانتخابات لن تقرر فقط مصير الرئيس رجب طيب أردوغان وحزبه العدالة والتنمية (AKP) بل مصير الديمقراطية في تركيا، وفقا لمجلة ناشيونال إنترست الأمريكية.

منافس لأردوغان

واعتبرت المجلة أن الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد طوال السنوات الأخيرة، باتت العدو اللدود لشعبية أردوغان وحكم حزب العدالة والتنمية، لافتة إلى أن المعارضة لا تتنافس مع الحزب الحاكم على ساحة لعب متكافئة بسبب الافتقار إلى الضوابط والتوازنات، ونزاهة الانتخابات المشكوك فيها، وقبضة أردوغان الحديدية على مؤسسات الدولة، فضلًا عن انعدام حرية التعبير.

وأشارت إلى أنه على الرغم من الإنجاز الكبير المتمثل في تشكيل كتلة معارضة من ستة أحزاب، إلا أن عملية انتخابية شاقة تنتظر المعارضة لأنها تفتقر إلى موقف موحد وإستراتيجيات ملموسة.

وحسب المجلة، فقد شهدت تركيا تغييرًا لا جدال فيه في النظام، وحولته من ديمقراطية إلى دولة استبدادية تنافسية حيث يسيطر الحزب الحاكم على المؤسسات ويمنع المعارضة من اكتساب السلطة واستبدال شاغلها.

وبيَّنت أن هيمنة أردوغان على التشريعات مكنته هو وحزب العدالة والتنمية من تغيير قواعد اللعبة من خلال تعديل قوانين الانتخابات، وسن قوانين جديدة تُضيق الخناق على حرية التعبير وإمكانية النشر بحرية على منصات التواصل الاجتماعي.

ففي الوقت الذي عزز فيه أردوغان سلطته الواسعة على الأجهزة الأمنية من خلال عمليات التطهير المكثفة التي أعقبت محاولة الانقلاب المزعومة عام 2016، قام حزبه بدعم الشرطة شبه العسكرية والقوات شبه العسكرية والجماعات الأهلية للسيطرة على الشوارع وبث الخوف على المعارضين.

وحسب هيومن رايتس ووتش، فقد قوّض أردوغان استقلال القضاء، وحوّله إلى سلاح لخنق المعارضة.

واعتبرت المجلة، أنَّ السلطات التركية استخدمت هذه الإجراءات لإسكات الأصوات المعارضة على شتى الأصعدة من السياسيين والصحفيين وحتى المواطنين العاديين.

على سبيل المثال -تضيف المجلة- في عام 2020 وحده، استجوبت الشرطة 44717 مواطنًا بدعوى إهانة الرئيس وتشويه سمعة تركيا، فيما يواجه أكرم إمام أوغلو، وهو سياسي بارز، منافس لأردوغان، ورئيس فرع حزب الشعب الجمهوري في إسطنبول، عقوبة تصل إلى خمس سنوات في السجن بتهمة "إهانة الجمهورية التركية صراحةً" و"إهانة الرئيس".

فخلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية التي استمرت عشرين عامًا، تغيرت مؤسسات الدولة وامتلأت بالموالين لحزب العدالة والتنمية.

وترى المجلة الأمريكية، أن هذا التحول يعتبر أمرًا بالغ الأهمية بشكل خاص في الانتخابات، حيث عيّن أردوغان رجاله الموثوق بهم في المحكمة الدستورية التركية، والمجلس الأعلى للانتخابات، والسلطة القضائية، وإنفاذ القانون، مما قد يكون له تأثير حاسم على نتيجة الانتخابات في تركيا المقررة العام المقبل.

على سبيل المثال، بضغط من حزب العدالة والتنمية، قرر المجلس الأعلى للانتخابات إحصاء 1.5 - 2.5 مليون ورقة اقتراع غير مختومة في استفتاء عام 2017.

وفي أحد أكثر قراراته إثارة للجدل، قرر المجلس الأعلى للانتخابات إعادة إجراء انتخابات 2018 في إسطنبول بعد أن خسر مرشح حزب العدالة والتنمية بن علي يلدريم أمام إمام أوغلو من حزب الشعب الجمهوري.

 

السيطرة على الإعلام

لم يتوقف الأمر عند السيطرة على مؤسسات الدولة، وخصوصًا القضاء، بل تعدى الأمر للسيطرة المطلقة على وسائل الإعلام، إذ إنه وفقًا لتقرير أصدرته مؤسسة فريدوم هاوس لعام 2022، فإن أكثر من 90 في المائة من شبكات الإعلام التركية مملوكة لشركات كبرى لها علاقات شخصية وثيقة بأردوغان وتعتمد على المناقصات الحكومية.

وأشارت ناشيونال إنترست إلى أنه من خلال وسائل الإعلام التي يسيطر عليها حزب العدالة والتنمية وعشرات من الأبواق الأخرى التابعة له، يمكن لأردوغان التأثير والتلاعب في الخطاب العام بشأن القضايا الحاسمة، مثل الاقتصاد والأمن الداخلي والسياسة الخارجية.

 

وأمام ذلك، وكمحاولة للالتفاف على الرقابة -وإن كان ذلك بطريقة محدودة للغاية- انتقل معارضو حزب العدالة والتنمية إلى الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي للتعبير عن آرائهم، ومع ذلك، يهدف الائتلاف الحاكم إلى توسيع سيطرته على الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي في مشروع قانون صدر مؤخرًا.

لم يتوقف الأمر عند سن القوانين، وإنما أيضًا لجأ حزب العدالة والتنمية -حسب المجلة الأمريكية- إلى إنشاء حسابات مزيفة على مواقع التواصل الاجتماعي تروّج لأفكار أردوغان وتؤيد سياسته، في محاولة للسيطرة على الخطاب العام، وتشويه سمعة المعارضين السياسيين، ووضع الأجندة العامة.

 

السياسة الخارجية

وعلى صعيد السياسة الخارجية، تبنى أردوغان ما يسمى بـ"الدبلوماسية التخريبية" كأداة فعّالة للغاية، يمكن أن يستغلها سياسيًا دائمًا لتقديم نفسه على أنه المنتصر في أي ظرف من الظروف.

ولتأكيد ذلك، استشهدت المجلة، بما قاله ستيفن كوك من مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية -زميل أكبر متخصص في أمور السياسة العربية والتركية- بأن أردوغان برع في استخدام إنجازات السياسة الخارجية لزيادة شعبيته المحلية، مشيرًا إلى أن التدخلات العسكرية التركية في الخارج، - لا سيما مع الأداء الفعّال لطائرات بيرقدار بدون طيار في الحرب الروسية الأوكرانية، والصراع السوري، والحرب الأرمينية الأذربيجانية في ناغورنو كاراباخ- ساعدت على دعم صورته بشكل جيد محليًا.

ولكن -تضيف المجلة- اليوم، الاقتصاد هو نقطة الضعف المميتة لأردوغان (كعب أخيل)، خصوصًا مع اقتراب موعد الانتخابات العامة المقبلة المقررة منتصف 2023، مشيرة إلى أنه نظرًا للأزمة الاقتصادية المستمرة، والتي كانت مؤلمة بشكل كبير للجمهور التركي، فإن تصنيف قبول أردوغان على المدى الطويل يعتمد بشكل كبير على إذا ما كان سيكون هناك أي تحسن كبير في الاقتصاد من عدمه.

وبيّنت المجلة أن ارتفاع معدلات التضخم وانخفاض قيمة الليرة التركية مع زيادة أسعار الطاقة والغذاء والمساكن، تركت أثرًا أكبر على الفقراء والطبقة الوسطى.

علاوة على ذلك -وفقًا للمجلة- هزت الحرب في أوكرانيا اقتصاد تركيا المترنح بالفعل، خصوصًا أن أنقرة كانت قد اعتمدت علاقات اقتصادية وثيقة مع موسكو وكييف، ولا سيما في مجالات الطاقة والزراعة والسياحة والبناء.

ووفقًا لمعهد الإحصاء التركي (TUIK) -وهو مؤسسة حكومية مُكلفة بإنشاء إحصاءات رسمية- ارتفع مؤشر أسعار المستهلك (CPI) بنسبة 78.2 بالمائة سنويًا.

وأشارت المجلة إلى أنه على الرغم من أن الزيادة التي أبلغ عنها معهد الإحصاء هي ذروة السنوات الأربع والعشرين الماضية، إلا أنها أقل بكثير من معدل التضخم المعلن من قِبل "إي إن أيه غروب" وهي منظمة مستقلة لأبحاث التضخم.

وحسب "إي إن أيه غروب"، فقد بلغت الزيادة السنوية في مؤشر أسعار المستهلكين 175.5 في المائة في يونيو 2022، وهو ما يزيد بنسبة 97.3 نقطة مئوية عن تقييم معهد الإحصاء.

ووفقًا لمسح نبض تركيا الذي أجرته شركة متروبول في أبريل 2022، "ليس من المستغرب أن يرى ثلثا الشعب التركي أن الأزمة الاقتصادية هي الشغل الشاغل لتركيا الذي يحتاج إلى حل عاجل، إذ إن نحو 63 في المائة من المشاركين يحملون حكومة حزب العدالة والتنمية، المسؤولية على الانكماش الاقتصادي الذي يضرب البلاد مؤخرًا.

وأمام هذا التراجع الاقتصادي، يتزايد الاستياء العام من العقود الحكومية الكبيرة الممنوحة لرجال الأعمال المنتسبين إلى حزب العدالة والتنمية.

وبيَّنت المجلة الأمريكية، أن هؤلاء القِلّة من حزب العدالة والتنمية اكتسبوا مكانة اجتماعية واقتصادية من خلال المحسوبية والفساد والمعاملة غير العادلة، إلا أن مثل هذه العلاقات الفاسدة -التي تورطت فيها العائلة المقربة لأردوغان والمقربين من الحزب الحاكم- ألحقت ضررًا بالغًا بشعبية حزب العدالة والتنمية لدى الجمهور التركي.

أيضًا يزيد الاستياء العام من اللاجئين من سوريا وأفغانستان من تحديات أردوغان في الانتخابات المقبلة، فكلما طال أمد الأزمة، ازداد مستوى الكراهية العامة تجاه اللاجئين الذين أصبحوا كبش فداء لارتفاع معدلات البطالة وتردي الأوضاع الاقتصادية.

وترى المجلة، أنه مع اقتراب موعد الانتخابات، أصبحت أزمة اللاجئين في تركيا مُسيَّسة بشكل متزايد، وأمام ذلك، يحاول أردوغان من خلال حشد الدعم الشعبي لعملية عسكرية في شمال سوريا، تأمين مسار لعودة "طوعية" لمليون لاجئ إلى بلدانهم الأصلية.

فيما مهدت أزمة اللاجئين الطريق لظهور حزب ظافر القومي المتطرف والمناهض للهجرة بزعامة أوميت أوزداغ، بدعم شعبي يصل إلى 3٪.

يذكر أنه بعد الانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، ظهرت كتلتان رئيستان، تحالف الشعب وتحالف الأمة.

تحالف الشعب هو تحالف حزب العدالة والتنمية الحاكم وحزب الحركة القومية اليميني وحزب الوحدة الكبرى.

أما تحالف الأمة، من ناحية أخرى، فهو تحالف كتلة المعارضة الرئيسة لحزب الشعب الجمهوري، وحزب الخير (IYI Parti)، وحزب السعادة (حزب سعدت).

وبينما لا يزال تحالف الشعب تحالفًا ثلاثي الأحزاب، انضمت ثلاثة أحزاب أخرى- حزب المستقبل، وحزب الديمقراطية والتقدم (DEVA)، والحزب الديمقراطي- إلى تحالف الأمة وأنشأت كتلة معارضة من ستة أحزاب.

ففي فبراير 2022، وقع قادة أحزاب المعارضة الستة إعلانًا مشتركًا حدد خطة المعارضة لإعادة النظام البرلماني وتعزيز فصل السلطات في تركيا، قائمة على "الديمقراطية التعددية والتشاركية والليبرالية التي ستنهي كل أنواع التمييز، وحرية الفكر والتعبير والصحافة، والسلم الاجتماعي والمساءلة أمام قضاء نزيه / مستقل، مع تعزيز الإنتاج والاقتصاد الموجه للعمالة، وتكريس سياسة خارجية فعّالة وذات سمعة طيبة".

لكن، حسب المجلة الأمريكية- فإن التحدي الأكبر للمعارضة هو كسب ثقة الجمهور التركي في قدرتها على حل مشاكل البلاد، والانتقال من منصة التصريحات إلى الأفعال على الأرض.

فقد أظهرت استطلاعات رأي أجريت مؤخرًا، أن نسبة أولئك الذين يعتقدون أن المعارضة قادرة على حل المشاكل الاقتصادية تبلغ حوالي 50 بالمائة، وهو ما يعني حاجة المعارضة للمزيد من الثقة بين الجمهور التركي.

ومن ثمّ، تحتاج كتلة المعارضة إلى تقديم خطاب سياسي بديل يعالج مشاكل تركيا العميقة الجذور، والأهم من ذلك أنه يضع توجهًا جديدًا لتركيا، إذ إنه -حسب المجلة- يجب على المعارضة صياغة برنامجها الخاص بسياسات يمكن أن تستهدف القضايا الحقيقية بشكل فعّال وتقديم طرق حقيقية ملموسة لحلها.

وخلصت المجلة تقريرها بالتساؤل: "مع احتفال تركيا بالذكرى المئوية لتأسيسها في عام 2023، هل يستطيع الناخبون الأتراك فتح فصل جديد في تاريخ الجمهورية؟"، وأجابت: "إنه أمر غير مرجح ولكنه ليس مستحيلًا".