تساوي موازنة دولة.. تفاصيل السرقة الأكبر في تاريخ العراق
أعلن مجلس القضاء الأعلى، مساء الثلاثاء، استدعاء مدير عام هيئة الضرائب ومسؤولين بالقسم المالي والرقابي.

السياق
«تساوي موازنة دولة مجاورة.. إنها أكبر سرقة في تاريخ العراق».. بهذه الكلمات تحدث نواب عراقيون غاضبون بشأن قضية الفساد الخاصة بملف الأمانات الضريبة، والتي أصبحت الشغل الشاغل للعراقيين في الأيام القليلة الماضية.
فمن الإعلان عن أنها صاحبة الكشف عن واقعة السرقة إلى التعهد بالمحاسبة تجاذبت القضية الحكومتان السابقة والمكلفة، وسط تحقيقات قضائية تجريها السلطات المعنية لمعرفة ملابسات عملية سرقة 3.7 تريليونات دينار عراقي (نحو 2.5 مليار دولار) من حساب أمانات الهيئة العامة للضرائب في مصرف الرافدين.
ورغم أن وقائع القضية تعود إلى الفترة الممتدة من 9 سبتمبر/أيلول 2021 و11 أغسطس /آب 2022، بحسب كتاب رسمي صادر عن هيئة الضرائب، سُرِّب إلى الإعلام، إلا أن طلبًا بفتح تحقيق أرسلته وزارة المالية في 12 أكتوبر/تشرين الأول الجاري إلى هيئة النزاهة، وهي هيئة حكومية معنية بمكافحة الفساد، أعاد القضية إلى دائرة الضوء.
الزلازل في #العراق لها مقاييس أخرى، "ريختر" لا يمكنه قياسها، والمباني سليمة هندسيًا، لكن الحسابات المصرفية منهارة تحت ركام من الفساد.. فكيف تتعامل بلاد الرافدين مع زلزال بقوة 2.5 مليار دولار "مسروقة"؟.. نتابع#السياق pic.twitter.com/uPZvzZlFjY
— السياق (@alsyaaq) October 18, 2022
فماذا نعرف عن تفاصيل القضية؟
وزارة المالية العراقية أصدرت يوم الإثنين، بيانًا بشأن الاستحواذ على مبالغ من الأمانات في هيئة الضرائب، قائلة إنه «في تاريخ 6 سبتمبر/أيلول 2022، أصدر وزير النفط إحسان عبد الجبار، أمرًا بتشكيل لجنة تحقيق إداري، للتأكد من بيانات ومعلومات عن وجود هدر في المال العام في حساب الأمانات للهيئة العامة للضرائب».
وفيما باشرت اللجنة أعمالها فور صدور قرار تشكيلها، أصدرت عدة توصيات إدارية، وافق عليها وزير النفط، بينها: عزل رئيس الهيئة العامة للضرائب والكادر المتقدم معه، أكَّدت أن «هذه اللجنة هي الثانية، فقد سبق أن أمر الوزير الأسبق علي عبد الأمير علاوي، بتشكيل لجنة مماثلة لتبيان الحقائق، وأصدر الوزير أوامر بعدم صرف أي مبالغ بدون موافقته منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2021».
بيان المالية أشار إلى أنَّ هيئة النزاهة والقضاء العراقي أجريا تحقيقًا في القضية نفسها، في شهر أغسطس/آب 2022، إذ صدرت قرارات مختلفة تتعلق بإيقاف صرف تلك الأمانات، ووضع اليد على الأوليات والسجلات والمستندات كافة المتعلقة بصرف تلك الأمانات والمعاملات موضوع البحث لغرض تدقيقها.
وصدر حينها أوامر قبض بحق المتهمين من الموظفين وعدد من أصحاب الشركات والمستفيدين من صرف تلك الأموال، إلا أن وزارة المالية قالت إنه «في تاريخ 10 أكتوبر/تشرين الأول 2022، قدمت الهيئة العامة للضرائب تقريرًا نهائيًا تفصيليًا، بالبيانات والمعلومات اللازمة للجهات القضائية لغرض اتخاذ الإجراءات القانونية، وبما يحمي المال العام».
وأشارت إلى أنها أرسلت نسخة من المعلومات والمستندات الصادرة عن الهيئة العامة للضرائب كافة إلى هيئة النزاهة، لتقديم الأدلة والقرائن إلى الأجهزة الرقابيّة والقضائية لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
وحذرت وزارة المالية من هجوم على الحكومة العراقية برئاسة مصطفى الكاظمي، تستهدف «إشاعة معلومات مضللة، عبر تصريحات ابتزازية لتشتيت المسؤولية عن المتورطين الفعليين، والذين سيكشف عنهم القضاء، بهدف خلق حالة من الإرباك، الأمر الذي يوفّر حمايةً ومساحةً لحركة المتلاعبين».
هية النزاهة تتدخل
ومن بيان المالية إلى ذلك الذي أصدرته هيئة النزاهة الاتحادية، مساء الثلاثاء، بيانًا بشأن المبالغ المسروقة من هيئة الضرائب، أكدت فيه تشكيل لجنة تدقيقية مشتركة تضم هيئة النزاهة الاتحادية ووزارة المالية والهيئة العامة للضرائب ومصرف الرافدين.
وقالت الهيئة في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، إنها أحالت المعلـومات التـي وردت إليـها عبـر وزارة المالية إلى القـضاء، بعد أن تمَّ تسجيلها كإخبارٍ، وعرضه على محكمة النزاهة التي أصدرت بدورها مذكرات قبضٍ بحق أصحاب الشركات المتهمة بتلك السرقات، ووضع الحجز الاحتياطي على حساباتها التي حُرِّرَت لمصلحتها صكوك ضمانات ضريبية، فضلًا عن تدوين أقوال مُديري فرع مصرف الرافدين الذين سلَّموا المبالغ المسروقة.
بدوره، أعلن مجلس القضاء الأعلى، مساء الثلاثاء، استدعاء مدير عام هيئة الضرائب ومسؤولين بالقسم المالي والرقابي، فيما أشار إلى صدور مذكرات قبض بحق أصحاب الشركات.
وقال مجلس القضاء الأعلى في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، إنَّ قرار الاستدعاء جاء وفقًا لأحكام المادة 340 من قانون العقوبات عن تهمة إحداث الضرر العمدي بأموال وزارة المالية بصرف مبالغ الأمانات الضريبية، مؤكدًا صدور أوامر قبض بحق أصحاب الشركات ووضع الحجز الاحتياطي على حساباتها والتي حررت لصالحها صكوك الأمانات الضريبية.
تفاصيل جديدة
وبعد تلك البيانات وما أثير بشأنها من جدل، كشفت الحكومة العراقية، في مؤتمر صحفي عقدته مساء الثلاثاء، تفاصيل تخص وضع العراق المالي في عهدها وأخرى تتعلق بقضية الفساد الخاصة بملف الأمانات الضريبة.
وقال المتحدث باسم مجلس الوزراء وزير الثقافة حسن ناظم، إنَّ الحكومة الحالية عملت زهاء عامين بلا موازنات وشرعت بالعمل منذ اليوم الأول لإعادة التوازن في اقتصاد البلد، مشيرًا إلى أنها بينما أطلقت الورقة البيضاء للإصلاح الاقتصادي، بات العراق يمتلك الآن 134 طنًا من الذهب و85 مليار دولار من الاحتياطي النقدي.
وأكد متحدث الحكومة العراقية، أن الحكومة هي من كشفت قضية الفساد في هيئة الضرائب وهي بعهدة القضاء حاليًا، مشيرًا إلى أن ما تم تخصيصه من المبالغ لمكتب رئيس الوزراء بموجب قانون الدعم الطارئ لم يصرف مُطلقًا وهو لا يتعلق بأثاث المكتب كما يشاع بل بتعويضات الشهداء والجرحى وتأمين الحدود العراقية.
بدوره، قال وزير النفط إحسان عبد الجبار، إن التقرير الذي رفعته الحكومة إبان توليه المسؤولية وزيرًا للمالية وكالةً بشأن «خيانة الأمانة» هو الأول منذ 17 عامًا وتضمّن 400 صفحة، مؤكدًا إرساله إلى القضاء.
وفيما قال إنه تمَّ إعفاء مدير عام الضرائب ومسؤولين آخرين على خلفية قضية الأمانات الضريبية، أكدت وزيرة المالية بالوكالة هيام نعمت محمود، أنَّ الوزارة مستمرة بالتعاون مع الجهات القضائية في قضية الأمانات الضريبية، مشيرة إلى أن أبوابها مفتوحة أمام الجهات المعنية بهذا الموضوع وعلى أتم الاستعداد لتلبية أية متطلبات لكشف الحقائق.
السرقة الأكبر في التاريخ
عضو مجلس النواب العراقي عن تيار الحكمة علي البنداوي، وصف في تصريحات تلفزيونية، سرقة 3.7 ترليونات من الهيئة العامة للضرائب بـ«السرقة الأكبر في تاريخ العراق»، مشيرًا الى أن المبالغ المسروقة قد تصل إلى 8 مليارات دولار منذ العام 2004.
البنداوي قال إنّ اللجنة المالية استضافت عناصر وزارة المالية المنوط بهم التحقيق بشأن الأموال المسروقة من هيئة الضرائب والبالغة 3.7 ترليونات والتي تساوي موازنة دولة مجاورة، مشيرًا إلى أن اللجنة المالية عازمة على معرفة الجناة الحقيقيين ومعاقبتهم.
وأشار البنداوي إلى أن مدير عام هيئة الضرائب هرب إلى خارج العراق بزعم العلاج، مؤكدًا أنَّ رئيس حكومة تصريف الأعمال مصطفى الكاظمي هو المسؤول عن تنفيذ السياسة المالية للبلد ويجب ألا يتهم أحدًا، لأن هناك إدارة مالية مسؤولة عنها السلطة التنفيذية.
وكان البرلماني العراقي أحمد الربيعي، أعلن في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، عن فقدان أكثر من 800 مليون دولار في أروقة الهيئة العامة للضرائب، وسط مطالبات بالكشف عن مصير هذه الأموال.