تفاصيل ترحيل ضابط ليبي سابق إلى أمريكا لاتهامه في قضية لوكربي
مثل أبو عجيلة مسعود -فترة وجيزة- أمام محكمة جزئية في واشنطن العاصمة الاثنين، متهمًا بضبط توقيت القنبلة التي دمرت طائرة بوينج 747، ما أسفر عن قتل 270 شخصًا

ترجمات – السياق
غضب ليبي من إعادة فتح قضية لوكربي، بعد أعوام من إغلاقها، بدفع ليبيا تعويضات لأسر الضحايا، ازداد مع كشف ملابسات نقل ضابط المخابرات الليبي السابق أبوعجيلة مسعود إلى الولايات المتحدة، لإعادة محاكمته أمام محكمة جزئية، في العاصمة واشنطن.
وما إن ظهر ضابط المخابرات الليبي السابق -الاثنين- داخل قاعة محكمة جزئية في العاصمة الأمريكية واشنطن، مرتديًا بذلة السجن الخضراء، حتى تأكد اختطافه وترحيله إلى الولايات المتحدة، التي كانت تختمر قبلها بأيام، وبثتها وسائل إعلام محلية.
ملابسات ترحيل أبوعجيلة
تقول «الغارديان» البريطانية، إن «اختطاف» المشتبه به في تفجير لوكربي، كان من ميليشيا سيئة السمعة، بعد مناقشات بين المسؤولين الأمريكيين والليبيين، قبل ثلاثة أشهر.
وأكدت الصحيفة البريطانية، أنه جرى الاتفاق على اختطاف الضابط السابق في المخابرات الليبية، بتهمة تحضير القنبلة التي أسقطت رحلة بان آم 103 فوق لوكربي باسكتلندا عام 1988 ونقله إلى حجز الولايات المتحدة قبل قرابة ثلاثة أشهر، بعد محادثات بين الحكومة الأمريكية والمسؤولين الليبيين.
مثل أبو عجيلة مسعود -فترة وجيزة- أمام محكمة جزئية في واشنطن العاصمة الاثنين، متهمًا بضبط توقيت القنبلة التي دمرت طائرة بوينج 747، ما أسفر عن قتل 270 شخصًا، في أعنف هجوم إرهابي وقع على الأراضي البريطانية.
وتقول «الغارديان»، إن مليشيات مسلحة اختطفت المشتبه به في انفجار لوكربي من منزله، بينما أعلنت وزارة العدل الأمريكية أنها احتجزت مسعود نهاية الأسبوع، لكنها لم تذكر تفاصيل وصوله إلى الولايات المتحدة.
لكن مسؤولين ليبيين على دراية بالقضية، قالوا إن مليشيات مسلحة موالية لعبدالغني الككلي، قائد ميليشيا دعم الاستقرار سيئة السمعة، المعروف باسم «اغنيوة»، قبض على مسعود بمنزله في حي أبو سليم بطرابلس في 17 نوفمبر الماضي، ثم سُلِّم إلى ميليشيا ثانية، احتجزته أسبوعين قبل نقله -بشكل نهائي- إلى عملاء الحكومة الأمريكية.
وعبَّـر محللون عن قلقهم من أن اختيار الولايات المتحدة لهؤلاء الشركاء المحليين سيئي السمعة، في عملية سرية لجلب مسعود إلى الولايات المتحدة ضد إرادته، قد يقوِّض الجهود المبذولة لتعزيز سيادة القانون في ليبيا.
بينما قال المسؤولون إن مسؤولي إدارة ترامب أجروا مناقشات مع السلطات لإحضار مسعود إلى الولايات المتحدة لمحاكمته منذ عام 2019، مشيرين إلى أن هذه «المحادثات» استمرت في عهد الرئيس جو بايدن.
وقبل ستة أشهر، كان مسعود يقضي عقوبة بالسجن 10 سنوات، لجرائم ارتكبها بصفته عميلًا للمخابرات، في ظل نظام معمر القذافي، الذي أطيح عام 2011.
وأثناء وجوده في السجن، كان من الممكن نقل مسعود، البالغ من العمر 75 عامًا، المصاب بمرض خطير، بسهولة نسبيًا إلى حجز الولايات المتحدة من حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية، التي تتخذ من طرابلس مقراً لها، لكن أطلِق سراحه، بعد أن قضى فترة حكمه.
ويقول مسؤول ليبي: «لقد كان رجلاً حراً في الأساس، كان فقط في المنزل. لم يكن هناك أي مبرر لاحتجازه أو لأي شيء من هذا القبيل»، مضيفًا: «كان الأمريكيون يعرفون ذلك بالطبع».
ليبيون عرضوا المساعدة
بدا -في البداية- أن عدم وجود مبرر قانوني لاحتجاز مسعود، أعاق الجهود الأمريكية، إلى أن عرض ذوو نفوذ داخل حكومة الوحدة الوطنية، يُعتقد أن بينهم ابن شقيق رئيس الوزراء الليبي عبدالحميد الدبيبة، احتجاز مسعود وتسليمه إلى حكومة الولايات المتحدة على أي حال.
ويقول جليل حرشاوي، زميل مشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، إن القادة الليبيين يعرفون أن الأمريكيين مهتمون، بصرف النظر عما إذا كان الشخص محتجزًا أم لا، مشيرًا إلى أن العملية القانونية من الجانب الليبي لم تكن مصدر قلق كبير.
كان عدد قليل فقط من كبار المسؤولين في واشنطن، خاصة في وزارتي العدل والخارجية، على دراية بالمصير المخطط لمسعود، رغم أنه يعتقد أنه جرى إخطار وكالة المخابرات المركزية والبيت الأبيض.
مراحل اختطافه
بعد اختطافه، نُقل مسعود إلى وحدة شبه عسكرية مدججة بالسلاح، تسمى القوة المشتركة في مدينة مصراتة الساحلية، شكلها -قبل عام- الدبيبة، لتكون بمنزلة حرس شخصي، ووصفها الخبراء بأنها «جيدة التسليح، صغيرة، سيئة للغاية وقادرة على إنجاز الأمور».
وقال حرشاوي: «يبدو أن أبوعجيلة كان محتجزًا، بينما كانوا ينتظرون أن تكون الولايات المتحدة جاهزة وتقبل الهدية».
وفي 1 ديسمبر الماضي، نقل المسؤولون الأمريكيون أسيرهم مسعود إلى مالطا رغماً عنه، على حد قول المسؤولين.
تطورات لم يكن ذوو مسعود يعلمون عنها شيئًا، بحسب ابن شقيق مسعود، عبدالمنعم مريم، الذي قال في تصريحات لـ«رويترز» إن الأسرة علمت فقط أنه نُقل إلى الولايات المتحدة من وسائل الإعلام.
وليبيا مقسمة بين حكومتين، الأولى حكومة الاستقرار برئاسة فتحي باشاغا، التي مُنحت الضوء الأخضر من مجلس النواب في مارس الماضي، بينما الأخرى حكومة الدبيبة التي انتهت ولايتها في ديسمبر الماضي، رافضة تسليم السلطة.
وتقول «الغارديان»، إن انتهاء عمر حكومة الدبيبة عرضه لضغوط، لتبرير البقاء في السلطة للولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء الغربيين، منذ ذلك الحين.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن علياء الإبراهيمي، الخبيرة في شمال إفريقيا بالمجلس الأطلسي، قولها: «من المحتمل جدًا أن يكون مسعود قد ألقي القبض عليه بناءً على أوامر رئيس الوزراء الحالي في طرابلس، الذي يحتاج إلى تعزيز موقفه الشخصي مع الولايات المتحدة»، مشيرة إلى أن الاستياء من المجتمع الدولي كان يتنامى ضده.
وأضافت: «من المفترض أن يسلِّم البلاد إلى الانتخابات، وأن يقضي على شبكات الفساد، لكن لا مؤشر على أي التزام من جانبه».
كان الدبيبة قد عيَّن الككلي، قائد ميليشيا الاستقرار سيئة السمعة، لقيادة قوة أوكلت مسؤولية اعتقال الأفراد في قضايا «الأمن الوطني».
والككلي، الذي اتُهم مرارًا وتكرارًا بانتهاكات حقوق الإنسان، يسيطر على حي أبو سليم الفقير والمكتظ بالسكان، حيث يعيش مسعود.
وعن مليشيات الككلي، قالت منظمة العفو الدولية، إنها أرهبت الناس «عبر الاختفاء القسري والتعذيب والقتل غير القانوني والجرائم الأخرى بموجب القانون الدولي»، بينما نفى الككلي مزاعم منظمة العفو الدولية، قائلاً إنه «حريص للغاية على تطبيق القانون الليبي أولاً، الذي يراعي معايير العدالة وحقوق الإنسان».
وقال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، للصحفيين في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض: «اليوم يوم جيد لأن مسعود سيواجه العدالة لدوره المزعوم في تفجير لوكربي عام 1988. سأقول إن ذلك كان بطريقة قانونية وفقًا للإجراءات المعمول بها».
وفي بيان، قال مايكل جلاشين، القائم بأعمال مساعد المدير المسؤول عن المكتب الميداني لمكتب التحقيقات الفدرالي بواشنطن: «الاعتقال القانوني وتقديم صانع القنابل المزعوم للمحكمة، نتاج العمل الجاد والشراكات في جميع أنحاء العالم».
جرس إنذار
وقال تيم إيتون، الخبير في "تشاتام هاوس" بلندن: «لدى الولايات المتحدة فكرة أنه لا حظر على ملاحقة المسؤولين عن الجرائم ضد أمريكا، لكن هذه الحلقة تتعارض مع ما تريده الولايات المتحدة في ليبيا. الملعب من أجل الديمقراطية والمساءلة والشفافية»، مضيفًا: «ستدفع بشدة لتقول إن هذه عملية شفافة وخاضعة للمساءلة».
بينما قال حرشاوي إن الكثير من الليبيين سيشعرون بالفزع من اختيار الولايات المتحدة للمليشيات المسلحة لإنفاذ ذلك الأمر، متسائلا: ما الذي تفكر فيه إذا كنت تعيش في أبو سليم وتخشى هذه الميليشيا ثم تكتشف أن أقوى دولة في العالم تعمل معها وتقبل عمليتها غير القانونية وتضفي عليها الشرعية؟ ماذا ستقول عن الولايات المتحدة؟
وانفجرت رحلة بان آم، التي كانت متجهة من مطار هيثرو إلى مطار جون إف كينيدي في نيويورك على ارتفاع 31000 قدم فوق اسكتلندا في 21 ديسمبر 1988، ما أدى إلى قتل مئتين و59 شخصًا في الطائرة، بينما تسببت الحطام الناري من الطائرة المنفجرة في قتل 11 آخرين على الأرض في لوكربي.
ووفقًا للوثائق القانونية الأمريكية، كان مسعود شخصية رئيسة في الإعداد للتفجير، إلى جانب عبدالباسط المقرحي، والأمين خليفة فهيمة. وسجن المقرحي مدى الحياة بتهمة القتل الجماعي على يد ثلاثة قضاة اسكتلنديين في محكمة خاصة عُقدت في هولندا عام 2001، وبُرئ فحيمة في وقت لاحق.
ويقول المحققون إن مسعود التقى الاثنين في مالطا، حيث جرى توجيهه للسفر من مسؤول مخابرات ليبي كبير بحقيبة جاهزة، مؤكدين أن الآخَرين طلبا منه ضبط عداد الوقت في القنبلة التي سافرت داخل الحقيبة في طائرة بوينج 747.
في ذلك الوقت، كان القذافي في صراع مع الغرب، لكن ليبيا تحت قيادته تخلت -في وقت لاحق- عن الإرهاب، وقبلت المسؤولية عن تفجير الطائرات عام 2003 مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية، بحسب «الغارديان».
وبعد سقوط القذافي، اعتقل مسعود، خبير المتفجرات منذ فترة طويلة في جهاز المخابرات، من سلطات إنفاذ القانون الليبية، وعام 2017، تلقى المسؤولون الأمريكيون نسخة من مقابلة مع مسعود أجرتها السلطات الليبية، بعد وقت قصير من اعتقاله.
وقال مسؤولون أمريكيون إن مسعود اعترف -في تلك المقابلة- ببناء القنبلة المستخدمة في هجوم بان أمريكا، والعمل مع الرجلين المتهمين لزرعها في الطائرة، مشيرين إلى أن العملية صدرت بأوامر من المخابرات الليبية، وأن القذافي شكره وآخرين بعد الهجوم، وفقًا لشهادة مكتب التحقيقات الفدرالي.
وأواخر عام 2020، أعلنت وزارة العدل الأمريكية توجيه اتهامات إلى مسعود، مع احتجازه في ليبيا، وظلت محاكمته نظرية إلى حد كبير.