داعش يتمدد في الساحل الإفريقي... تضاعف هجمات التنظيم الإرهابي

يقول الباحث الفرنسي المتخصص في المنطقة ماتيو بيليران: رغم القضاء على القادة الرئيسين للمنظمة أو اعتقالهم بقيت الكوادر المتوسطة في كثير من الأحيان في أماكنها

داعش يتمدد في الساحل الإفريقي... تضاعف هجمات التنظيم الإرهابي

السياق

نشاط مكثف لتنظيم «داعش» الإرهابي، في الساحل الإفريقي، بات يهدد المنطقة وسكانها بسلسلة من «المجازر» غير المسبوقة، بحق المدنيين، الذين يعانون انعدام الأمن.

ذلك النشاط ارتفعت وتيرته في الآونة الأخيرة، إلا أن هناك مخاوف من زيادته، خاصة بعد الانسحاب الفرنسي المرتقب، الذي توقع مراقبون أن يؤدي إلى فراغ في بعض المناطق، يمكن أن تستغله الجماعات الإرهابية المسلحة.

ورغم أنه كان يُتوقع أن يقلص وجود «الإرهابيين»، فإنهم وسعوا نشاطهم في الأشهر الأخيرة بالمنطقة، مؤكدين حضورهم عبر سلسلة غير مسبوقة من الحوادث الإرهابية بحق المدنيين.

وقبل ستة أشهر بدا تنظيم داعش الإرهابي في الصحراء الكبرى ضعيفًا بعد خسارة عدد من قادته، بدءًا من مؤسسه المغربي عدنان أبو وليد الصحراوي الذي قُتل بأغسطس 2021  في مالي بضربة لبرخان، القوة الفرنسية المناهضة للمنظمات «الإرهابية» في منطقة الساحل.

 

هدف عسكري

وفي محاولة من فرنسا لمواجهة تضاعف الهجمات الإرهابية والاحتجاجات المتزايدة ضد وجودها في المنطقة، جعلت باريس من تنظيم داعش في الصحراء الكبرى أولوية لها ولحلفائها، في المنطقة النائية والقاحلة الشاسعة المعروفة باسم الحدود الثلاثة، بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

وفي فبراير 2021، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن التنظيم «فقد السيطرة ويتكبد خسائر كبيرة»، بينما يُعتقد أن الجماعات التي تقاتل تحت راية القاعدة المنافسة تفوقت على تنظيم داعش بقوة السلاح، على الأقل في مالي.

إلى ذلك، قال سولي أومارو المستشار السابق للرئيس النيجيري محمد يوسفو، إنه «بينما كنا نعتقد أننا قضينا على الإرهابيين، كانوا يعيدون تنظيم صفوفهم».

وقال الباحث الفرنسي المتخصص في المنطقة ماتيو بيليران: "رغم القضاء على القادة الرئيسين للمنظمة أو اعتقالهم بقيت الكوادر المتوسطة في كثير من الأحيان في أماكنها"، مشيرًا إلى أن ديناميكية التجنيد لم تتوقف.

تلك الضربات الأمنية، وسط غياب تبنٍّ منهجي للعمليات من قبل تنظيم داعش، فإن الأعمال الإرهابية التي تحدث في الأماكن التي كان نشاطه فيها الأقل، مثل شمال وشرق ميناكا أو منطقة تالاتاي في مالي، تنسب إليه، بحسب تقرير لـ«فرانس 24» بالإنجليزية.

من جانبه، قال عضو مجلس محلي مالي طالبًا عدم كشف هويته لأسباب أمنية: «من غورما المالية على الحدود بين مالي والنيجر إلى أودالان (شمال بوركينا فاسو) إنهم هنا ويتمددون»، في إشارة إلى تنظيم داعش والجماعات الإرهابية الأخرى.

إلا أن الباحث الفرنسي قال إنه «بقدر ما تكون الأرض التي تنشط فيها الجماعة محدودة، بقدر ما تعرض نفسها للخطر، لذلك يرتبط بقاؤها بتوسعها».

 

 حوادث إرهابية

رصد في يونيو الجاري وحده، أثر تنظيم داعش في الصحراء الكبرى على بعد مئات الكيلومترات من أندريامبوكاني (مالي، على الحدود مع النيجر) في معارك ضد الجنود الماليين ومجموعات مسلحة موالية للحكومة.

وفي 11 و12 يونيو الجاري في سيتانغا (شمالي بوركينا فاسو) حيث قتل 86 مدنيًا  في مجزرة لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنها، كما رصد منتصف يونيو الجاري في تيسيت بمالي في اشتباكات مع القاعدة تحدثت عنها مصادر محلية.

تلك الاشتباكات، قال عنها بيليران إن الإرهابيين قادرون على العمل في هذه الجبهات الثلاث بوقت واحد.

 

مشهد استراتيجي

ومنذ 2021، تغير المشهد الاستراتيجي، فالفرنسيون وحلفاؤهم لم يعودوا بطليعة القتال في مالي إلى جانب الجيش الوطني، والعسكريون الحاكمون في باماكو طردوهم واستدعوا الروس.

ويستعد الفرنسيون لمغادرة قاعدتهم الأخيرة في مالي وإعادة تنظيم قواتهم، إلا أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش حذر -في تقرير- من أن يؤدي الانسحاب الفرنسي إلى فراغ في بعض المناطق، يمكن أن تستغله الجماعات الإرهابية المسلحة.

كما حذر غوتيريش -في رسالة وجهها إلى رئاسة مجلس الأمن- من أن الانسحاب وتدهور الوضع الأمني على الحدود الثلاثة، سيكون لهما تداعيات على حماية المدنيين.

وبينما قال مسؤول في الأمم المتحدة طلب عدم كشف هويته إنه «لم يسبق أن وقعت في منطقة الساحل سلسلة من المجازر المتتالية بهذا الشكل»، أكد تحالف لمنظمات غير حكومية غربي إفريقيا أن عدد المدنيين الذين قتلوا في هجمات نسبت إلى جماعات إرهابية تضاعف تقريبًا منذ 2020 وسط منطقة الساحل.

 

مفهوم الردة

وقبل سايتينغا وقعت مذابح -أغلبيتها لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنها- في تامالات (مالي قرابة مئة قتيل في مارس 2022) وواتاغونا (مالي، نحو خمسين قتيلا في أغسطس 2021) وتيليا (النيجر، 141 قتيلًا في مارس 2021). 

وقال رئيس النيجر محمد بازوم -منتصف مايو الماضي- إن المنطقة «تخضع لسيطرة تنظيم داعش في الصحراء الكبرى»، وهو ما أشار إليه الأستاذ في جامعة نيامي أمادو باونتي، الذي أكد أن التنظيم الإرهابي الذي انتعش، «برهن على أن الوحشية والعنف في موروثاته».

وبينما يعاقب التنظيم القرى التي يتهمها بالتعاون مع أعدائه، قال إبراهيم يحيى إبراهيم من مجموعة الأزمات الدولية إن «التنظيم وسَّع تعريفه للردة، ليشمل تقريبًا أي شخص يختلف معه».