البشير يفاجئ السودانيين باعترافات مثيرة أمام المحكمة... فماذا قال؟

لم يكتفِ البشير بنفي التهمة عن الذين كانوا داخل القاعة من العسكريين السابقين، بل إنه نفاها –كذلك- عن المدنيين بصفة عامة.

البشير يفاجئ السودانيين باعترافات مثيرة أمام المحكمة... فماذا قال؟
عمر البشير

السياق

«أتحمل كل المسؤولية عما حدث في 30 يونيو، وأعلم أن الاعتراف سيد الأدلة»، اعترافات مثيرة ونادرة للرئيس السوداني السابق عمر البشير، أزاحت الستار عن كثير من الغموض الذي اكتنف أحداث 30 يونيو 1989.

تلك الاعترافات، التي أقر فيها بمسؤوليته الكاملة عن «الانقلاب» على الحكومة المنتخبة التي كانت بزعامة رئيس الوزراء الأسبق الراحل الصادق المهدي، كانت لها دلالات رمزية، كونها تتزامن مع الذكرى الرابعة لـ«ثورة 19 ديسمبر»، التي أطاحت البشير من سدة الحكم، ووضعت البلد الإفريقي أمام مفترق طرق، لم يتمكن من تجاوزه حتى الآن.

ويقول البشير، أمام محكمة المتهمين بتنفيذ «انقلاب» يونيو 1989 المنعقدة بالخرطوم، الثلاثاء: «كنت أتابع محاولات هيئة الاتهام لإثبات هذه التهمة بتقديم مقاطع فيديو وشهود اتهام، وأنا أسمع وأستمتع»، مشيرًا إلى أنه كضابط سابق في القوات المسلحة السودانية «قمت بأداء واجبي على أكمل وجه».

 

نفي التهمة

حاول الرئيس السوداني السابق نفي التهمة عن المتهمين، الذين يوجدون داخل قاعة المحكمة، قائلًا: «بكل فخر وإعزاز أعترف بأنني قائد ومفجر ثورة الإنقاذ الوطني»، مشيراً إلى أن «جميع أعضاء مجلس الثورة الموجودين ضمن المتهمين داخل القاعة ليست لهم علاقة بالتخطيط ولا التنفيذ لانقلاب 30 يونيو 1989»، على حد اعترافاته.

ولم يكتفِ البشير بنفي التهمة عن الذين كانوا داخل القاعة من العسكريين السابقين، بل إنه نفاها –كذلك- عن المدنيين بصفة عامة، قائلًا: «لم يكن بين من خططوا للانقلاب ونفذوه أي من المدنيين»، مشيرًا إلى أنه «كان حراكًا عسكريًا خالصًا، ارتكز على المادة 15 من قانون القوات المسلحة لعام 1965 المعدل».

أمام محكمة خاصة، يمثل عمر البشير، و15 من ضباط الجيش و8 مدنيين من قيادات تنظيم الإخوان الإرهابي، في اتهامات قد تصل عقوبتها إلى الإعدام، بينها «تقويض النظام الدستوري على خلفية المشاركة في انقلاب 30 يونيو 1989، بغطاء من تنظيم الإخوان برئاسة الراحل حسن الترابي».

ورغم ذلك، فإن البشير حاول تبرير انقلاب 89، قائلًا، إن «تدخل القوات المسلحة في السياسة جاء بسبب عجز الإدارة السياسية عن تسيير الشأن العام»، على حد قوله، مشيرًا إلى أن ما وصفه بـ«الفشل» كان ملازمًا للأحزاب السياسية منذ الاستقلال.

 

ساعة الصفر

«الأوضاع كانت لا تتحمل أي تأجيل»، يقول البشير في اعترافاته أمام المحكمة، مضيفًا: «كتبنا مذكرة لرئيس الحكومة الراحل الإمام الصادق المهدي بعد الثانية عشرة منتصف الليل»، مشيرًا إلى أنه «كانت هناك أمور محددة يجب الحكومة أن تستجيب لها، إلا أنه بعد مهلة أعطيت للحكومة قدرها أسبوعًا، لم يحدث أي شيء، ما تسبب في حالة تذمر داخل القوات المسلحة».

أحداث عدَّها الرئيس السوداني السابق، دافعًا لبدء «حركة نشطة جدًا من الضباط لتغيير الأوضاع بالسودان، كنا واحدة من هذه المجموعات وتوكلنا على الله».

فـ«الأمر كان يستدعي التضحية»، يقول البشير عن انقلاب 89 متذرعًا بالأوضاع السياسية حينها، مضيفًا: «لما دخلنا القيادة العامة لم ندخلها بقوة جيش، دخلتها كوني ضابطًا مظليًا من حماية ودفاع عن القيادة العامة»، مشيرًا إلى أن الاستجابة كانت فورية وبلا أي تردد.

وأشار البشير إلى أن «انقلاب 1989» كان لإنقاذ الشعب السوداني، لأن «كل الشعب أجمع على أن البلد في طريقه إلى الضياع لو لم نتدخل».

وعن أسباب رفضه الإدلاء بأقواله للجنة التحري، قال البشير للمحكمة، إنه رفض الإدلاء باعترافاته تلك، لأن «لجنة التحري لجنة سياسية شكلها النائب العام السابق(...) تمت شيطنتنا للرأي العام ولم تتح لنا فرصة للدفاع عن أنفسنا».

 

تساؤلات حائرة

وعن خطاب البشير، قال الناطق الرسمي السابق باسم تنسيقيات لجان مقاومة مدينة الخرطوم عُثْمان سِرّالختِم، إنه محاولة لاستمالة واستعطاف الشعب السوداني، مشيرًا إلى أنه خطاب أتقنه طوال الثلاثين عامًا المنصرمة، لأنه «يدرك ويعلم أن خطاب العزة والكرامة يحمل مرتبه عالية لدى الشعب السوداني».

وتساءل عثمان سر الختم، في «تويتر»: لنسترجع الذاكرة قليلاً :أين الفخر والاعتزاز في تقويض نظام دستوري بالسلاح؟ وما الفخر والاعتزاز في استخدام مؤسسة الشعب المسلحة للانفراد بالسلطة واستخدامها في «الإبادات الجماعية والحروب المدوية في أقاليم السودان المختلفة»؟!

وتابع السياسي السوداني: «اليوم لا أرى فيك فخراً ولا اعتزازًا، بل أراك ذليلاً أمام الشعب السوداني الذي عانى منك ومن تنظيمك خلال الثلاثين عاماً شتى أنواع الظلم والقهر والقتل والتشريد والتطهير العرقي»، على حد قوله.

ويقول الصحفي والإعلامي السوداني الهادي الأمين، عبر «تويتر»: على غير المتوقع وفي موقف مفاجئ وجديد... البشير يظهر بكامل أناقته داخل ديوان المحكمة ويقول: "بكل الفخر والإعزاز إنني قائد ومفجر ثورة الإنقاذ الوطني وأتحمل مسئولية ما حدث ليلة الثلاثين من يونيو 1889".

 

احتجاجات حاشدة

تأتي تلك الاعترافات، بينما خرجت احتجاجات حاشدة في عدد من المدن السودانية، إحياءً للذكرى الرابعة لثورة 19 ديسمبر التي اقتلعت نظام البشير، ويعاني البلد الإفريقي أزمة سياسية، سعت القوى الدولية إلى حلحلتها بجمع الفرقاء السياسيين، لتوقيع الاتفاق الإطاري قبل أيام.

إلا أن تظاهرات إحياء ذكرى الثورة، شهدت مناوشات بين المحتجين الذين خرجوا في ولاية الخرطوم بمدن الخرطوم وأمدرمان والخرطوم بحري وشرق النيل، وقوات الشرطة.

وقالت شرطة ولاية الخرطوم، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، إن الاحتجاجات اتسمت بالسلمية بداية حراكها «لكنها انحرفت عن مسارها السلمي»، مشيرة إلى أن القوات تعاملت معها «بمهنية عالية وفقًا للقانون في تفريقهم».

وأشارت إلى أن تلك الاحتجاجات والمناوشات أسفرت عن إصابة 124 شرطيًا بينهم 5 ضباط، و68 متظاهرًا، قالت عنهم الشرطة إنها ضبطت بحوزتهم بعض الخمور وحبوب مخدرة وخوذ وكمامات.

بينما قالت لجنة أطباء السودان المركزية، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، إنها أحصت 155 إصابة، «جراء استخدام الرصاص الحي، والغاز المسيل للدموع، والرشق بالحجارة والتدافع».