الحرب في أوكرانيا تزيد من المأزق السياسي والعسكري في ليبيا
تجد ليبيا نفسها مرة أخرى كما كان بين عامي 2014 و2021 بين سلطتين متنافستين، ما يعيد شبح الاقتتال.

السياق
مع تركّز أنظار العالم على الحرب في أوكرانيا، يخشى أطراف دوليون أن يؤدي المأزق الحالي في ليبيا -الناتج عن رفض عبدالحميد الدبيبة تسليم السلطة إلى رئيس الحكومة الجديدة فتحي باشاغا- إلى تصعيد ومعارك جديدة في البلاد.
شهدت ليبيا -منذ إسقاط نظام معمر القذافي عام 2011- فوضى ناتجة عن انقسامات ونزاعات على السلطة، وتصاعد نفوذ مجموعات مسلحة، وتدخلات خارجية.
في مارس 2021، شُكّلت حكومة انتقالية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، بعد حوار بين الأطراف الليبية، رعته الأمم المتحدة في جنيف، وحدّدت لها مهمّة بتولي المرحلة الانتقالية حتى إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في ديسمبر الماضي، لكن ذلك لم يحدث، بسبب عقبات أمنية وقضائية وسياسية.
بداية مارس، منح البرلمان الليبي -الذي يتخذ من الشرق مقرًا، حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، الثقة، لكن حكومة الدبيبة ترفض تسليمها المؤسسات في طرابلس، بحجة أن الحكومة الجديدة يجب أن تشكّل بعد إجراء انتخابات.
وبذلك، تجد ليبيا نفسها مرة أخرى كما كان بين عامي 2014 و2021 بين سلطتين متنافستين، ما يعيد شبح الاقتتال.
رهان خاطئ
يرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعات ليبيا خالد المنتصر، أن "باشاغا راهن على سياسة الأمر الواقع، وظنّ أنه بمجرد نيل حكومته ثقة البرلمان، سيكون المخوّل تشريعيًا بتغيير الحكومة، فيزيح حكومة طرابلس المدعومة دوليًا بسهولة، لكن تبيّن سريعًا عدم صواب هذا الاتجاه".
ويرى أن فرصة "الحوار السياسي" تظلّ ورقةً ممكنة عبر تقديم بعض "التنازلات".
واحتشدت مجموعات مسلحة موالية لباشاغا في ضواحي غرب وشرق طرابلس -مطلع الشهر الجاري- ما أثار مخاوف من اشتباكات مع قوات موالية للدبيبة.
وبعد أقل من 24 ساعة، أعلن باشاغا سحب المجموعات المسلحة المحتشدة، عقب دعوات إلى التهدئة من الأمم المتحدة وواشنطن تحديدًا، مؤكدًا استعداده للحوار، ومطمئنًا سكان طرابلس بأنه "لن تكون هناك حرب".
وساطة دولية
يقول المحلل السياسي فرج الدالي، إن الخلاف بين الحكومتين أظهر نوعًا من التضامن الدولي تجاه الأزمة الليبية.
ويضيف لـ "فرانس برس": "واشنطن والبعثة الأممية تقودان -بوتيرة عالية- مفاوضات بين الدبيبة وباشاغا، ما يدلّ -بشكل قاطع- على عدم رغبة المجتمع الدولي والولايات المتحدة في تكرار مشهد الحرب بليبيا، خصوصًا مع التطورات العالمية المرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية".
تحرّكت الولايات المتحدة لمنع صدام مسلح بين الحكومتين، ويقول مراقبون إنها نجحت في وقف محاولة تقدم قوات باشاغا صوب طرابلس، خلال الأيام الماضية.
وقال سفير واشنطن في ليبيا ريتشارد نورلاند، إنه أجرى محادثات هاتفية مع باشاغا والدبيبة الخميس، في اليوم الذي شهد تحركات عسكرية حول طرابلس. وأثنى -في تغريدات عبر "تويتر"- على استعداد باشاغا "لنزع فتيل التوتر، وسعيه إلى حل الخلافات من خلال التفاوض وليس بالقوة".
كما أعرب عن تقديره للدبيبة، ولالتزامه "بحماية الأرواح" و"استعداده لدخول مفاوضات لإيجاد حل".
ويشير المحلل السياسي الليبي، إلى أن الأمم المتحدة تدرك أن "الخلاف بين الحكومتين، يمكن حله عبر التفاوض ومنح كل طرف مكاسب، لذلك خيار الحوار ربما يكون متفوقًا على خيار الحرب".
ويرى أن "المجتمع الدولي على يقين بأن الدبيبة وباشاغا مستعدان للحوار، لكن بشروط تضمن وجودهما في السلطة، وبذلك لن يكون هناك عائق أمام التسوية، والمتبقي تفاصيل وخارطة سياسية تجعل التنازل مقابل مكاسب محددة قابلًا للتطبيق".
وعقد مجلس الأمن اجتماعًا الأسبوع الماضي بشأن ليبيا، التزمت خلاله القوى الكبرى والأمم المتحدة حذرًا كبيرًا حيال الأزمة السياسية التي تهز البلاد، من دون أن تنحاز لأي من الطرفين، باستثناء روسيا التي أعلنت صراحة دعمها لباشاغا.
ويُخشى أن تستخدم روسيا نفوذها لتعطيل الإنتاج النفطي في ليبيا المقدّر بـ1.2 مليون برميل يوميًا، ما من شأنه، حال حدوثه، إبقاء السوق النفطي المضطرب بسبب الحرب في أوكرانيا، تحت الضغط.
وتسعى الدول الأوروبية والولايات المتحدة، إلى زيادة إنتاج الغاز والنفط في العالم، لتجنّب أزمة نتيجة توقف الإمدادات الروسية بسبب الحرب والعقوبات.
ويقول الخبير في شؤون ليبيا وولفرام لاتشر في معهد "إس دبليو بي" الألماني للأبحاث في العلاقات الدولية: "مثل هذا الحصار سيخدم بالتأكيد مصالح روسيا لأنه سيرفع أسعار النفط أكثر".
أمر إعدام
تقول الخبيرة القانونية، الأستاذة الجامعية إيمان جلال: "رغم تراجع رئيس الحكومة باشاغا عن خياره العسكري لدخول طرابلس، فإن ذلك لا يعني عدم إعادة الكرة، في حال استمرار الجمود السياسي(...)، قطعًا لن يرضى باستمرار إبعاد الدبيبة له عن مركز القرار السياسي في العاصمة".
ويرى خالد المنتصر أن الحكومة الجديدة تمتلك خيارين: القوة العسكرية لإزاحة حكومة الدبيبة، أو التفاوض والحوار السلمي.
ويضيف: "الخيار العسكري ممكن نظريًا مع دعم من بعض المجموعات المسلحة القوية غربي ليبيا، لكن استخدامه القوة سيوقِّع مراسم جنازة حكومته، بدخولها في صراع مسلح، ربما يستمر أشهرًا أو أعوامًا".