ما الخطأ الذى حدث في الانتخابات الليبية الفاشلة؟
حذر مستشار أممي سابق، من أن يؤدي انهيار العملية السياسية إلى حالة من التفكك السياسي، بما في ذلك ظهور حكومات متنافسة والعودة للمربع الأول عبر التصعيد العسكري، بدلًا من أن تغرس الانتخابات مؤسسات موحدة وتخلص البلاد من المجالس المتنافسة

ترجمات – السياق
رأى مستشار أممي سابق، أن فشل إجراء الانتخابات الليبية، التي كان من المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر الماضي، نتيجة متوقعة لما وصفه بـ"التلاعب القانوني والدستوري والسياسي" الذي يمارس منذ سنوات طويلة في البلاد.
وقال عمر حمادي، المستشار الخاص بالشؤون السياسية والدستورية السابقة بالبعثة الأممية في ليبيا، في مقال بـمجلة فورين بوليسي الأمريكية، إن العملية السياسية في ليبيا محاصرة بمسألتين مترابطتين: "الخلافات على فكرة إجراء انتخابات رئاسية وفقًا للسياق الحالي، والفشل الناتج عن عدم التوصل إلى الإجماع المطلوب على إطار محدد لعقد الانتخابات".
وتوقع أن يؤدي انهيار هذه العملية إلى حالة من التفكك السياسي، بما في ذلك ظهور حكومات متنافسة والعودة للمربع الأول عبر التصعيد العسكري، بدلًا من أن تغرس الانتخابات مؤسسات موحدة وتخلص البلاد من المجالس المتنافسة.
انقسام الشرق والغرب
وقارن عمر حمادي، بين ما يحدث الآن، وما حدث من انقسامات بين الشرق والغرب، وقال، إن أزمة العملية السياسية الحالية، ترجع إلى محاولات التغلب على أزمة ما بعد انتخابات 2014، التي أسفرت عن مطالبات متنافسة للشرعية من قِبل مجلسين هما مجلس النواب، والمؤتمر الوطني العام.
وللتغلب على هذا الصراع، وقَّع كلا المجلسين ميثاقًا توسطت فيه الأمم المتحدة يُعرف بالاتفاق السياسي الليبي بالمغرب في ديسمبر 2015، وقد حافظ الاتفاق على الهيئتين، وجعلهما مشرعين مشتركين في جميع القوانين والترتيبات الدستورية اللازمة للعملية الانتقالية.
وأشار إلى أن المجلسين فشلا في التوصل إلى توافق، واستمرت البلاد بحكومتين متنافستين حتى عام 2019، ثم أُحبطت جهود الأمم المتحدة لدفع العملية إلى الأما،م عبر مؤتمر وطني من قِبل محاولات الجنرال خليفة حفتر لتسوية الصراع عسكريًا من خلال إعلان حكومته الحرب على طرابلس.
وأضاف: "إلا أنه بعد هزيمته، سمح الإجماع الدولي والإقليمي بتجديد جهود الأمم المتحدة لتنشيط العملية السياسية، وقد انعكس ذلك بمؤتمر برلين في يناير 2020".
وقال إن مؤتمر برلين دعا إلى تشكيل مجلس رئاسي، وتشكيل الحكومة، واستئناف العملية السياسية "ما يمهد الطريق لإنهاء المرحلة الانتقالية من خلال انتخابات نيابية ورئاسية".
كما أنشأت بعثة الأمم المتحدة، منتدى الحوار السياسي الليبي المكون من 75 عضوًا، إذ اجتمع هذا المنتدى بتونس العاصمة في نوفمبر 2020، واعتمد خارطة طريق تصور مرحلة انتقالية جديدة مدتها 18 شهرًا ، يقودها مجلس رئاسي تم اختياره وحكومة وحدة وطنية، ويتوج بانتخابات رئاسية متزامنة، على أن تُجرى الانتخابات البرلمانية في 24 ديسمبر 2021.
كما نصت خارطة الطريق على أن "مجلس النواب"، و"المجلس الأعلى للدولة"، يجب أن يتفقا على إطار عمل للانتخابات في غضون 60 يومًا، إلا أن المجلسين فشلا في تبني إطار عمل، إذ تركزت الخلافات على الانتخابات الرئاسية.
انتخابات مثيرة للجدل
وأشار عمر حمادي، إلى أن الانتخابات الرئاسية الليبية، كانت مثيرة للجدل منذ عام 2011، بعد إطاحة معمر القذافي، حيث تم استبعادها من الهيئات التشريعية في 2012 و2013، قبل الانتخابات التشريعية في 2014، خاصة أن "معسكر فبراير" -الممثل للثوار- أبدى خشيته من أن انتخاب رئيس للبلاد في تلك الفترة، من الممكن أن يحكم على طبيعة النظام السياسي، الذي ينبغي أن يؤسسه الدستور الدائم للبلاد، وأضاف: "في حقيقة الأمر، كانوا يخشون وجود رئيس قوي على دولة ضعيفة، يمكن أن يمهد الطريق للحكم الاستبدادي من جديد".
وذكر أنه عند تبني إطار انتخابات 24 ديسمبر، عادت تلك القضية إلى الظهور، إذ دار النقاش والخلاف على نقطتين: "ما إذا كان ينبغي للبلد إجراء انتخابات رئاسية على الإطلاق، وإذا كان الأمر كذلك، فمن الذي يمكنه الترشح لهذه الانتخابات؟".
وأشار إلى أن "رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ووزير الداخلية السابق فتحي باشاغا، اعتقدا أن لديهما فرصة كبيرة للفوز بالانتخابات الرئاسية، لذلك أصرا على أنها الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها حكم البلاد بشكل فعّال، بينما روّج أنصار النظام السابق لفكرة الانتخابات، معتقدين أن مرشحهم سيف الإسلام القذافي لديه فرصة جيدة للفوز".
وقال حمادي: "مع كون حفتر ضابطًا عسكريًا في الخدمة الفعلية ومواطنًا أمريكيًا، أصر أنصاره على ضرورة تعديل شروط الأهلية وفقًا لذلك، إذ كانت القوانين الليبية العادية تحظره بالفعل على الأساسين، وبالمثل أصر أنصار النظام السابق، على أن التمتع بالحقوق السياسية والإجراءات الجنائية، دون الحكم القضائي النهائي، ينبغي ألا يكون شرطًا للأهلية".
لا اتفاق
وأوضح حمادي أن هذه الخلافات، حالت دون اتفاق ملتقى الحوار السياسي على قاعدة انتخابية، وامتنع المبعوث الأممي عن تقديم أي مقترحات تقريبية، حيث بدا المجتمع الدولي يائسًا من تحقيق ذلك الأمر، وكان على جدول أعماله أمر واحد فقط، إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة في 24 ديسمبر بأي طريقة.
وأشار إلى أن عقيلة صالح استغل اليأس الدولي، وأصدر من جانب واحد قوانين للانتخابات الرئاسية، تضمنت تخفيف معايير الأهلية للسماح للعسكريين وحاملي الجنسية المزدوجة بالترشح للانتخابات.
وبالفعل فقد دعم المجتمع الدولي تلك القوانين، التي انتهكت الاتفاق السياسي الليبي، إذ أضعفت مكانة المجتمع الدولي وسلطة الإطار المعتمد دوليًا، وحرمت العملية السياسية من مصدر موثوق يمكن الرجوع إليه في حال حدوث نزاع.
ورأى أن سبب تفجير الوضع كان "عمليات الترشح للانتخابات"، خصوصًا بعد ترشح عبدالحميد الدبيبة، الذي كان قد وقع بالفعل تعهدًا بعدم الترشح للانتخابات، كما أن ترشح سيف الإسلام الذي صدر بحقه أوامر توقيف من المحاكم الليبية والمحكمة الجنائية الدولية، أدى إلى رفض قرارات المحاكم، التي أيدت ترشحهما للانتخابات، ما فرض حالة "القوة القاهرة" التي حالت دون إجراء الانتخابات.
أسباب الفشل
وعن تفسيره لفشل إجراء الانتخابات الليبية، وضع عمر حمادي عوامل عدة لذلك، أولها أن "هناك إطار عمل وضعه الاتفاق السياسي الليبي، ومنح المجلسين حق الطعن على الانتخابات التي ستؤدي إلى زوالهما، وعدم تحرك ملتقى الحوار السياسي لمعالجة هذا الأمر، مع عدم اتباع طرق بديلة".
وأشار إلى أن العامل الثاني كان "الاستعجال في إجراء انتخابات شكلية، إذ تظهر الدروس المستفادة من التجارب المقارنة، بما في ذلك العراق وأفغانستان وأنغولا عام 1992 وليبيريا عام 1997 وجنوب السودان عام 2010، أن الانتخابات المبكرة في مجتمعات ما بعد الصراع، تنطوي على مخاطر استئناف الصراع، خاصة أن ليبيا كان لا يزال فيها ثلاثة جيوش أجنبية و 10 مجموعات مرتزقة أجنبية تعمل على أراضيها، إضافة إلى مجموعات إرهابية ومليشيات محلية لا حصر لها، كما لا يمكن لرئيس وزرائها الحالي زيارة أجزاء كبيرة من البلاد، ولم توحد مؤسسات الدولة المهمة، وذلك يشير إلى عدم وجود بيئة مواتية للانتخابات".
أما العامل الثالث، فكان -حسب الكاتب- "إهمال عدد من العناصر التي كان من المفترض أن تساعد في بناء تلك البيئة المواتية، مثل المصالحة الوطنية واللامركزية وتوحيد مؤسسات الدولة، أو تم التعامل معها في أفضل الأحوال على أنها قضايا ثانوية، وبذلك لم يكن مجرد تحديد موعد انتخابي مؤكدًا كافيًا لتهيئة البيئة اللازمة بمفرده".
وعن السبب الرابع لفشل الانتخابات، قال حمادي: "نصت خارطة الطريق على تاريخين متعارضين، تاريخ انتخابات 24 ديسمبر، ومرحلة تحضيرية مدتها 18 شهرًا تنتهي بالانتخابات، أي أن 24 ديسمبر، كان مرتجلا، إضافة إلى تعارض نسختي خارطة الطريق باللغة العربية مع نسختها باللغة الإنجليزية، وهو ما تسبب في سوء التفاهم بين الليبيين وشركائهم الدوليين".
أما العامل الخامس، فتمثل -حسب حمادي- في أن السوابق التي تم إقرارها أثناء اختيار السلطة التنفيذية في فبراير 2021 كانت قاتلة، إذ سُمح للعسكريين العاملين، وحتى القضاة، بالترشح، في انتهاك للقوانين الليبية، ما أدى إلى إضعاف قواعد الأهلية، وحرمان العملية من السوابق القوية المتجذرة في القانون والممارسات الليبية.
وأشار إلى أن الاندفاع لإجراء انتخابات، على أساس إطار قانوني متنازع عليه، قوَّض مكانة وسلطة الإطار الحاكم للعملية، بما في ذلك قرارات مجلس الأمن، كما أنها شكلت سوابق سيئة للقوانين التي أصدرها فرد واحد، وقوَّضت مصداقية مفوضية الانتخابات.
وأوضح أن فشل الانتخابات، يعكس مخاوف وجودية بين العديد من الدوائر الانتخابية، وتذكير بأن الانتخابات في ليبيا بحاجة إلى المساهمة في العملية السلمية، بدلاً من التعامل معها كهدف نهائي بحد ذاتها، ويجب تأطيرها بطريقة غير استقطابية في بيئة مواتية.
وأضاف: "مع استمرار ليبيا في مسارها التنازلي وظهور الحكومات المتنافسة ومخاطر التصعيد العسكري، يجب أن تركز الوساطة الدولية في الحفاظ على توحيد مؤسسات البلاد وتهيئة البيئة لانتخابات متفق عليها ومُعدة بشكل جيد".