تراجع المخزون يتسبب بأزمة عالمية غير مسبوقة في السلع الأساسية

تراجع كبير في مخزون بعض أهم السلع في الاقتصاد العالمي، بنحو غير مسبوق، في حين يهدد ازدهار الطلب ونقص العرض بتفاقم الضغوط التضخمية، في جميع أنحاء العالم

تراجع المخزون يتسبب بأزمة عالمية غير مسبوقة في السلع الأساسية

ترجمات – السياق

كشفت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، عن تراجع كبير في مخزون بعض أهم السلع في الاقتصاد العالمي، بنحو غير مسبوق، في حين يهدد ازدهار الطلب ونقص العرض بتفاقم الضغوط التضخمية، في جميع أنحاء العالم.

وقالت الصحيفة، في تقرير: إن هذا النقص غير المسبوق، في عدد من المعادن الأساسية، يتزامن مع الاندفاع إلى اقتناء المواد الخام والمواد الغذائية الأساسية.

التقرير يأتي وسط انتشار موجة جديدة من كورونا، ما زاد حجم التضخم العالمي بشكل غير مسبوق، لدرجة أن بعض المتخصصين حذروا من أن التضخم يبتلع العالم، ويؤثر في أسعار السلع والخدمات بصورة واضحة.

ففي الولايات المتحدة -على سبيل المثال- سجل التضخم معدلات غير مسبوقة، لم يصل إليها منذ فبراير 1982، بعدما وصلت نسبته إلى 7.5%، ووفق توقعات الخبراء، فإن البنك المركزي الأمريكي قد يتجه إلى رفع معدلات الفائدة 7 مرات خلال 2022، حتى ينجح في امتصاص الآثار الناتجة عن التضخم وارتفاع الأسعار.

 

ندرة السلع

وأوضحت "فايننشال تايمز" أن الاندفاع نحو المواد الخام والمواد الغذائية الأساسية، لا شك ينعكس على أسواق العقود الآجلة في مجالات مهمة مثل (المعادن الصناعية والطاقة والزراعة)، في وقت تشهد فيه عقود العديد من السلع، ما تسمى حالة "تأخير التسليم"، وهي طريقة تسعير تشير إلى ندرة السلع.

وأشارت إلى أن المشكلات قد تكون أكثر حدة في قطاع المعادن، إذ تتداول الأسعار الفورية للعديد من العقود في بورصة لندن للمعادن، بأسعار أعلى من تلك التي يتم تسليمها لاحقًا، في حين يدفع المتداولون أقساطًا كبيرة لتأمين التوريد الفوري، مشددة على أن هذا النقص يرجع إلى استمرار ارتفاع التضخم العالمي، الذي تغذيه الاضطرابات اللوجستية وارتفاع الطلب، مع تعافي الاقتصادات من الإغلاق الناجم عن جائحة كورونا.

ونقلت الصحيفة عن نيكولاس سنودون، المحلل المالي في مؤسسة غولدمان ساكس الأمريكية للخدمات المالية، قوله: "هذه هي بيئة المخزون الأكثر تطرفًا... إنها حلقة غير مسبوقة على الإطلاق من التضخم العالمي، إذ لا توجد استجابة من جانب العرض داخل الأسواق".

 

الضغط المالي

واستشهدت "فايننشال تايمز" بما آل إليه سوق النحاس والألمنيوم عالميًا، بسبب الضغط المالي الناجم عن التضخم، وقالت: "يبلغ مخزون النحاس في بورصات السلع الأساسية، ما يزيد قليلا على 400 ألف طن، وهو ما يعادل الاستهلاك العالمي لمدة لا تتجاوز أسبوعًا، بينما يعاني مخزون الألمنيوم أيضًا انخفاضًا بسبب تقليص المصاهر في أوروبا والصين طاقتها الإنتاجية، بسبب الضغط المالي الكبير الناجم عن ارتفاع تكاليف الطاقة".

ونقلت الصحيفة، عن مايكل ويدمر المحلل في "بنك أمريكا"، قوله: إن المخزون منخفض في مستودعات التخزين وضمن سلسلة التوريد بأكملها، مشيرًا إلى محدودية إجراءات الأمان.

وأشارت إلى أن سعر الألمنيوم بلغ أعلى مستوى له خلال 13 عامًا، ليتجاوز 3200 دولار للطن الأسبوع الماضي، إثر تصريح بنك غولدمان ساكس "من أشهر المؤسسات المصرفية في الولايات المتحدة والعالم" بأن المخزون قد ينفد بحلول عام 2023.

 

تقليص الإنتاج

وعن الأضرار التي نجمت عن ارتفاع التضخم، أوضحت "فايننشال تايمز" أن عمليات تقليص الإنتاج لا تمثل سوى أحد العوامل المتسببة في نقص الإمدادات، الذي أدى إلى ارتفاع مؤشر بلومبرغ للسلع (مقياس رئيس للمواد الخام) أكثر من 10 مرات منذ بداية العام، مسجلًا رقمًا قياسيًا خلال فبراير الجاري، وتشمل الدوافع الأخرى لنقص الإمدادات، قلة الاستثمار في المناجم الجديدة وحقول النفط، وسوء الأحوال الجوية، وقيود سلسلة التوريد بسبب جائحة كورونا.

وأمام هذه الأزمات، كشفت الصحيفة البريطانية، أن وكالة الطاقة الدولية حذرت من أن أسعار النفط الخام -التي تجاوزت 90 دولارًا للبرميل- قد ترتفع أكثر في ظل تعثر محاولات أوبك وحلفائها لإنعاش الإنتاج، بعد أزمة جائحة كورونا.

وحسب وكالة الطاقة الدولية "إذا استمرت الفجوة بين إنتاج أوبك والمستويات المرجوة، فإن اضطرابات العرض ستتفاقم، ما يزيد احتمال حدوث المزيد من التقلبات والضغط التصاعدي على الأسعار".

أسعار الغاز

لم ينج الغاز أيضًا من الارتفاع الجنوني في الأسعار، إذ تؤكد "فايننشال تايمز" أن أسعار الغاز ظلت مرتفعة أيضًا في أوروبا، وسط تصاعد التوترات الجيوسياسية بشأن مصير أوكرانيا، وانخفاض التدفقات من روسيا، مشيرة إلى أنه في جميع أنحاء القارة، تراجعت مستويات تخزين الغاز إلى 35%، وهو معدل أقل من المتوسط، وفقًا لشركة استشارات السلع "آي سي آي إس".

ونقلت الصحيفة البريطانية، عن توماس رودجرز المحلل في شركة "آي سي آي إس"، قوله: "خطر حدوث نقص في المخزون بحلول نهاية الشتاء، بعيد في هذه المرحلة، لكن السوق سيظل بحاجة إلى إمدادات كبيرة خلال الصيف، لمنع ظهور هذا النوع من المخاوف في الشتاء المقبل".

أما في الأسواق الزراعية، فقد انخفضت احتياطات قهوة أرابيكا (القهوة عالية الجودة المفضلة لدى محبي الإسبريسو)، إلى أدنى مستوى لها منذ 22 عامًا.

وأوضحت "فايننشال تايمز" أن اضطرابات الإمدادات وتراجع صادرات المنتجين في أمريكا الوسطى، أديا إلى دفع مخزون حبوب أرابيكا في بورصة العقود الآجلة لشركة "إنتركونتيننتال إكستشينج" إلى أدنى مستوى لها منذ أكثر من عقدين، وسط تسابق المشترين لتأمين الإمدادات.

ونقلت الصحيفة عن كارلوس ميرا، كبير المحللين في "رابو بنك"، قوله: تراجع مخزون القهوة حتى هذا الوقت من عام 2022 هائل، مشيرًا إلى أن تواصل ذلك قد يؤدي إلى زيادة "احتمال حدوث ارتفاع غير منضبط للأسعار".

وختمت "فايننشال تايمز" تقريرها بالقول: تلوح في الأفق أزمة أخرى في إمدادات الأسواق الأخرى أيضًا، إذ تعتقد مؤسسة "سيتي غروب" -أحد أكبر شركات الخدمات المالية الأمريكية- أن الطلب على الليثيوم (مادة خام رئيسة في صناعة البطاريات) سيفوق العرض بنسبة 6% هذا العام، بسبب ارتفاع مبيعات السيارات الكهربائية.

وأشارت إلى أنه "مع محدودية المخزون يعتقد المحللون في سيتي غروب، أن اعتماد الأسعار القصوى، سيكون ضروريًا لتدمير الطلب، وتحقيق التوازن في السوق".