بعد 20 عاما.. ما الذي لم تفهمه أمريكا بشأن حربها الأطول في أفغانستان؟
مستشار أمريكي سابق يكشف أسباب خسارة أمريكا الحرب في أفغانستان

ترجمات - السياق
قال كارتر ملكاسيان، كبير مستشاري رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية السابق، الجنرال جوزيف دانفورد، في العراق وأفغانستان، إن الولايات المتحدة "خسرت حربها في أفغانستان"، ورصد -في تحليل بمجلة بوليتكو الأمريكية- الأسباب التي قال إن من المرجَّح أنها أدت إلى هذه الخسارة.
وقال ملكاسيان، إنه في الوقت الذي تغادر فيه الولايات المتحدة أفغانستان، بعد 20 عاماً من الحرب، "لا شك في أنها خسرت هذه الحرب، أو بعبارة أكثر دقة، لم تحقِّق أهدافها، وذلك بالنظر لتقدُّم حركة طالبان، عبر شمالي البلاد، خلال الأسابيع الأخيرة".
لماذا خسرنا الحرب؟
تساءل مؤلف كتاب "الحرب الأمريكية في أفغانستان: تاريخ": لماذا خسرنا هذه الحرب؟، مضيفاً: "ظللت أحاول الإجابة عن هذا السؤال 12 عاماً، بدءًا من عام 2009 عندما كنت أعمل في منطقة جارمسير البعيدة، في مقاطعة هلمند الأفغانية، وواصلت التفكير في الإجابة عامي 2013 و2014، عندما عملت مستشارًا سياسيًا للجنرال جوزيف دانفورد، قائد القوات الأمريكية في أفغانستان، ولاحقاً بصفتي كبير مستشاري دانفورد، عندما كان رئيساً لهيئة الأركان المشتركة، وأثناء سفري للبلاد، مع كبار القادة العسكريين الأمريكيين".
وتابع ملكاسيان: "رأيت أنه في معركة تلو الأخرى، كان رجال الجيش والشرطة الأفغان، المتفوِّقون عددًا وأفضل تجهيزاً، يتعرَّضون للهزيمة من (طالبان) ضعيفة الموارد، وهي الديناميكية التي كان يبدو أنها من المؤكد ستؤدي في النهاية، إلى القضاء على الحكومة الأفغانية، ودفع الولايات المتحدة للبقاء إلى أجل غير مسمى".
الجنة والنار
وأشار الكاتب، إلى أنه لم يكن في ذلك الوقت، يجد إجابة واحدة عن سبب هذه الهزائم، وقال إنه في حين أن هناك تفسيرات متعدِّدة، تحل أجزاء مختلفة من هذا اللغز، فإن الجزء الأهم كان يبدو أكثر وضوحاً، في المحادثات التي كان يجريها مع أعضاء "طالبان" أنفسهم، موضحاً أن هؤلاء الأشخاص يقاتلون من أجل الجنة وقتل الكفار، إذ قال له أحد رجال الدين في الحركة عام 2019: "رجال الجيش والشرطة يقاتلون من أجل المال".
كانت لـ "طالبان" ميزة في إلهام الأفغان القتال، إذ كانوا يدعونهم لمحاربة المحتلين الأجانب، الأمر الذي كان له صدى في الهوية الأفغانية، وبالنسبة للأفغان، فإن الجهاد كان تاريخياً، وسيلة للدفاع ضد احتلال الأجانب، ورغم أن الإسلام يدعو إلى الوحدة والعدالة والسلام، فإن "طالبان" كانت قادرة على ربط نفسها بالدين والهوية الأفغانية، بطريقة لا يمكن لحكومة متحالفة مع المحتلين الأجانب غير المسلمين أن تضاهيها، بحسب ملكاسيان.
هزيمة أمريكا في كابول
رأى الكاتب، أن وجود الأمريكيين في أفغانستان، كان تعدياً على الهوية الأفغانية، التي تحمل تاريخًا طويلًا من محاربة الغزاة، والالتزام الديني بالدفاع عن الوطن، لافتاً إلى أن قدرة "طالبان" على ربط قضيتهم بهذه الهوية الأفغانية، كانت عاملاً حاسماً في هزيمة أمريكا في كابول.
وقال: "لكن للأسف لم يقدِّر القادة والخبراء الأمريكيون، بمن فيهم أنا، هذا التفسير، إذ كنا نعتقد أنه من الممكن هزيمة (طالبان) أو تمكين الحكومة الأفغانية من البقاء بمفردها، لكن ذلك لا يعني بالضرورة، أنه كان علينا التخلي عن أفغانستان منذ فترة طويلة، بالنظر إلى ما كنا نعرفه في ذلك الوقت، لكنه يعني أنه كان من الممكن إدارة إستراتيجيتنا هناك بشكل أفضل، لتجنُّب إنفاق الموارد على الأهداف، التي كان من غير المحتمل تحقيقها".
خطر السقوط
وأشار الكاتب، إلى أنه بعد مغادرته منطقة جارمسير، أتيحت له الفرصة لرؤية البلاد من منظور أوسع، بصفته مستشاراً لدنفورد، وحينها شعر بأن شيئاً ما كان يحدث، وقال: "رأيت أن مظالم الأفغان والاقتتال الداخلي، لا يمكن أن تفسِّـر هذه الهزائم في ساحة المعركة، فحينما حان الوقت لكي تتعامل الحكومة الأفغانية مع (طالبان) بمفردها حتى نتمكن من المغادرة، كان رجال الجيش والشرطة، في كثير من الأحيان، يستسلمون في المعارك"، وعزا ذلك إلى أن الجنود لم يرغبوا في القتال، بقدر ما كان نظرائهم من "طالبان" يرغبون.
وأضاف: "نتيجة لذلك، كانت الحكومة تخسر الأراضي، وحينها أدركنا أنه في حال استمر هذا الوضع، لن تكون الحكومة قادرة على السيطرة على المدن الرئيسة، وستواجه خطر السقوط، وهو ما أصبح في النهاية النتيجة التي نشهدها اليوم".
ورأى الكاتب، أن الفساد كان جزءًا من المشكلة أيضاً، مشيراً إلى أن فاعلية رجال الجيش والشرطة تأثَّرت، لأن المسؤولين الحكوميين أو القادة العسكريين، كانوا يستولون على رواتبهم، ويخزنون ذخيرتهم، لافتاً إلى أنه رغم هذا الفساد، فإن هؤلاء الرجال كانوا متفوقين عدداً وأفضل تجهيزاً من "طالبان" في كل المعارك، لكن التفسير الأقوى، هو أنهم لم يرغبوا في تعريض حياتهم للخطر، من أجل حكومة فاسدة تهملهم، حسب قوله.
وتساءل: "هل يمكننا إلقاء اللوم على قادة الحكومة الفاسدين المهملين، عندما كانت (طالبان) تقاتل من أجل رواتب أقل، وبأسلحة ثقيلة أقل، ورعاية طبية أسوأ بكثير، وقادة اختبأوا سنوات في باكستان، بينما كان جنودهم يقاتلون على الأرض؟ كما أن القوات الخاصة الأفغانية، التي لديها قادة أفضل بكثير من (طالبان) ويتم دعمهم بشكل هائل، لا تزال تواجه صعوبة كبيرة في القتال، من دون الدعم الجوي والمستشارين الأمريكيين".
وتابع: "لقد أزعجني هذا السؤال، عندما غادرت أفغانستان في أغسطس 2014، فكل هذه العوامل كانت مهمة بشكل واضح، لكنها لم تكن ترقى لتفسير ما كان يحدث أمام عيني هناك".
الإسلام مصدر إلهام
قال الكاتب، إن "طالبان" كانت تمثِّل شيئاً ملهماً للأفغان، الأمر الذي جعلهم أقوياء في المعركة، إذ كان يرتبط بالهوية الأفغانية نفسها، حيث صوَّروا أنفسهم ممثلين للإسلام، ودعوا إلى مقاومة الاحتلال الأجنبي، مضيفاً أن هاتين الفكرتين، شكلتا معاً مزيجاً قوياً للأفغان العاديين، الذين يميلون إلى أن يكونوا مسلمين متدينين وليس متطرفين.
ولكن بالنسبة للحكومة، التي كانت تتعاون مع المحتلين الأجانب، لم تمنح أي إلهام مماثل، ولذا فإنها لم تستطع دفع أنصارها، وذلك حتى لو كان عددهم يفوق عدد أنصار "طالبان"، ما جعل الأخيرة قادرة على استمالة تديُّن الأفغان، لخدمة رؤيتها المتطرفة، وفقاً للكاتب الأمريكي.
وتابع: "بصرف النظر عن صحة هذا الادعاء، فقد تمكن أعضاء (طالبان) من استخدام الاحتلال الأمريكي، لتمييز أنفسهم عن الحكومة، باعتبارهم ممثلين حقيقيين للإسلام، ولذا فقد كان المزيد من الأفغان، على استعداد لخدمة الحركة والقتال من أجلها، وليس من أجل الحكومة، وهو ما أحدث فرقاً هائلاً في ساحة المعركة".
وأضاف كارتر ملكاسيان: "صحيح أن هذا التفسير قوي، لكنه خطير أيضاً، إذ يمكن تحريفه ليعني أن جميع المسلمين عازمون على الحرب أو أنهم متعصبون"، مشيراً إلى أن مثل هذا التفسير سيكون خاطئاً، إذ إن الإسلام مصدر للوحدة والإلهام، وليس للإرهاب ولا لارتكاب الفظائع، فالقول إن الناس يتعاطفون مع أبناء وطنهم وإخوانهم في الدين أكثر من الأجانب، لا يصف الإسلام بالشر، لكن النقطة المهمة، هي أنه من الصعب على الشخص أن يقاتل بجانب ما يسميهم البعض المحتلين، خاصة عندما لا يشاركونك الدين نفسه.
ووفقاً للكاتب، فإنه سيكون من الخطأ، القول إن القادة الأمريكيين على الأرض، كانوا غافلين عن هذه المشكلات المعنوية، الخاصة برجال الجيش والشرطة الأفغانيين، لكن نادراً ما كان يتم النظر بجدية، في فِكرة أن الاحتلال الأمريكي يتعارض مع الهوية الأفغانية، أو أنه يمنح "طالبان" ميزة كبيرة، إذ نظر معظم الجنرالات والمسؤولين بدلاً من ذلك، إلى حلول أخرى مثل التدريب وتحسين القيادة، ومعالجة المظالم ومكافحة الفساد.
وتابع: "لكي أكون منصفاً، فإنه من الممكن أن تكون التحسينات الكبيرة في هذه المجالات، قد أحدثت فرقاً، فنظرياً، إذا كانت قد تمت معالجة المظالم، والقضاء على الفساد، واهتمت القيادة الحكومية أكثر بقواتها، فربما كانت قد عالجت بعض المشكلات المعنوية، الناتجة عن القتال مع المحتل الخارجي، إلا أنه من الناحية العملية، لم يكن من السهل التغلُّب على أي من هذه المشكلات، وكان من الصعب كذلك التغلُّب على قدرة (طالبان) على محاربة القوات الحكومية، وصمودها والتفوق عليها".
هل سيتغير الوضع؟
تساءل الكاتب: "هل سيتغير الوضع، مع مغادرة الولايات المتحدة؟ هل ستضعف مصداقية حرب (طالبان) ضد الحكومة عندما نرحل، ما يسمح للحكومة بوقف تقدُّمهم؟ ربما، لكني متشكك في ذلك، إذ أدت 20 عاماً من الدعم الأجنبي، إلى تلطيخ سُمعة الحكومة في كابول، ولذا فإنه من السهل جداً على (طالبان) تصويرها على أنها مجرَّد دمية".
ولفت الكاتب الأمريكي، إلى أن تفسير كيفية تشابك الدين ومقاومة الاحتلال والهوية الأفغانية، يساعدنا في فهم حرب أمريكا، التي استمرت 20 عاماً، قائلاً: إن هذا ليس التفسير الوحيد لنتائج الحرب الأفغانية، لكنها أمور ضرورية يجب ذكرها، وذلك لأنها شديدة التأثير، إذ إن أي حكومة أفغانية، مهما كانت جيدة وديمقراطية، كانت ستتعرَّض للخطر بسبب تحالفها مع الولايات المتحدة، وفي المقابل، فإنه كان سيتعيَّن على الأخيرة أن تبقى هناك فترة أطول، ففي حال أراد أي زعيم أمريكي مغادرة أفغانستان، فإنه كان سيتعيَّن عليه مواجهة احتمال فشل الحكومة الأفغانية.
تجربة مظلمة
وعمّا كان يجب على الولايات المتحدة أن تفعل؟ قال الكاتب إنه بالنظر للوضع الحالي، فإنه من الممكن القول إنه كان يجب على أمريكا المغادرة منذ سنوات، لكن قد يكون الرأي الأكثر واقعية، هو أن الحرب الأفغانية، فصل غير سعيد من التاريخ الأمريكي، مع فرص قليلة لتغيير المسار، إذ لم تستطع أمريكا الفوز هناك بسهولة، كما لم تستطع الخروج بسهولة، وقد تكون حقيقة بقائها فترة طويلة مأساوية، لكنها كانت نتيجة متوقَّعة.
ورأى الكاتب، أنه ما كان بإمكان الولايات المتحدة القيام به، هو إدارة استراتيجيتها في الحرب بشكل أفضل، وذلك من خلال إنفاق أموال أقل، وفقدان أرواح أقل، مشيراً إلى أنه كان من الممكن أن تكون النتيجة أفضل، لكنها كانت ستكون بعيدة كل البُعد عن الانتصار الباهر.
وتابع: "بالنسبة للولايات المتحدة، كانت أفغانستان حرباً طويلة، لكنها أيضاً تجربة، ومن الخطأ تصوير التجربة بأكملها، على أنها سيئة أو شريرة، لكن من الأفضل رؤية الخير والشر، فلا أريد أن أنسى الصداقات، التي أقامها الأمريكيون مع آلاف الأفغان، الذين كانوا يحاولون تحسين بلدهم بصدق، فقد تبدو تجربة أمريكا في أفغانستان، مظلمة وغائمة، لكن تتخللها نقاط من الضوء أيضاً".