مشاورات ليبية في القاهرة لحسم الدستور... وخطط إخوانية لإفشالها
يحذر المراقبون من مساعي المجلس الأعلى للدولة، لإفشال أي توافق من شأنه إزاحته وتنظيم الإخوان الليبي من المشهد السياسي

السياق
وسط أزمة سياسية «خانقة» وأمام إصرار رئيس الحكومة المقالة عبدالحميد الدبيبة على التعنُّت في تسليم السلطة، بدأت الأمم المتحدة، تكثيف الخطى لإتمام المسار الدستوري، الذي يعلق عليه الكثيرون آمالهم، في حل أزمة القاعدة الدستورية بليبيا.
ذلك المسار الذي نجحت الجولتان الأوليان منه في الاتفاق على 137 مادة، تشمل الباب الثاني المعني بالحقوق والحريات، والبابين الخاصين بالسلطة التشريعية والقضائية، تعثرت الجولة الأخيرة منه التي اختتمت في 20 مايو الماضي، أمام عدد قليل من المواد لا يتعدى أصابع اليد الواحدة.
إلا أن المواد التي تعثر الاتفاق بشأنها تتعلق بقضايا شديدة الحساسية، مثل شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، التي من بينها ترشح العسكريين وكذلك مزدوجي الجنسية، في نقطة أثارت خلافًا كبيرًا وأعاقت التوصل إلى توافق نهائي، بحسب مصادر «السياق».
وأكدت المصادر أن هذه النقطة ستظل العقبة الكأداء التي تواجه المشاورات التي ستعقد في العاصمة المصرية القاهرة، بعد غد الأحد، بين مجلسي النواب والأعلى للدولة، مشيرة إلى أن البرلمان منفتح على التفاهم في أي قضايا خلافية، إلا أن "الأعلى للدولة" يأتي إلى المشاورات بمواقف صلبة.
مساعٍ أممية
وفي محاولة من الأمم المتحدة، لحلحلة المواقف قبل لقاءات القاهرة، عقدت المبعوثة الأممية بالإنابة إلى ليبيا ستيفاني ويليامز، اجتماعات خلال الأسبوع الأخير، مع عدد من القوى السياسية.
أحد تلك الاجتماعات ذلك الذي عقدته ويليامز مساء أمس، في العاصمة طرابلس، مع خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، لمناقشة خطط الجولة المقبلة والأخيرة من محادثات اللجنة المشتركة لمجلسي النواب والأعلى للدولة المقررة في القاهرة، لوضع الإطار الدستوري اللازم لنقل البلاد إلى انتخابات وطنية شاملة في أسرع وقت ممكن.
اجتماع الخميس، جاء بعد ساعات من لقاء ويليامز، رئيس البرلمان عقيلة صالح، بمكتبه في مدينة القبة، شرقي ليبيا، لبحث لقاء المسار الدستوري الذي سيعقد بالعاصمة المصرية القاهرة، ومساعي الوصول إلى توافق على تعديل النقاط الخلافية بمسودة الدستور.
ذلك الاجتماع، أكد فيه رئيس البرلمان الليبي، دعمه للمسار الدستوري والتوافق بين مجلسي النواب والدولة، للوصول إلى انتخابات وطنية في أقرب الآجال.
وأمام المحاولات الأممية لإرساء نقاط توافق مشتركة بين المجلسين قبل بدء جلسات الحوار، يحذر المراقبون من مساعي الأعلى للدولة، لإفشال أي توافق من شأنه إزاحته وتنظيم الإخوان الليبي من المشهد السياسي، مشيرين إلى أن توافقًا في مشاورات القاهرة، قد يعجل بنهاية المراحل الانتقالية، وهو ما يتخوف منه التنظيم.
خطط إخوانية
من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش، في تصريحات لـ«السياق»، إن ما يدعو للتوجس، محاولات خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة، لممارسة ضغوط على أعضاء المجلس المشاركين في اجتماعات القاهرة، لإفساد قبول مسودة الاتفاق.
وأوضح المحلل السياسي الليبي، أن محاولات المشري «اليائسة» في عقد اجتماع للمجلس برئاسته بنصاب قانوني، تهدف إلى عرقلة التوصل لاتفاق نهائي على القاعدة الدستورية، مشيرًا إلى أن عدم نجاحه في عقد اجتماع للمجلس وتسريب قائمة من 80 عضوًا يؤيدون مسودة اتفاق القاهرة، يُعد مؤشرًا مهمًا على فقدانه أي أداة لتعطيل الاتفاق والتوافق، وربما يعرضه أيضًا لفقدان رئاسة المجلس الاعلى.
وأشار إلى أن مصر تبذل جهودًا مكثفة لتجاوز عقبة القاعدة الدستورية، كللت بالنجاح في عرض العديد من الاقتراحات البناءة التى تلبي مطالب كل الأطراف، مؤكدًا أن أي حجج قانونية لهذه الأطراف (الأعلى للدولة) لرفض المسودة الأخيرة المعروضة للتوقيع، سيكون رضوخًا من المجلس الإخواني لقوى خارجية لا تريد أن يذهب الليبيون إلى الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
وعن الخلاف على مواد الترشح للرئاسة، قال المحلل السياسي الليبي، إن ذلك ما يخيف خالد المشري وبعض رموز تنظيم الإخوان، وعلى وجه الخصوص شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، مؤكدًا أنهم يتخوفون من الشعبية المتنامية للمشير خليفة حفتر، الذي سيفوز بمجرد ترشحه في الانتخابات الرئاسية، في ظل تراجع كبير لحظوظ أي شخصيات من الإخوان المسلمين أو من المحسوبين على هذا التنظيم.
أما عن إمكانية أن يفوز "الأعلى للدولة" بالتعديلات التي ينشدها، فقلل المحلل الليبي من احتمال حدوث ذلك السيناريو، لأن الأغلبية في المجلس الأعلى للدولة مقتنعة بأنه لا جدوى من تفصيل القاعدة الدستورية على مقاس خالد المشري ووفق أهوائه.
وأوضح أن التعديلات المنطقية البعيدة عن إقصاء واستهداف شخصيات معينة، جرى قبولها من قبل أعضاء البرلمان، إلا أن المشري ما زال يحاول نسف هذه الجهود وتعطيلها لاستمرار حالة الفوضى والانقسام.
سيناريوهان
أمام المحاولات الإخوانية لإفشال التوافق كان هناك سيناريوهان، أحدهما حال نجاح التوافق على القاعدة الدستورية بين المجلسين، الذي قال عنه المحلل الليبي، إنه سيكون ضربة قاصمة لحكومة عبدالحميد الدبيبة المقالة، التي ستزداد الضغوط المحلية والإقليمية والدولية عليها للتسليم والرحيل، ما يدفع بحكومة الاستقرار الوطني إلى طرابلس، لتبدأ تنظيم الاستحقاقات الانتخابية المتعطلة.
أما في حال الفشل ونجاح تيار الفوضى والدولة الفاشلة المدعوم من قوى دولية، فإن الاحتمالات تبقي مفتوحة على كل الأصعدة، بما فيها العودة إلى خيار المواجهة العسكرية، التي ربما تنحصر هذه المرة في محاولة حمقاء من حكومة الدبيبة منتهية الولاية في شن هجوم للسيطرة على الهلال النفطي، لأهميته في ذر أموال هي في أمس الحاجة إليها، بحسب المحلل الليبي.
من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي أيوب الأوجلي، في تصريحات لـ«السياق»: رغم التقارب الكبير بين أعضاء اللجنتين وحسم العديد من النقاط، فإن التوصل إلى صيغة نهائية يبدو صعبًا.
مراحل انتقالية
وأوضح المحلل الليبي، أن النقاط الخلافية هي ذاتها التي كانت سبب الخلافات وإفشال التوافقات منذ سنوات، إضافة إلى رفض المكونات الثقافية في ليبيا كالطوارق والتبو والأمازيغ لتمرير أي مسودة لا تحفظ حقوقهم، مؤكدًا أن تلك الأمور يجب على المجتمعين مراعاتها.
وأشار إلى أنه لا يمكن الوصول لاتفاق شامل في القاهرة، بلا تنازلات من جميع الأطراف، والسير نحو هدف واحد هو الخروج من المراحل الانتقالية.
وأكد المحلل الليبي، أنه لا يتوقع نجاحًا تامًا لمشاورات القاهرة، إلا أنه قال إن الأمر مرهون بنية المجلسين في الوصول إلى اتفاق نهائي، مشيرًا إلى أن التوصل لمسودة دستور نهائية سيكون عقب أكثر من اجتماع وليس في الجولة الحالية.