السودان على أبواب فرصة تاريخية... هل ينجح الحوار الوطني؟

قال رئيس البعثة الأممية في السودان فولكر بريتس، إن السوادنيين هم أصحاب الحوار، بينما دور البعثة يتمثل في التنظيم والتسيير.

السودان على أبواب فرصة تاريخية... هل ينجح الحوار الوطني؟

السياق

فرصة «تاريخية» يقف السودان على أبوابها، لإنهاء الأزمة السياسية الراهنة التي أدت إلى انعدام الثقة بين المكونين المدني والعسكري، ومحاولة بناء سياق مشترك للتفاهم على أسس إرساء التحول الديمقراطي في البلد الإفريقي.

تلك الفرصة، التي تتمثل في حوار أطلقته –الأربعاء- الآلية الثلاثية لتيسير الحوار السوداني المكونة من بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي و«الإيقاد»، لحل الأزمة السياسية في السودان، إلا أن تحالف قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) اعتذر عن عدم المشاركة فيه.

وفي كلمته خلال انطلاق الحوار، قال رئيس البعثة الأممية في السودان فولكر بريتس، إن السوادنيين هم أصحاب الحوار، بينما دور البعثة يتمثل في التنظيم والتسيير.

 

تغيير حقيقي

وأوضح بريتس، أن البعثة الأممية تريد أن تحدث تغييرًا حقيقيًا من خلال الحوار، مشيرًا إلى أن المشاورات غير المباشرة بحثت الترتيبات الدستورية ومعايير اختيار رئيس الوزراء والفترة الانتقالية.

وأكد المبعوث الأممي فولكر، أن الآلية الثلاثية نسقت جهودها مع بعض الأطراف غير السودانية، من المنظمات الدولية والإفريقية، لمحاولة حل الأزمة، مشيرًا إلى أنه يجب توحيد المواقف من خلال المناقشات.

بدوره، دعا مبعوث الاتحاد الإفريقي لدى السودان، محمد ولد لبات، في كلمته خلال انطلاق الحوار، الأطراف السودانية إلى الاتحاد وتحمُّل مسؤولياتها تجاه وطنها.

 

لا حل من دون الغائبين

وأكد مبعوث الاتحاد الإفريقي، أنه لا يمكن تصور حل سياسي إلا بمشاركة الغائبين عن اجتماع اليوم من الفاعلين السياسيين.

كانت قوى الحرية والتغيير أعلنت مقاطعتها الاجتماع، الذي دعت إليه الآلية الثلاثية، بحضور أطراف عسكرية ومدنية، مشيرة إلى أنه لا يخاطب طبيعة الأزمة الحالية، الذي يجب أن تؤدي أي عملية سياسية لإقامة سلطة مدنية ديمقراطية.

وأكدت أنه يجب تصميم كل خطوات العملية السياسية بالتشاور مع الأطراف الرئيسة من قوى الثورة والمقاومة، مشيرة إلى أن أي خطوة يجب أن يسبقها التطبيق الفعلي لإجراءات تهيئة المناخ.

وشددت قوى الحرية والتغيير حرصها على أن تؤدي العملية السياسية للتأسيس لتحول ديمقراطي حقيقي تقوده سلطة مدنية منحازة للثورة وقضاياها، وأن تقود للنأي بالجيش عن السياسة وإجراء إصلاح أمني شامل يقود إلى بناء جيش قومي مهني واحد، وأن توضع قضية العدالة في قلب أي حل سياسي، ما يتطلب أن تصمم هذه العملية بطريقة تضمن تحقيق هذه النتائج ولا تحيد عنها.

وأشارت إلى أنها مع شمول العملية السياسية ومشاركة الأطراف الأخرى، مثل قوى الكفاح المسلح والقوى الفاعلة المؤمنة بالانتقال الديمقراطي، مؤكدة أنها تتواصل مع الفاعلين الإقليميين والدوليين، بما يخدم قضايا السودانيين، ويحقق غاياتهم في الحرية والعدالة والسلام.

المكون العسكري

في محاولة من المكون العسكري لحلحلة موقف قوى الحرية والتغيير، الرافض للحوار، قال رئيس المجلس السيادي السوداني الفريق عبدالفتاح البرهان، في خطاب بثه التلفزيون مساء الثلاثاء، إن المؤسسة العسكرية تؤكد التزامها بالعمل مع الجميع لإنهاء المرحلة الانتقالية بأسرع ما يمكن، عبر انتخابات حرة وشفافة يختار فيها الشعب من يحكمه.

وتعهد عبدالفتاح البرهان، بالتزام المكون العسكري بتطبيق مخرجات الحوار الذي أطلقته الآلية الثلاثية لتيسير الحوار السوداني، مشيرًا إلى أن الجيش على استعداد للنأي بنفسه عن المعترك السياسي، وهو المطلب الذي نادت به قوى الحرية والتغيير.

وفي رسالة إلى قوى الحرية والتغيير، دعا البرهان القوى السياسية إلى الاستجابة لمتطلبات المرحلة، من خلال الاشتراك في الحوار الذي تسيره الآلية الثلاثية، قائلًا: «كمكون عسكري، تعهدنا منذ أبريل 2019 بالعمل مع كل مكونات الشعب السوداني، لضمان تحقيق أحلامه وتطلعاته في بناء دولة ديمقراطية».

وبينما قال إن المكون العسكري سيقدم التسهيلات اللازمة لتسهيل بيئة الحوار، أكد أن المنظومة العسكرية والأمنية، تجدد التزامها بالعمل على إنفاذ مخرجات الحوار.

وحذر البرهان من أن غياب التوافق خلال المرحلة الانتقالية التي يمر بها السودان، نجم عنه ما يهدد أمن وسلامة الوطن والمواطن، مشيرًا إلى أن مجلس السيادة حريص على النأي بالمؤسسة العسكرية عن المعترك السياسي، فور توافر التوافق الوطني الذي ستيسره المجموعة الثلاثية، أو الانتخابات التي هي الأداة الشرعية لتداول السلطة.

 

حوار غير مؤثر

من جانبه، قال الكاتب الصحفي محمد عبدالعزيز، في تصريحات صحفية: يجب الإشارة إلى أن موقف قوى الحرية والتغيير بمقاطعة الحوار، يعني أنه سيكون بين المكون العسكري وقوى أخرى مؤيدة له.

وأوضح عبدالعزيز، أن الأطراف الرئيسة في إنهاء ما وصفه بـ«الانقلاب»، هي المكون العسكري وقوى الحرية والتغيير، ما يعني أن فقدان أي طرف منها سيفقد ذلك الحوار جدواه ومعناه.

وأشار إلى أن قوى الحرية والتغيير لا ترفض الحوار بشكل مطلق، بل ترى أن هناك أزمة في مشكلة الأطراف وتعريفها، مؤكدًا أن قوى الحرية والتغيير تطالب بتقسيم الحوار لثلاث مراحل، أولاها التحضير تقوم على أطراف وترتيبات وضمانات، بينما المرحلة الثانية تسميها إدارة المرحلة الانتقالية، التي يمكن أن تضم أطرافًا أخرى.

أما المرحلة الثالثة فتقوم على تعزيز المسار الديمقراطي والتحضير للانتخابات، التي تضم أطرافًا بشكل أوسع، بحسب عبدالعزيز الذي أشار إلى أن الاصطفاف الحالي في المشهد السياسي السوداني، ليس بين المكونين العسكري والمدني، بل بين مشروعين، أحدهما يسعى لإنتاج نظام شمولي يمكن أن يكون نسخة جديدة من نظام عمر البشير، ومجموعة أخرى تسعى لبناء دولة مدنية ديمقراطية.

 

نقاط إيجابية

بدوره، قال المحلل السياسي منتصر إبراهيم، إن الحوار الحالي إيجابي لنقاط عدة، أبرزها أنه داخل السودان لأول مرة، خاصة أن ملفات الأزمة السودانية كانت تتناقل بين العواصم والدول، مؤكدًا ضرورة تعزيز هذا التحوّل والبناء عليه، لفتح أفق جديد من الاستقرار والسلام.

وبينما قال إن المحادثات السودانية خطوة إيجابية، لا يمكن التقليل من شأنها، أكد أن ثقافة الساسة السودانيين، وإرثهم عن الحوار منعدمان.

وأشار إلى أن الحوار البنّاء ليس من سمات السلوك السياسي لدى السودانيين، مؤكدًا أن العقلية في السودان «صراعية تنافسية تآمرية» تفتقد أفق التعاون، لعدم قدرة السودانيين على تعزيز فرص القواسم المشتركة والمسؤلية الجماعية، على حد قوله.

وعبَّـر المحلل السياسي السوداني عن آماله بأن تضع هذه الجولة عتبة أولى لبلورة خطاب يمكن العمل عليه، مشددًا على ضرورة اشتراك الأطراف التي قاطعت الحوار فيه، وتفتح مجال المشاركة لمختلف أطياف المجتمع، لعرض رؤاها لآفاق التغيير وبناء الدولة .