أوروبا أمام اختبار صعب... هل تتجاوز تحديات كورونا والحرب والجوع؟

الأوروبيين قد يلجأون إلى السياسات المتطرفة، خاصة إذا نفذت الحكومات تدابير التقشف

أوروبا أمام اختبار صعب... هل تتجاوز تحديات كورونا والحرب والجوع؟

السياق

وسط حرب لم تضع أوزارها، يقبع العالم على وطأة الأزمة الأوكرانية التي دخلت يومها الـ100، كاشفة عن سيناريوهات «كارثية»، لمعظم الدول التي تعتمد على سلة الغذاء التي توفرها أوكرانيا وروسيا.

ذلك التأثير الذي شمل بلدانًا في الشرق الأوسط، اكتوت بناره بلدان الاتحاد الأوروبي الأقرب إلى أوكرانيا، ذلك البلد المنكوب، الذي ما زال يعاني جراء الحرب التي بدأت في 24 فبراير الماضي.

وبحسب «فرانس برس»، فإن الهجوم الروسي على أوكرانيا، فاقم مشكلات أوروبا، في الوقت الذي تكافح فيه ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة والاضطراب المستمر الناجم عن جائحة كورونا.

تهديدات لا تحصى

من الاضطرابات السياسية إلى الصناعات المنهارة والتهديد بأزمة الهجرة، وجد القادة الأوروبيون أنفسهم أمام عدد لا يحصى من التهديدات، لاستقرار القارة العجوز وازدهارها، بل إن سكان أوروبا تعرضوا لضغوط متزايدة، فرضتها الحرب في أوكرانيا التي «أججت» أسعار الطاقة والغذاء.

وتعتقد دراسة لشركة التأمين Allianz Trade، أن «الأسوأ سيأتي» من حيث أسعار المواد الغذائية، التي ارتفعت بمتوسط 243 يورو (260 دولارًا) في ميزانية طعام الفرد سنويًا بالاتحاد الأوروبي.

من جانبه، قال لورانس آلان، مدير Country Risk Europe في S&P Global Market Intelligence: «على المدى المتوسط​​، فإن أزمة تكلفة المعيشة تثير مطالب الحكومات لتخفيف بعض آثارها»، مشيرًا إلى أن الأوروبيين قد يلجأون إلى السياسات المتطرفة، خاصة إذا نفذت الحكومات تدابير التقشف.

وأكد آلان أن الأزمة المالية لعام 2008 كانت العامل المحفز لتوسيع ما تسمى السياسات المناهضة للنظام، مشيرًا إلى أن الأحزاب التقليدية واجهت فجأة تحديات متعددة الجبهات لهيمنتها، مع ظهور أحزاب مثل سيريزا في اليونان، وخمس نجوم وليجا في إيطاليا، وبوديموس في إسبانيا.

وفي فرنسا، قالت  أغات دوماريه، مديرة التنبؤات العالمية في وحدة إيكونوميست إنتليجنس يونيت: «القوى السياسية الرئيسة الثلاث الآن هي الوسط وأقصى اليسار واليمين المتطرف»، مشيرة إلى أن أقصى اليسار واليمين المتطرف في فرنسا، جعلت القوة الشرائية الموضوع الرئيس خلال الانتخابات الرئاسية، التي أجريت في أبريل، وستكون كذلك في الانتخابات البرلمانية في يونيو المقبل.

أزمة صناعة السيارات

وأكدت دوماريه، أن صناعة السيارات الألمانية التي تعاني نقص أشباه الموصلات بسبب إغلاق كورونا، تواجه أيضًا ارتفاع أسعار، لاسيما المعادن، بسبب حرب أوكرانيا، مضيفة: «علاوة على ذلك، فهم معرضون بشدة للسوق الروسية».

وأشارت إلى أنه في حال حدوث تدفق كبير، فإن الخلافات تلوح في الأفق بين الدول الأوروبية، الأمر الذي من شأنه أن يعكس أزمة 2015 التي أثارها وصول اللاجئين السوريين.

وتشتري إيرباص نصف التيتانيوم من الشركة الروسية VSMPO-Avisma، لكنها تبحث عن بدائل، وتشتري بوينج ثلث التيتانيوم من موسكو، لكنها قالت في مارس إنها لن تتعامل بعد الآن مع VSMPO.

وتهدف العقوبات الغربية المفروضة على الاقتصاد الروسي إلى قطع دخل البلاد عن تمويل الحرب، لكنها تضر أيضًا -عن غير قصد- بالاقتصاد الأوروبي.

من جانبه، قال سفير فرنسا السابق لدى روسيا جان دي جلينياستي في الجريدة الشهرية الفرنسية للدفاع الوطني: «العقوبات المفروضة على روسيا تثقل كاهل الاتحاد الأوروبي في الغالب»، مشيرًا إلى أنها بينما هي مفيدة للصين فلا تكلف الولايات المتحدة شيئًا.

من ناحية أخرى، يتعين على الصناعات الأوروبية أن تستثمر بكثافة، للحفاظ على شكل من أشكال الاستقلال المالي، الذي أصبح أكثر صعوبة بسبب الضغط لزيادة الأجور للحد من التضخم.

عمليات الإغلاق

وفي الوقت نفسه، فإن استراتيجية عدم انتشار كورونا في الصين، التي تتضمن عمليات إغلاق سريعة واختبارات جماعية وحجرًا صحيًا طويلًا، لمحاولة القضاء على العدوى، زادت اضطرابات التجارة العالمية.

وتسببت حرب أوكرانيا والعقوبات الغربية على موسكو في تعطيل إمدادات القمح والأسمدة وغيرها من السلع، ما ضاعف الصعوبات التي تواجهها إفريقيا، وربما يؤدي إلى زيادة الهجرة.

بدوره، قال إلفير فابري، الباحث في أوروبا بمعهد جاك ديلورز البحثي ومقره باريس: «في سياق ارتفاع التضخم، يمكن للتوترات إعادة هيكلة المشهد السياسي الأوروبي»، مشيرًا إلى أن الخلافات بين القادة الأوروبيين على كيفية التعامل مع الحرب ضد أوكرانيا تحتدم.

وقال جان مارك بالينسي، المحلل الجيوسياسي الفرنسي، مؤلف مدونة Uncertain Horizons: رغم الحديث عن الوحدة الأوروبية فإن هناك انقسامات، مؤكدًا أنه «يمكننا رؤيتها في الحقائق».

تصدع أوروبا

وقال بالينسي إنه بعيدًا عن الحرب، فإن دول أوروبا الشرقية على وجه الخصوص «تشكك بشدة في الهيمنة الفرنسية الألمانية، التي قد تؤدي إلى تصدع الاتحاد الأوروبي على المدى الطويل».

وفي قرار قد يفاقم الأزمة بأوروبا، وافقت دول الاتحاد الأوروبي -الخميس- على حزمة سادسة من العقوبات ضد موسكو، بما في ذلك فرض حظر مع استثناءات على مشتريات النفط.

وقال نائب رئيس الوزراء للطاقة الكسندر نوفاك: «المستهلكون الأوروبيون سيكونون أول من يعاني بسبب هذا القرار»، مشيرًا إلى أنه «لن ترتفع أسعار النفط فحسب، بل سترتفع أيضًا أسعار المنتجات النفطية». ولم يستبعد المسؤول الروسي، حدوث عجز كبير في المنتجات البترولية بالاتحاد الأوروبي.

بريطانيا تكتوي بنار الأسعار

في منطقة كانت جزءًا من أوروبا حتى وقت قريب، كشف استطلاع أجرته «رويترز»، قبل أيام، أن يريطانيا تواجه أسوأ أزمة تكاليف في ثلاثة عقود، مشيرًا إلى أنها ستبلغ ذروتها قرب نهاية هذا العام.

وعن الموعد المتوقع لذروة أزمة تكاليف المعيشة، قال سبعة من 13 مشاركًا في استطلاع الرأي، إن ذلك سيكون في الربع الأخير من العام، بينما قال ثلاثة إنها ستكون في الربع المقبل، أما ثلاثة آخرون فأكدوا أنها ستكون نهاية الشهر المقبل.

وتواجه الحكومة البريطانية ضغوطًا متزايدة لدعم دخل الأسر، بينما قال تسعة من 12 مشاركًا في الاستطلاع، إنه يتعين على الحكومة فعل المزيد، وتوجيه الدعم للأسر الأقل دخلًا.

اليوم الـ100 للحرب الأوكرانية

يأتي ذلك، بينما دخل الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي سيطرت موسكو بموجبه على 20% من أراضيها، يومه المئة، إذ يتركز «الغزو» حاليًا على منطقة دونباس (شرق) ومدينتها الاستراتيجية سيفيرودونيتسك.

وعن الحرب، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي: «حققنا بعض النجاح في معركة سيفيرودونتسك، لكن ما زال الأمر مبكرًا جدًا، هذه أصعب منطقة في الوقت الحالي».

وأشار إلى أن الوضع لم يتغير كثيرًا في منطقة دونباس، مؤكدًا أن الوضع في الشرق صعب فعلًا (...) نحن نخسر بين ستين ومئة جندي يوميًا يُقتلون في المعارك، ونحو 500 جريح».

كان الرئيس الأوكراني قال -مساء الخميس- إن القوات الروسية تسيطر على 20% من الأراضي الأوكرانية، أي نحو 125 ألف كيلومتر مربع من البلاد، بينما أكدت الأمم المتحدة –الجمعة- أنه لن ينتصر أي طرف في الهجوم الروسي على أوكرانيا.

وقال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، منسق الأمم المتحدة لشؤون أوكرانيا أمين عوض في بيان: «شهدنا على مدى مئة يوم الخسائر: حياة أشخاص ومنازل ووظائف وفرص (...) كانت لهذه الحرب تداعيات غير مقبولة على الناس، وأثرت في حياة المدنيين بجميع جوانبها».

وأشار إلى أنه في أكثر من ثلاثة أشهر، أجبر نحو 14 مليون أوكراني على مغادرة منازلهم، معظمهم نساء وأطفال، مؤكدًا أن الأمم المتحدة تعمل على الحد من التداعيات المدمرة للحرب على الأمن الغذائي، عبر السعي لإطلاق تجارة الحبوب والسلع الأساسية.