السعودية والإمارات... اختلافات الأشقاء محصَّنة من فيروسات الفتنة

بمجرَّد إعلان المملكة العربية السعودية، الجمعة الماضية، دخول حظر للسفر من عدد من البلدان وإليها، حيِّـز التنفيذ مساء الأحد، بينها الإمارات، انبرت أقلام، لتزعم أن المنع دليل على توتر العلاقات بين البلدين

السعودية والإمارات... اختلافات الأشقاء محصَّنة من فيروسات الفتنة
الأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد

السياق

"محصنة ولديها مناعة فعالة تجاه جميع فيروسات الفتنة والخصومة"... هكذا وُصفت العلاقات السعودية الإماراتية، التي أصبحت تشكِّـل نموذجاً فريداً للأخوة الراسخة، المبنية على حُسن الجوار والمصالح المشتركة.

تلك العلاقات الأزلية، حاولت اللجان الإلكترونية التابعة لتنظيم الإخوان، أو ما يطلق عليها «الذباب الإلكتروني»، التشكيك في صلابتها، زاعمة أن هناك خلافات بين البلدين الخليجيين، منطلقة من قضيتين، اتخذتهما برهانًا على صحة وجهة نظرهما المزعومة، هما «أوبك بلس»، ومنع السفر بين الإمارات والسعودية.

لكن قبل أن نستعرض وِجهات نظر محللين ومواطنين من البلدين في القضيتين، نسلِّط الضوء أولاً على طبيعتهما، فما هي أزمة "أوبك بلس"؟ ولماذا أوقفت السعودية، رحلات الطيران مع الإمارات؟ وهل كانت أبوظبي وحدها، التي اتخذت معها السعودية هذا الإجراء؟ وما طبيعة القرار السعودي؟ ولِمَ في ذلك الوقت تحديدًا؟

 

"أوبك بلس"

لنبدأ أولاً بقضية "أوبك بلس"، محاولين تسليط الضوء على حقيقة القصة، التي بدأت الجمعة الماضية، بإعلان المنظمة التي تضم وزراء الدول الأعضاء وغير الأعضاء في أوبك، تأجيل اجتماعها إلى اليوم الاثنين، بعد تعثُّـر الوصول إلى اتفاق.

وبينما تطالب اللجنة الوزارية لـ "أوبك بلس"، بتمديد الاتفاق الحالي، اقترحت الإمارات اتخاذ قرار التمديد في اجتماع لاحق، لإتاحة المجال لاتخاذ قرار فوري بزيادة الإنتاج، اعتبارًا من أغسطس، حتى نهاية الاتفاقية الحالية.

ودعا وزير الطاقة السعودي، الأمير عبدالعزيز بن سلمان، بصفته رئيسًا لتحالف "أوبك بلس"، في تصريحات صحفية، إلى ضرورة التعامل بـ"شيء من التنازل" للتوصل لاتفاق، عندما تعقد المجموعة اجتماعها المزمع اليوم.

 

التزام إماراتي

بدورها، أعلنت الإمارات، أنها تدعم قرار "أوبك بلس"، زيادة الإنتاج اعتباراً من أغسطس المقبل، لكنها اقترحت تأجيل قرار تمديد التخفيضات إلى اجتماع آخر، بينما رأت أنه يجب مراجعة النقاط المرجعية في الإنتاج الأساسي، قبل أي تمديد.

وباستعراض الأمر، يتضح أن القضية ما هي إلا اختلافات في وِجهات النظر، فوزير الطاقة السعودي، يتحدَّث بصفته رئيسًا لـ"أوبك بلس" يمثِّل مصالح الدول المشاركة في المنظمة الدولية، وليس بصفته سعوديًا، لذا فإن من حق أي دولة في أي تجمُّع، الاعتراض على بعض السياسات، إذا ما ارتأت أنها لا تتوافق مع مصالحها، شرط أن يكون ضمن الإطار المسموح به.

وهو ما التزمت به أبوظبي، التي أكدت -على لسان وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي، في تصريحات صحفية- أن بلاده كانت دائماً من أكثر الأعضاء التزاماً باتفاقيات "أوبك" و"أوبك بلس"، بل إن التزام أبوظبي بالاتفاقية الحالية الممتدة سنتين، تعدى نسبة 103%.

المصلحة العامة

المهند الهشبول، الباحث في شؤون الطاقة، يقول إن وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان، تحدَّث بصفته رئيسًا لتحالف مجموعة أوبك بلس، أي أنه يتكلَّم باسم المجموعة، وبما تستدعيه المصلحة العامة.

وأشار إلى أن الخلاف ليس سعوديًا إماراتيًا، بل بين عضو من تحالف أوبك بلس مع أعضاء في المنظمة، وهو ما يحدث منذ عام 1960.

 

منع السفر

ليس هذا فحسب، فبمجرَّد إعلان المملكة العربية السعودية، الجمعة الماضية، دخول حظر للسفر من عدد من البلدان وإليها، حيِّـز التنفيذ مساء الأحد، بينها الإمارات، انبرت أقلام، لتزعم أن المنع دليل على توتر العلاقات بين البلدين، بينما الإجراء صحي بحت، ولا يمت للسياسة بصلة.

 

إجراء احترازي

القرار السعودي، بمنع القادمين من شقيقتها الخليجية، لم يستهدف الإمارات وحدها، بل إن 3 دول أخرى، كانت ضمن القائمة التي أعلنتها وزارة الدخلية، وهو إجراء احترازي يهدف لمحاصرة السلالات المتحورة من وباء كورونا، التي كان آخرها المتحوِّر «دلتا» الأكثر انتشارًا، في الوقت الذي تستعد فيه المملكة لموسم الحج، الذي يبدأ خلال أيام، ما يتطلَّب تشديدًا وإجراءات أكثر صرامة، لمنع تسرُّب الوباء إلى الأماكن المقدَّسة.

ولم تتحدث "الجماعة" التي انبرت لتصدير وتصديق نظرية المؤامرة والخلافات، عن الدول الأخرى، التي منعت السعودية مواطنيها من دخول المملكة، ما يؤكد أن الهدف من تلك "الهاشتاغات المزيَّفة" هو إضفاء الطابع السياسي على إجراء صحي بحت.

 

السعودية لم تغرِّد خارج السرب

القرار السعودي، لم يكن مغرِّدًا خارج السرب، بل إن دولاً كثيرة منعت مواطني دول شقيقة وصديقة وعربية وأجنبية، من دخول أراضيها منذ بدء جائحة كورونا، التي عزلت العالم كله، بل إن بعض الدول منعت مواطنيها من التنقُّل بين أحد أقاليمها، وفرضت حظرًا على مواطني قُطر بعينه من الانتقال إلى قطر آخر، فهل كان عقابًا أو خلافًا سياسيًا؟!

 

الوقاية خير من العلاج

من هنا، يتضح أن الهدف من تلك الإجراءات، التي تتخذها المملكة العربية السعودية، أو أية دولة أخرى، ليس المقصود منها استهداف ذلك البلد، بالتحديد، أو أن هناك أسبابًا أخرى لذلك الإجراء.

وهو ما أكده الدكتور سعيد المطوع، الاستشاري بمستشفى الملك خالد التخصصي في الرياض، الذي قال في تغريدة عبر حسابه بـ «تويتر»، إن منع السفر من بعض الدول وإليها، لا يمس العلاقات الراسخة بينها، خصوصاً في ظِل جائحة كورونا.

وأضاف الطبيب السعودي، أن ذلك الإجراء يدل على ِحرص القيادة على المواطن والمقيم، من باب الوقاية خير من العلاج، مشيرًا إلى أن جميع الدول تتفهم تلك الإجراءات.

اللجان الإلكترونية

الكاتبة السعودية هيلة المشوح، قالت في تغريدة عبر حسابها بـ «تويتر»، إنه لايوجد خلاف سعودي إماراتي، لكن هناك «أماني لحدوث خلاف»، في إشارة إلى محاولات تنظيم الإخوان واللجان الإلكترونية، ترويج ذلك الأمر. وأوضحت المشوح، أنه ليس كل مايتمنى «المتربِّص» يدركه...!

السعودي خالد الحميضي، قال في تغريدة عبر حسابه بـ«تويتر»، إنه لن يهنأ ولن يفرح الأعداء والمتربِّصون، ولن يكون هناك خلاف بين السعودية والإمارات.

وأشار إلى أن جذور السعودية والإمارات عميقة منذ القِدم، فالبلدان والشعبان بروح واحدة ومصلحة واحدة.

يعقوب الريسي، أكد أن العلاقة الإماراتية السعودية، علاقة المصير الواحد، ورابطها الثقة والأخوة والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين، والدماء المشتركة بين أقوى حلف في المنطقة، مشيرًا إلى أن ما عدا ذلك «سوالف قهاوي وتحليلات استراحات، وأوهام مرتزقة لبث الفتنة، إلا أن مصيرهم الخيبة واللطم».

 

علاقات محصَّنة

بدوره، قال الدكتور عبدالحق الصنيايبي، المتخصص في الدراسات الاستراتيجية والأمنية، الخبير في شؤون جماعة الإخوان المسلمين، إن كلاً من الإمارات والسعودية ذات سيادة، وترسم خطها السياسي باستقلالية تامة، مؤكداً ضرورة الحذر ممن وصفهم بـ"خفافيش الظلام" والخلايا النائمة، التي تحاول تأجيج العلاقات بين البلدين الشقيقين.

من جانبه، قال الإعلامي عبدالجليل السعيد، في تغريدة عبر حسابه بـ «تويتر»: سألت صديقي الإماراتي صباح اليوم عن أسباب الخلاف السعودي الإماراتي؟، فقال لي: الخلاف قائم على أن السعودي يزعم محبة الإمارات أكثر، والإماراتي يدعي أن محبته للسعودية أكثر.

وأضاف الإعلامي العربي: الله يكثر من هيك خلافات، مشيرًا إلى أن العلاقات بين البلدين محصَّنة، ولديها مناعة قوية، تجاه جميع فيروسات الفتنة والخصومة.

 

ردود غريبة

المهندس الإماراتي، مدير المشروعات بشركة إماراتية كبرى سالم الهاشمي، عبَّـر عن العلاقات بين السعودية والإمارات، بمثال بسيط، قائلاً: "قرر أخ عدم السماح لعياله بدخول بيت أخيه، لأسباب يعتقدها مصلحة لعياله"، مشيرًا إلى أن المثال  ينطبق على قرار اتخذته السعودية، لمنع سفر مواطنيها إلى الإمارات، لانتشار سلاسة جديدة متحوِّرة.

وعبَّـر الهاشمي عن استغرابه من ردود أفعال بعض أصحاب العقول والخبراء المزعومين، الذين انبروا لإبداء تفسيرات لا تمت للواقع بصلة.

 

محاولات للتأجيج

المحلل السياسي السعودي جهاد العبيد، قال في مقطع بثه عبر حسابه بـ «تويتر»، إنه ليس هناك خلافات سعودية إماراتية، بل هناك محاولات للتأجيج بين البلدين.

وأوضح أن المناقشات بين البلدين، ليست أول اختلاف في وِجهات النظر، فقبل عام كان هناك شيء شبيه، مشيرًا إلى أن اجتماعات الدول الأعضاء، في أي منظمة تهدف إلى تطبيق وِجهات نظر الدول المشاركة، وإبداء كل منها مخاوفها ومقترحاتها.

وعن كورونا، قال المحلل السعودي، إن المملكة دولة مرنة في التعامل مع كورونا، بينما عزا وقف السفر بين السعودية والإمارات، إلى الإجراءات الاحترازية، إلا أنه أكد أن أي  اختلافات في وجهات النظر، يتصيَّدها الذباب الإلكتروني، محاولاً كسر الحِلف السعودي الإماراتي.

الإماراتفوبيا

‏‏‏وقال الخبير في الشؤون السياسية الاستراتيجية، الرئيس الإقليمي للمركز البريطاني لدراسات وأبحاث الشرق الأوسط أمجد طه، إنه لا يوجد لقاح لمن يعاني "الإماراتفوبيا"...!

وأوضح الخبير الاستراتيجي، في تغريدة عبر حسابه بـ «تويتر»، أنه كالعادة يستغل الإخوان أي جديد، لتسويق وَهْم وجود خلاف بين السعودية والإمارات، وكالعادة يفشلون.

وتساءل طه: كيف لمن تاجر بالحي والميت، ويتَّم أطفال ليبيا، وقتل نساء سوريا، ألا يبيع كذبة «الخلاف بين العظماء»، مستغلاً إجراءً احترازياً في زمن كورونا؟!