الموت يغيب سيد القمني.. من هو المفكر المصري المثير للجدل؟
عادى القمني حركات الإسلام السياسي، ودعا إلى تجديد الخطاب الديني، متخذًا من أطروحات عدة قدمها، منهجًا لموقفه من تلك الحركات، إلا أنه صعد في أكتوبر 2004، حدة معاداته للإسلام السياسي، ما عرَّضه لتهديدات بالقتل.

السياق
وفاته كأعماله، أثارت الكثير من الجدل، فالكاتب والباحث المصري سيد القمني، الذي اشتهر بمواقفه النقدية من التراث الإسلامي، توفي مساء الأحد عن عمر ناهز 75 عامًا.
الرجل الذي خاض معارك ثقافية عدة، مع أنصار التيارات الإسلامية، سواء عن طريق الكتب والأبحاث والمقالات أم المقابلات الإعلامية، اشتهر بمواقفه المطالبة بضرورة إعمال العقل في التراث الإسلامي، وعدم الركون إلى الغيبيات، وهو ما أثار الكثير من الجدل من قِبل منتقديه، الذين اتهموه بعدم التخصص.
فمن هو سيد القمني؟ ولماذا أثار الكثير من الجدل؟
وُلد الكاتب والمفكر المصري سيد القمني، في 13 مارس 1947، في مدينة الواسطي محافظة بني سويف، شمالي القاهرة.
درس الفلسفة في جامعة عين شمس، وتخرج فيها عام 1969، وعمل مدرسًا للفلسفة قبل سفره للكويت، واستكمال مشواره بالدراسات العليا في بيروت.
لم المفكر المصري يركن إلى المناطق الآمنة، بل خاض -عبر أعماله الأكاديمية- في المناطق الشائكة بالتاريخ الإسلامي.
عادى القمني حركات الإسلام السياسي، ودعا إلى تجديد الخطاب الديني، متخذًا من أطروحات عدة قدمها، منهجًا لموقفه من تلك الحركات، إلا أنه صعد في أكتوبر 2004، حدة معاداته للإسلام السياسي، ما عرَّضه لتهديدات بالقتل.
ورغم تلك التهديدات فإنه لم يتوقف عن الكتابة والهجوم على تيارات الإسلام السياسي، ففي عام 2009، خاض صراعًا مع الداعية يوسف البدري، بعد أن رفع الأخير دعوى قضائية ضد وزير الثقافة المصرية آنذاك الدكتور فاروق حسني، إثر إعلانهما فوز القمني بجائزة الدولة المصرية التقديرية للعلوم الاجتماعية.
وأشار الداعية البدري، حينها، إلى أن قيمة الجائزة التي كانت حينها تصل إلى 200 ألف جنيه مصري، مهداة لشخصية تسيء كتاباتها إلى الذات الإلهية والدين الإسلامي.
ويعد الكثيرون الكاتب والباحث المصري، صاحب فكر جريء، بينما أشار إليه آخرون بأصابع الاتهام، مؤكدين أنه غير متخصص في المسائل التي يثير الجدل فيها، وأنه كثير، بل ودائم الهجوم على الإسلام.
مؤلفات القمني
من أبرز مؤلفات سيد القمني: «حروب دولة الرسول، قصة الخلق، النسخ في الوحي، الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية، النبي إبراهيم والتاريخ المجهول، العرب قبل الإسلام».
اتهمه الكثيرون بالإلحاد، وبأنه لا يؤمن بالدين الإسلامي، ولا أي دين سماوي.
مرد الجدال الذي أثاره القمني في كتاباته، أنه تناول التاريخ الإسلامي من منظور سياسي بحت، وهو ما دفعه إلى الحديث بجرأة عن بعض الصحابة، الذين لهم دور في التاريخ السياسي بالدولة الإسلامية الأولى.
هذه النزعة تجلت بوضوح في كتابه "الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الإسلامية" عام 1996، الذي كان يؤرخ مسألة اتخاذ القرار الديني في التاريخ الإسلامي.
وظهر هذا التوجه أيضًا بوضوح في كتابيه "الدولة الإسلامية والخراب العاجل" و"الدولة الإسلامية للخلف در" اللذين صدرا عام 2007 وتناول بالنقد بناء وتأسيس وتوسع الدولة الإسلامية الأولى، وانعكاساتها على أفكار الإسلام السياسي.
تغيير المناهج
عام 2004، بدأ سيد القمني كتاباته -بشكل واضح- ضد تيارات الإسلام السياسي، إثر التفجيرات الإرهابية في مدينة طابا بشبه جزيرة سيناء المصرية.
وعلى أثر هذه المقالات، أعلن القمني تلقيه تهديدات بالقتل عام 2005، بعد أن أصدر تنظيم القاعدة في العراق رسالة تهديد له، دفعته إلى إعلان اعتزال الكتابة.
ويري القمني، على خلاف المؤرخين القدامى، أنه يتناول التاريخ الإسلامي كظاهرة بشرية وليست دينية، مشيرًا إلى أنه -أي الدين الإسلامي- رسالة سياسية تهدف إلى تأسيس دولة من وجهة نظره.
وانطلق سيد القمني، من هذه الركيزة -التي شكلت أفكاره- إلى إطلاق دعوات تغيير المناهج الدينية منذ عام 1996، واستند في دعوته إلى تراجع العملية التعليمية بالدول العربية والإسلامية في ذلك الوقت، بحسب قوله.
ويري مؤيدوه أنه اعتمد مبدأ الاجتهاد والقياس، في تناوله التاريخ الإسلامي، في محاولة لفهم السياق العام لتأسيس الدولة على مرتكز ديني، وطالبوا باستكمال هذه الرؤية وفق ضوابط علمية، إما لتأييدها وإما لنفيها أو تنقيحها، بدلًا من مهاجمتها ومحاربتها.
بينما يؤكد معارضوه، أن القمني يمارس محاولة لصبغ الدين الإسلامي وتاريخه بالأفكار الماركسية، عبر التشكيك في أصول الدين، وفق أجندة وتصورات أجنبية.
وما بين هذا وذاك، تظل كتابات القمني حاضرة، لا يمكن نفيها ولا إنكارها، بحسب باحثين، وتحتاج إلى قراءة نقدية متعمقة، بدلًا من الإقصاء لبيان الغث من السمين، لا سيما أنها طرقت باب الاجتهاد والبحث شبه المجرد لفترة تاريخية مهمة، شكلت ملامح العالم الحديث، بحسب قوله.