احتجاجات مهسا أميني.. عقوبات بريطانية ودعم أوروبي وتنصّل إيراني

أمام تواصل الاحتجاجات وعجز إيران عن تلبية مطالب المتظاهرين، اتجه النظام إلى العنف والقمع سبيلًا لوأد تلك التظاهرات.

احتجاجات مهسا أميني.. عقوبات بريطانية ودعم أوروبي وتنصّل إيراني

السياق

رغم ادعاء وزارة الداخلية الإيرانية انتهاءها، إلا أنه للأسبوع الرابع على التوالي، لم تخمد جذوة الاحتجاجات التي أشعلتها وفاة الفتاة مهسا أميني على يد ما يعرف بـ«شرطة الأخلاق» الإيرانية.

وأمام تواصل الاحتجاجات وعجز إيران عن تلبية مطالب المتظاهرين، اتجه النظام إلى العنف والقمع سبيلًا لوأد تلك التظاهرات، إلا أن وسائله رغم «عنفها» لم تُجدِ نفعًا حتى الآن، وعرضه لإدانات دولية عارمة، فيما كان الغرب في الجهة المقابلة يحاول مساندة المحتجين تارة بالرسائل الإيجابية وأخرى بسلاح العقوبات.

فبعد أن قال مصدر بوزارة الخارجية الألمانية الأسبوع الماضي إن ألمانيا وفرنسا والدنمرك وإسبانيا وإيطاليا وجمهورية التشيك قدمت 16 اقتراحًا لفرض عقوبات جديدة من الاتحاد الأوروبي على إيران بسبب قمعها للاحتجاجات التي أشعلت شرارتها وفاة مهسا أميني، اتخذت بريطانيا خطوة في ذلك الاتجاه.

وقالت وزارة الخارجية البريطانية، في بيان اطلعت «السياق» على نسخة منه، إنه بعد وفاة مهسا أميني، إثر اعتقالها من قبل شرطة الأخلاق، وما أثارته مظاهرات في أنحاء إيران، وصدمت العالم، فإن المملكة المتحدة أعلنت اليوم فرض عقوبات على جهاز شرطة الآداب بكامله، إلى جانب رئيسه محمد رستمي جشمه كجي ورئيس شعبة طهران أحمد ميرزائي.

سلسلة عقوبات

وفيما استهجنت وزارة الخارجية البريطانية ممارسات شرطة «الأخلاق» على مدى عقود والتي استخدمت فيها التهديد بالعنف والاعتقال لضبط ما يمكن للنساء الإيرانيات ارتداءه وكيفية تصرفهن في العلن، قالت إنها فرضت عقوبات على خمسة مسؤولين سياسيين وأمنيين كبار في إيران لارتكابهم انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان.

ومن بين من طالتهم العقوبات البريطانية: غلام رضا سليماني، رئيس قوات الباسيج في جهاز الحرس الثوري الإيراني، المسؤول عن الأمن الداخلي في إيران، وحسن كرمي، قائد وحدة القوات الخاصة ناجا في جهاز الشرطة الإيرانية، وحسين إشتري، القائد العام لجهاز الشرطة الإيرانية.

وتقول وزارة الخارجية البريطانية، إن قوات الباسيج ووحدة القوات الخاصة ناجا، وجهاز الشرطة الإيرانية عمومًا كان لهم دور محوري في قمع المتظاهرين في أنحاء إيران في الأسابيع الماضية، إلى جانب قمع المظاهرات المتعلقة بالوقود في 2019.

وأشارت إلى أنَّ أنباء تلقتها عن استخدام ذخيرة حية ضد المتظاهرين، بما في ذلك حين حاصرت قوات الأمن الطلاب في جامعة شريف في الأسبوع الماضي، إلى جانب دفن جثث المتظاهرين الذين قتلتهم أجهزة الأمن، دون علم أهاليهم.

رسالة بريطانية

من جانبه، قال وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي، إنَّ المملكة المتحدة تقف إلى جانب الشعب الإيراني الذي يدعو بكل شجاعة للمساءلة من جانب حكومته، ويطالب باحترام حقوقه الأساسية.

وأوضح الدبلوماسي البريطاني، أنَّ هذه العقوبات ترسل رسالة واضحة للسلطات الإيرانية مفادها: سوف نحاسبكم على قمع النساء والفتيات، وعلى العنف المروع الذي ألحقتموه بشعبكم.

وأشار إلى أنَّ هذه العقوبات تضمن عدم السماح للأشخاص المدرجين على قائمة العقوبات الحضور إلى المملكة المتحدة، إلى جانب تجميد أي من أرصدتهم في المملكة المتحدة أو لدى أي مواطنين بريطانيين في أي مكان.

وفي الأسبوع الماضي أوعز وزير الخارجية إلى وزارته ووزارة التنمية باستدعاء القائم بالأعمال الإيراني للإعراب عن إدانة المملكة المتحدة للقمع العنيف الذي تمارسه السلطان الإيرانية ضد المتظاهرين.

يأتي ذلك، فيما قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك في مقابلة صحفية نُشرت يوم الأحد، إن بلادها ستعمل على ضمان قيام الاتحاد الأوروبي بتجميد أصول المسؤولين عن حملة القمع العنيفة ضد الاحتجاجات المناهضة للحكومة في إيران وحظر دخولهم إلى دول التكتل.

16 اقتراحًا

وبحسب وكالة «رويترز»، فإن مصدرًا بوزارة الخارجية الألمانية قال الأسبوع الماضي إن ألمانيا وفرنسا والدنمرك وإسبانيا وإيطاليا وجمهورية التشيك قدمت 16 اقتراحًا لفرض عقوبات جديدة من الاتحاد الأوروبي على إيران بسبب قمعها الاحتجاجات.

وتهدف تلك الدول إلى أن يتخذ وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قرارًا بشأن المقترحات في اجتماعهم المقرر يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، مع عدم توقع أي معارضة من الدول الأعضاء.

وقالت بيربوك لصحيفة بيلد أم زونتاج: «أولئك الذين يضربون النساء والفتيات في الشوارع ويخطفون ويسجنون تعسفيًا الأشخاص ويصدرون أوامر بقتل الذين لا يريدون أي شيء سوى العيش بحرية - يقفون على الجانب الخطأ من التاريخ»، مضيفة: «لهؤلاء الناس في إيران نقول: نقف إلى جانبكم وسنستمر في ذلك».

وفي رسالة دعم لا تخطئها العين، قام نحو 40 نجمًا ألمانيًا في مجال السينما والتلفزيون والمسرح بقص شعورهم أمام الكاميرات تضامنا مع الاحتجاجات في إيران.

وفي مقطع فيديو مدته دقيقتان ونصف الدقيقة، نشرته الممثلة الألمانية ميرت بيكر من بين آخرين على إنستجرام الإثنين، قامت الممثلات كاترينا تالباخ وميريت بيكر ولينا بيكمان وياسمين طاباتاباي ونيكوليته كريبتس وميليكا فوروتان وكارين هانشوفسكي وزاندرا هولر والممثلان رونالد تسيرفيلد ودانيال تسيلمان- من بين آخرين- بقص خصلات من شعورهم.

وحمل النص المرفق لمقطع الفيديو باللغة الإنجليزية، رسالة مفادها: «تضامنًا مع كل المحتجين في إيران الآن. نحن نتفهمكم. نحن نقف بجانبكم».

لكن إلى أين وصلت الاحتجاجات؟

تقول «إيه بي سي نيوز» الأمريكية، إن أصوات طلقات نارية وانفجارات ترددت على ما يبدو في وقت مبكر من يوم الإثنين في شوارع مدينة بغرب إيران، وهي واحدة من بؤر الاحتجاجات على مقتل مهسا أميني.

وقال نشطاء، إن رجلًا واحدًا على الأقل قتل على أيدي قوات الأمن في قرية قريبة، في حوادث تأتي مع احتدام المظاهرات في المدن والبلدات والقرى في جميع أنحاء إيران بشأن مقتل مهسا أميني في 16 سبتمبر/أيلول الماضي.

وأظهرت مقاطع فيديو بعض النساء يسرن في الشوارع دون غطاء للرأس، بينما تصدَّت أخريات للسلطات وأشعلن النيران في الشارع مع استمرار الاحتجاجات في الأسبوع الرابع، فيما تمثّل المظاهرات أحد أكبر التحديات التي تواجه الثيوقراطية الإيرانية منذ احتجاجات الحركة الخضراء عام 2009.

ووقعت أعمال العنف في ساعة مبكرة من صباح الإثنين في سنندج، عاصمة إقليم كردستان الإيراني، وكذلك في قرية سالاس باباجاني بالقرب من الحدود مع العراق، بحسب جماعة كردية تُدعى منظمة هينجاو لحقوق الإنسان.

ونشرت هينجاو لقطات وصفتها بأنها دخان يتصاعد في أحد أحياء سنندج، مع ما بدا وكأنه نيران بندقية سريعة يتردد صداها في سماء الليل، فيما كان يمكن سماع صراخ الناس.

ولم ترد أنباء فورية عما إذا كان الناس قد أصيبوا في أعمال العنف، فيما نشرت هينجاو لاحقًا مقطع فيديو على الإنترنت لما بدا أنه أغلفة قذائف مجمعة من بنادق، بالإضافة إلى عبوات الغاز المسيل للدموع.

ولم تقدم السلطات أي تفسير فوري لأحداث العنف في وقت مبكر من يوم الإثنين في سنندج على بعد 400 كيلومتر غربي طهران، فيما أفادت وكالة أنباء فارس شبه الرسمية اليوم الإثنين أن إسماعيل زارع كوشه محافظ إقليم كردستان الإيراني، زعم دون تقديم أدلة، أن جماعات مجهولة «خططت لقتل شبان في الشوارع».

كما اتهم كوشة هذه الجماعات التي لم تسمها في ذلك اليوم بإطلاق النار على شاب في رأسه وقتله - وهو هجوم ألقى النشطاء باللوم فيه على قوات الأمن الإيرانية.

وأصبح إطلاق أصوات السيارات إحدى الطرق التي يعبر بها النشطاء عن العصيان المدني، وهو إجراء شهد شرطة مكافحة الشغب في مقاطع فيديو أخرى وهي تحطم الزجاج الأمامي للسيارات المارة.

وفي قرية سالاس باباجاني، على بعد حوالي 100 كيلومتر (60 ميلا) جنوب غرب سنندج، أطلقت قوات الأمن الإيرانية النار مرارا على رجل يبلغ من العمر 22 عاما كان يتظاهر هناك وتوفي في وقت لاحق متأثرا بجراحه، مضيفة أن آخرين أصيبوا في إطلاق النار.

اتهام الغرب

وفي محاولة لتهدئة الاحتجاجات وابتكار أساليب قمعية جديدة، عقدت القيادة السياسية في إيران اجتماع أزمة يوم الأحد، حضره الرئيس إبراهيم رئيسي ورئيس البرلمان ورئيس السلطة القضائية.

وبحسب بيان مشترك صادر عن رئاسة الجمهورية، دعا المشاركون في الاجتماع إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية، والوقوف ضد «المؤامرات المعادية» من أعداء النظام.

وألقت القيادة الإيرانية باللوم على الغرب في هذه الاحتجاجات، قائلة إن الاضطرابات نتيجة مؤامرة تورطت فيها الولايات المتحدة وإسرائيل و«خونة إيرانيون في الخارج».

حرب الظل.. مجددا

يأتي ذلك، فيما أعلن الحرس الثوري الإيراني إصابة قائد بالحرس في مدينة خوي، ومقتل اثنين من مرافقيه، زاعمًا أنه في حادث سير.

وفيما اكتفى الحرس الثوري بقوله إن الحالة الصحية لعلايي جيدة حيث يرقد حالياً في المستشفى، أكد أن اثنين من مرافقيه لقيا مصرعهما خلال الحادث.

إلا أن الحادث والرواية الرسمية أثار علامات استفهام، وخاصة في توقيته والذي يأتي في أعقاب عمليات اغتيال نفذتها جهات مجهولة داخل العمق الإيراني، أرجعها البعض إلى جهاز الموساد الإسرائيلي، في إطار حرب الظل التي تشتعل بين البلدين.