هل العصر الذهبي لوادي السيليكون يقترب من نهايته؟
بعض الشركات شهدت تراجعًا سريعًا في النمو، إثر سلسلة الفضائح التي هزت الوسط مؤخرًا، بما في ذلك الكشف عن مخالفات ضد شركة فيسبوك، والشكاوى العامة للمديرين التنفيذيين في مجال التكنولوجيا بالكونغرس

ترجمات – السياق
تسريح عدد كبير من العمال في "سناب شات"، وانخفاض التقييم الدراماتيكي في ميتا -الشركة الأم لـ "فيسبوك" و"إنستغرام" و"آبل"، وتجميد التوظيف في شركات التكنولوجيا الكبرى... كل ذلك أدى إلى سؤال ملح: هل اقترب العصر الذهبي لوادي السيليكون من نهايته؟
بهذا التساؤل، سلَّطت صحيفة غارديان البريطانية، الضوء على ما سمته "تراجع العصر الذهبي للتكنولوجيا"، مشيرة إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة، والنمو الاقتصادي الضعيف، إلى جانب تغير وجهات نظر الجمهور بشأن التكنولوجيا، دفعت الخبراء إلى الاعتقاد بأن حقبة وادي السيليكون تقترب من نهايتها.
وفي هذا السياق يقول خبراء، إلى صحيفة الغارديان البريطانية، إن الإجابة عن هذا السؤال معقدة، إذ شهدت صناعة التكنولوجيا نمواً مثيراً للإعجاب بعض الوقت، مدعومًا -في السنوات الأخيرة- بالوباء الذي أجبر معظم العالم على استخدام الإنترنت، وأدى إلى ازدهار الطلب على الخدمات التقنية، إلا أن هذا الاندفاع نحو "العالم الافتراضي" يبدو أنه يتباطأ.
يذكر أن وادي السيليكون يشغل منطقة في الجزء الجنوبي من خليج سان فرانسيسكو شمالي ولاية كاليفورنيا الأمريكية، وفيه مجموعة من أبرز شركات التكنولوجيا العالمية مثل "آبل" و"سيسكو" و"مايكروسوفت" و"غوغل" و"أوراكل" وغيرها.
ترجع تسمية "وادي السيليكون" بهذا الاسم، إلى وجود عدد كبير فيه من مبتكري ومصنعي رقاقات السيليكون، لكنه -نهاية المطاف-أصبح يرمز إليه على أنه منطقة تضم جميع شركات التكنولوجيا الكبرى في الولايات المتحدة.
العودة للطبيعة
وحسب "غارديان" رأت مارغريت أومارا، الأستاذة في جامعة واشنطن ومؤلفة كتاب (الكود... وادي السيليكون وإعادة صُنع أمريكا)، أن الإقبال الشديد على التكنولوجيا لا يمكن أن يستمر إلى الأبد من نواحٍ عدة، مشيرة إلى أن معظم الناس يعودون إلى طبيعتهم، التي كانوا عليها قبل الوباء، شيئًا فشيئًا.
وأشارت إلى أن هذا التباطؤ تفاقم أيضًا بسبب الانكماش العالمي الكبير، إذ رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة ثلاث مرات عام 2022 وحده، ومن المتوقع المزيد من الزيادات.
كانت معدلات الفائدة المنخفضة عززت الازدهار التكنولوجي، ما ساعد في إنشاء العديد من "الشركات أحادية القرن"، أي الشركات التي تتجاوز قيمتها مليار دولار.
وتشمل الأمثلة البارزة -حسب الصحيفة- "إير بي إن بي"، و"أوبر" بـ 47 مليار دولار و82 مليار دولار في العروض العامة لكل منهما.
ولكن مع تغير أسعار الفائدة -تقول أومارا- هناك "أموال أقل تتدفق" وبذلك يتعين على المستثمرين استخدام السيولة النقدية "بطريقة أكثر حِكمة"، مضيفة: "نعم... ستظل لدى بعض المستثمرين سيولة، لكن خلال فترة كساد كهذه، سوف يتراجع تدفق الصفقات".
اهتزاز الصورة
وترى "غارديان" أن بعض الشركات شهدت تراجعًا سريعًا في النمو، إثر سلسلة الفضائح التي هزت الوسط مؤخرًا، بما في ذلك الكشف عن مخالفات ضد شركة فيسبوك، والشكاوى العامة للمديرين التنفيذيين في مجال التكنولوجيا بالكونغرس، ونشر المعلومات المضللة وغيره.
وبينت أن كل ذلك هز صورة وادي السيليكون، حتى إن الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما قال: "أحد أكبر أسباب إضعاف الديمقراطية، التغيير العميق الذي حدث في الطريقة التي نتواصل بها ونستهلك المعلومات".
وأشارت الصحيفة، إلى أن أوباما استخدم "فيسبوك" على نطاق واسع في حملته لعام 2008 وأشاد بالشركة في خطابه عن حالة الاتحاد لعام 2011، قبل أن يعود لإدانة دورها في انتشار المعلومات المضللة، لا سيما الانتخابات.
واتهم أوباما، في 21 أبريل الماضي، المنصات الكبرى للتواصل الاجتماعي بأنها ضخمت "أسوأ غرائز الإنسانية" إلى حد كبير، رغم إقراره بأنه ما كان ليُنتخب لولا هذه الشبكات، مشددًا على ضرورة تنظيمها.
وقال أوباما أمام طلاب جامعة ستانفورد في سيليكون فالي بكاليفورنيا: "أحد أسباب ضعف الديمقراطيات التغيير العميق في طُرقنا للتواصل والاطلاع".
وأقر الزعيم الديمقراطي بأنه "ربما لم يكن ليُنتخب" رئيسًا من دون مواقع مثل "ماي سبيس" و"فيسبوك"، متحدثًا عن العمل المفيد للتوعية والتعبئة الذي يقوم به ناشطو العالم عبر الشبكات الاجتماعية.
غير أنه تحدث خصوصًا عن الجانب الآخر من نجاح "فيسبوك" أو "يوتيوب" اللذين يعتمد نموذجهما الاقتصادي على اقتصاد الانتباه، من خلال إعلانات مستهدفة واسعة النطاق، قائلًا: "لسوء الحظ، أن المحتوى المثير للفتن والاستقطاب هو الذي يجذب الانتباه ويشجع على مشاركة المستخدمين".
وأفادت الصحيفة البريطانية، بأن ما أسهم في تحجيم شركات التكنولوجيا الكبرى عالميًا، المراقبة اللحظية التي تتعرض لها من قِبل المشرِّعين والوكالات الفيدرالية في الولايات المتحدة، مشيرة إلى أن الإجراءات المتزايدة من لجنة التجارة الفيدرالية (FTC) والتشريعات التي تلوح في الأفق من الكونغرس، من أكبر العقبات التي واجهت عمالقة التكنولوجيا حتى الآن.
تغير اللعبة
من الأمور التي أسهمت أيضًا في تراجع أهمية هذه الشركات، تغير النظرة العامة للتكنولوجيا بشكل عام، إذ قال 68% من الأمريكيين إنهم يعتقدون أن هذه الشركات لديها كثير من القوة والنفوذ في الاقتصاد، ارتفاعًا من 51% عام 2018.
وتعليقًا على ذلك، نقلت "غارديان" عن أومارا قولها: "الأمريكيون قلقون جدًا بشأن القوة المركزة في يد هذه الشركات"، مضيفة: "لا أحد يمكنه أن يحظى بمعاملة خاصة لدى الأمريكيين طوال الوقت، فهذه دورة الحياة"، وأردفت: "لا أحد يمكنه أن يكون الطفل الذهبي وأن يكوِّن شركة بتريليوني دولار".
ونقلت الصحيفة البريطانية عن خبراء تقنيين قولهم، إن جغرافية وادي السيليكون بدأت تتغير أيضًا، إذ رسّخ الوادي نفسه منذ ما يقارب قرنًا مركزاً للابتكار، في المنطقة الواقعة جنوبي سان فرانسيسكو، ومن ثمّ بدأ صعوده مركزًا تقنيًا، عندما أنشأت العمليات العسكرية الأمريكية مواقع لعقود البحث بثلاثينيات القرن الماضي، وهو اتجاه استمر في المجال الخاص على مدى عقود.
وحسب الصحيفة، فإن صناعة التكنولوجيا توسعت إلى أبعد من منطقة كاليفورنيا، وهو اتجاه تسارع بسبب الوباء.
ولفتت إلى أنه عام 2021، نقلت شركة تيسلا للسيارات الكهربائية مقرها الرئيس إلى أوستن بتكساس، بعد تحركات مماثلة من شركات تقنية مثل أوراكل وهوليت باكارد.
وفي ذلك، يقول برنت ويليامز، الذي يعمل في وكالة توظيف مايكل بيغ: "هذا انعكس في التوظيف أيضًا"، مضيفًا أن هذا التأثير يطلق عليه "شتاء رأس المال الاستثماري".
وأضاف ويليامز: "غيّر كورونا اللعبة، أصبح اكتساب المواهب أمرًا تنافسيًا بالنسبة إلى الشركات، لأنها لا تستهدف الأشخاص في كاليفورنيا فحسب، بل تستهدف الجميع في الولايات المتحدة".
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الاتجاه -الانتقال لأماكن أخرى- إلى جانب ارتفاع سياسات العمل من المنزل إبان كورونا، كان من الممكن أن يكون صادمًا في أوقات ما قبل الوباء -حيث استثمرت شركات التكنولوجيا المليارات في مؤسساتها المترامية الأطراف- ما يوفر للموظفين امتيازات مثل النقل من وإلى العمل، وإعداد وجبات في الموقع.
ورغم القائمة المتزايدة من الحواجز التي تعيق عمل هذه الشركات، فإن أستاذ الاقتصاد بجامعة ستانفورد نيكولاس إيه بلوم، يقول: "يظل وادي السيليكون قويًا بشكل لا يصدق".
وأضاف أن الوادي تخطى أزمات عدة، بما في ذلك الانكماش بعامي 2001 و2008، ونجح في التعافي.
وقال إيه بلوم: "في حين أن بعض الشركات قد تهاجر إلى الخارج بسبب العمل من المنزل والعولمة، فإن وادي السيليكون لا يزال نقطة الصفر، ولا منطقة أخرى قريبة حتى من مكانته البارزة في الصناعة".
وأكد أنه "من غير المرجح أن نرى تحولاً كبيرًا بعيدًا عن تراث الوادي أو مكانه المادي في قلب خليج كاليفورنيا".
إلا أن أومارا ردت عليه بالقول، إنها ليست المرة الأولى التي يتم الحديث فيها عن "موت صناعة التكنولوجيا"، مضيفة: "قد تكون هذه نهاية حقبة لوادي السيليكون، لكن من غير المرجح أن تكون نهاية وادي السيليكون بشكل عام".