فورين بوليسي: الناتو سلعة فاخرة لا تحتاجها الولايات المتحدة

توفير الأمن للأوروبيين يسمح للولايات المتحدة بوضع أجندة الأمن الدولي، ويعزز مصداقيتها في آسيا

فورين بوليسي: الناتو سلعة فاخرة لا تحتاجها الولايات المتحدة

ترجمات - السياق

رأت مجلة فورين بوليسي الأمريكية أن حلف شمال الأطلسي (الناتو) يمثل سلعة فاخرة لا تحتاجها الولايات المتحدة في الوقت الحالي، مطالبة الدول الأوروبية بالدفاع عن نفسها.

وقالت المجلة، في تقرير، إنه على مدى عقود من الزمان كان الاعتقاد السائد في مؤسسة السياسة الخارجية بواشنطن، أن "الناتو" يمثل قيمة هائلة للولايات المتحدة، ولذا فإنه دائماً ما كان يشعر المتشككون في الحلف في واشنطن بأنهم غرباء.

وأضافت المجلة أنه طالما رأى المحللون أن الولايات المتحدة لا تزال بحاجة إلى "الناتو"، إذ يقولون إنه سبب الازدهار الاقتصادي الهائل والحرية التي يتمتع بها الأمريكيون، كما أن الأمر لا يقتصر على الازدهار والحرية، بل يرون أن توفير الأمن للأوروبيين يسمح للولايات المتحدة بوضع أجندة الأمن الدولي، ويعزز مصداقيتها في آسيا، ويساعد بتسهيل حروبها في مرحلة ما بعد أحداث 11 سبتمبر، وفي التعامل مع الصين، وقضايا تغيُّر المناخ، إضافة إلى الاستجابة للأوبئة، والهجرة، والإرهاب.

وتابعت: "قد يجادل البعض بأن تسهيل العمليات الأمريكية في الشرق الأوسط الكبير بعد 11 سبتمبر كان أمراً سيئاً، لأن المهمات نفسها كانت سيئة في الغالب، إذ أهدرت الولايات المتحدة 8 تريليونات دولار وآلاف الأرواح وقرابة عقدين من الزمن في العراق وأفغانستان، لذا فإن أي شيء ساعد في تسهيل هذه الحروب يجب أن ينظر إليه كسبب للضرر، وليس كشيء مفيد".

ورأت المجلة أن المشكلة الأكبر أن "الناتو" ليس معنياً بالاستجابة للأوبئة ولا مكافحة القرصنة، إذ لا يتمتع بقدرات ولا نفوذ للتعامل مع هذه الأهداف، لأنه تحالف عسكري من الطراز القديم، كما أنه مهما كان حجم مشكلات كالهجرة أو المعلومات المضللة، فإن الحلف لم يصمم للتعامل معها.

وأضافت: "بالنظر إلى أصول حلف الناتو باعتباره تحالفاً عسكرياً يهدف إلى ردع العدوان السوفييتي، فإنه مع خروج السوفييت وسقوط الألمان، يجب أن نسأل أنفسنا: لماذا ناضلت الولايات المتحدة بقوة للبقاء فيه بعد الحرب الباردة؟ لكن الإجابة عن هذا السؤال تبدو بسيطة، أن "الناتو" كان وسيظل وسيلة للحفاظ على بقاء الولايات المتحدة كلاعب أمني مهيمن في أوروبا".

وتساءلت المجلة: "هل يتعين على الولايات المتحدة أن تظل المزود الرئيس للأمن في أوروبا؟"، قائلة إن التطورات الأخيرة في القارة، التي حفزها الغزو الروسي لأوكرانيا، تشير إلى أن الأمر ليس كذلك.

وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن ما وصفتها بـ"نقطة التحول" الألماني أو ما قالت إنه يشبه إلى حد كبير دخولها في "حقبة جديدة" لم يكن من الممكن تصوره قبل ستة أشهر، إذ لم تكتفِ برلين بإلغاء خط أنابيب نورد ستريم 2 فحسب، بل أنشأت أيضاً صندوقاً بـ 100 مليار يورو (107 مليارات دولار) لتعزيز دفاعها، والتزمت بعد ذلك بإنفاق 2% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، كما قدمت بولندا ودول أخرى تعهدات مماثلة لزيادة الإنفاق.

ولكن وفقاً لما نقلته المجلة عن عالِم السياسة في معهد "كاتو" باري بوزين، فإن هناك سببًا للشعور بالقلق من عدم الوفاء بهذه التعهدات، إذ إنه رغم اندفاع الولايات المتحدة وإرسالها 20 ألف جندي أمريكي إضافي إلى أوروبا لطمأنة حلفائها في "الناتو"، فإن الجانب السلبي لهذا التصرف أنه عندما تُشعِر الآخرين بالاطمئنان الكافي، فإنه من المرجح أن يؤمن بك حلفاؤك، وقد لا يتحركون أو يفعلون المزيد للدفاع عن أنفسهم.

وتابعت المجلة: "من المرجح أن الأوروبيين، الذين يقفون بثقة وراء درع كابتن أمريكا، سيعودون إلى ممارسة عملهم كالمعتاد في أوروبا، فعلى سبيل المثال، قامت اليابان بالمزيد من العمل بشكل أكبر نسبياً للدفاع عن نفسها فقط، عندما كانت تخشى تراجع الولايات المتحدة، وفي هذه الحالة، فإنه يبدو أن الغزو الروسي لأوكرانيا قدَّم ما يشبه العلاج بالصدمة لتقييم التهديدات الأوروبية، ولذا فإن عودة الولايات المتحدة لتكون لهَاية أوروبا قد تعيد اللامبالاة والتقاعس عن العمل".

عام 2022، كان لدى حلفاء الولايات المتحدة القدرة على احتواء روسيا بمفردهم، لكنهم كانوا يرفضون ذلك، انطلاقاً من الاعتقاد الراسخ لديهم بأن واشنطن ستفعل ذلك من أجلهم، وبذلك فإن شعوبهم ستستفيد من إنفاق أموال الضرائب الخاصة بهم على الأولويات المحلية، حسب المجلة.

وأوضحت "فورين بوليسي" أن الولايات المتحدة لا تستطيع الحفاظ على دورها كحجر زاوية للأمن الأوروبي، بينما تتنافس بنجاح مع الصين المتنامية، كما أن التحالفات الأمريكية المكلفة في أوروبا تؤدي أيضاً إلى إضعاف تحالفاتها في آسيا.

ورأت المجلة أن مدح التحالف عبر الأطلسي لا يزال رائجاً في واشنطن، لأنه يُنظر إليه على أنه غير مكلف، لكنه في الواقع ليس كذلك، حيث ظهرت القيود على الموارد، فميزانية الدفاع، التي تبلغ 847 مليار دولار، لن تتجه إلى تريليون دولار أو أكثر في أي وقت قريب، قائلة إن "الحفاظ على هيمنة الولايات المتحدة على المشهد الأمني ​​الأوروبي سلعة فاخرة لا تحتاجها أمريكا عام 2022".

ووفقاً للمجلة، فإن الولايات المتحدة خاضت حربين، لمنع ظهور الهيمنة الأوروبية في القرن العشرين، لكن لا توجد هيمنة أوروبية محتملة في الأفق، حتى أنه رغم الصخب المحيط بروسيا، فإنها تكافح للمشاركة في مجرد جزء من جار أصغر بكثير وأفقر.

ونهاية المقال، رأت "فورين بوليسي" أنه بالنظر إلى هذه الأسباب، يجب على المدافعين عن حلف الناتو، باعتباره تحالفاً دائماً، التفكير في خطة بديلة وليس الحديث عن التحالف باعتباره علاجاً لجميع المشكلات، بما في ذلك تغيُّر المناخ والقرصنة والمعلومات المضللة، وتابعت: "أوروبا غنية وقوية بما يكفي للدفاع عن نفسها، لكن الأوروبيين لن يفعلوا ذلك، ما لم تتوقف الولايات المتحدة عن القيام بذلك بدلاً منهم".