إقبال على الاستفتاء...التونسيون يسطرون تاريخ الجمهورية الجديدة
قيس سعيد: اليوم الشعب التونسي مطالب بأن يحسم هذا الأمر

السياق
دستور جديد في تونس، يرتكز على ثوابت وشعارات رفعها البلد الإفريقي، لإضاءة طريقه نحو الجمهورية الجديدة، الخالية من تنظيم الإخوان، الذي مارس الرهاب الفكري والسياسي طوال عشرية سوداء.
ذلك الدستور، انطلق التونسيون –الاثنين- في سباق حميم، نحو الاستفتاء عليه، لتعلن تونس عن نسب للمشاركة فيه وُصفت بـ«المشجعة»، وصلت -حتى الثامنة والنصف صباحًا بتوقيت جرينيتش- إلى 6.32%.
وقال رئيس هيئة الانتخابات التونسية فاروق بوعسكر، في بيان أصدرته الهيئة صباح الاثنين، إن 564 ألفًا و753 ناخبًا أدلوا بأصواتهم داخل تونس، حتى الثامنة صباحًا، وهو رقم يفوق انتخابات 2019، التي كانت في مستوى 1.6% في حدود الساعة الثامنة صباحًا بتوقيت جرينيتش.
وفتحت أكثر من 11 ألف مركز اقتراع أبوابها أمام المواطنين، من السادسة صباحًا (الخامسة بتوقيت غرينتش) على أن تغلق في العاشرة مساء، لتمنح الفرصة لـ9.296.064 ناخبًا للمشاركة في الاستفتاء على الدستور، الذي تأمل تونس أن يضع نهاية لتنظيم الإخوان وأذنابه.
وأدلى الرئيس التونسي -مصحوبًا بزوجته إشراف شبيل- بصوته بمركز اقتراع في حي النصر بالعاصمة تونس، في الاستتفاء الذي قال إنه سينهي الأزمة السياسية، التي تسبب بها تنظيم الإخوان.
رسالة رئاسية
وقال الرئيس التونسي، في تصريحات صحفية، بعد إدلائه بصوته: «اليوم الشعب التونسي مطالب بأن يحسم هذا الأمر»، مشيرًا إلى أنه حرّ في التصويت، فتونس تؤسس جمهورية جديدة تقوم على الحرية الحقيقية والعدل الحقيقي والكرامة الوطنية.
الرئس التونسي وجَّه رسالة لمواطنيه، قائلًا: «على الشعب التونسي أن يكون في الموعد والتاريخ... نحن اليوم أمام خيار تاريخي في بناء جمهورية جديدة»، مشيرًا إلى أن الاستفتاء سيكون مرحلة مهمة وسيؤدي إلى بدء تاريخ جديد.
وهاجم الرئيس التونسي تنظيم الإخوان ومعاونيه، الذين قال إنهم يوزعون الأموال لكيلا يصوت التونسيون ويعبرون عن إرادتهم، مؤكدًا أن الرئاسة التونسية «لن تترك تونس فريسة لمن يتربص بها في الداخل والخارج».
تصريحات الرئيس التونسي وجدت ظهيرًا شعبيًا بين مواطنيه، الذين انطلقوا بأعداد غير مسبوقة إلى مراكزالاقتراع للإدلاء بأصواتهم، على المرحلة الجديدة الخالية من تنظيم الإخوان.
طارق الجميعي (24 عامًا) أحد المواطنين الذي أدله بصوته في مركز تصويت بالعاصمة تونس، قال، في تصريحات لوكالة «فرانس 24»: «بالنسبة لي الاستفتاء حماية لمستقبل بلادي»، بينما قالت محرزية عون الله (64 عامًا): آمل أن يحسن الاستفتاء أوضاعنا وأوضاع أبنائنا... الوضع سيئ».
مراكز الاقتراع
شبكة "مراقبون" أعلنت –الاثنين- أولى ملاحظاتها على عملية الاقتراع بخصوص الاستتفتاء على مشروع الدستور، مؤكدة أنها اعتمدت تقنية الفرز السريع للأصوات، من خلال عيّنة إحصائية لمكاتب الاقتراع في كل تراب الجمهورية.
وأكدت الشبكة أن 91% من مكاتب الاقتراع فُتحت في الوقت المحدد، بينما فتحت 9% من مكاتب الاقتراع بعد الموعد المحدد لها بساعة، مشيرة إلى أن 1% من ملاحظيها لم يتم السماح لهم بدخول مكاتب الاقتراع لملاحظة عملية فتح المكاتب.
وفي رسالة لتونسيي الخارج، الذين يدلون اليوم بأصواتهم في آخر أيام الاستتفاء على الدستور، التي بدأت السبت، أعلن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر، تمديد فتح مكاتب ومراكز الاقتراع بالخارج إلى العاشرة ليلًا، داعيًا أيضًا التونسيين بالخارج إلى التثبت من مراكز اقتراعهم، وعدم ادعاء عدم وجود أسمائهم.
الاستفتاء على الدستور، المرحلة الثانية على طريق إقراره، بحسب وكالة رويترز، التي كشفت بعض ملامح الدستور التونسي الجديد.
الرئيس يشكل الحكومة
تنص المادة 101 على أن الرئيس هو الذي يعين رئيس الوزراء، وكذلك أعضاء الحكومة، بناءً على اقتراح من رئيس الوزراء، بخلاف دستور الإخوان، الذي يعطي للبرلمان دورًا رئيسًا في اختيار الحكومات.
وتنص المادة 112 على أن الحكومة مسؤولة أمام الرئيس، بينما تنص المادة 87 على أن الرئيس يمارس المهام التنفيذية بمساعدة الحكومة، وتنص المادة 102 على أن بإمكان الرئيس إقالة الحكومة أو أي من أعضائها.
وبحسب «رويترز»، فإن المادة 115 تنص على أنه لكي يتمكن البرلمان من إقالة الحكومة، يتعين تأييد ثلثي النواب لحجب الثقة عنها في تصويت، بينما تنص المادة 116 على أنه حال إجراء تصويت ثان، بحجب الثقة في الدورة البرلمانية نفسها، يمكن للرئيس إما قبول استقالة الحكومة وإما حل البرلمان، ما يعني إجراء انتخابات جديدة.
برلمان غير سلطوي
وتمنح المادة 68 رئيس الجمهورية الحق في عرض مشروعات القوانين على مجلس النواب، وتقول إن لها الأولوية على المقترحات التشريعية الأخرى، بحسب وكالة رويترز، التي قالت إن المادة 61 تنص على أن التفويض الممنوح للنائب، يمكن سحبه وفق الشروط التي يحددها قانون الانتخابات، ولم يتم توضيحها.
وتنص المادة 69 على أن مشروعات القوانين والاقتراحات، التي يقدمها المشرعون، الخاصة بتعديل قوانين موجودة لا تُقبل إذا كان من شأنها الإخلال بالموازنات المالية للدولة، من دون تحديد ما يعنيه ذلك.
وينص مشروع الدستور على إنشاء مجلس ولايات جديد، ليكون غرفة ثانية في البرلمان، لكنه لا يعطي سوى تفاصيل قليلة عن طريقة انتخابه أو الصلاحيات التي يتمتع بها، بحسب الوكالة.
امتيازات رئاسية
يستخدم الدستور الجديد تعبير "الوظائف" وليس السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية، بينما تنص المادة 90 على أن الرئيس يمكنه الاستمرار في الحكم فترتين متتاليتين مدة كل منها خمس سنوات.
وتنص المادة 90 –كذلك- على أن المدة الواحدة يمكن مدها بموجب القانون، إذا لم يتسن إجراء الانتخابات في موعدها المقرر بسبب خطر وشيك، بينما نصت المادة 109 على تمتع الرئيس بالحصانة طوال فترة ولايته، ولا يجوز استجوابه عن تصرفاته أثناء تأدية مهامه.
وتسمح المادة 96 للرئيس باتخاذ تدابير استثنائية، إذا رأى أن هناك حالة خطر داهم مهدد لكيان الجمهورية وأمن البلاد واستقلالها، بعد استشارة رئيس الوزراء والبرلمان.
وتمنح المادة 106 الرئيس سلطة تعيين مَنْ يشغلون الوظائف العسكرية والمدنية العليا، بناءً على اقتراحات من رئيس الوزراء.
وتنص المادة 136 على أن الرئيس، أو على الأقل ثلث أعضاء البرلمان، لديه الحق في المطالبة بتعديل الدستور لكن لا يمكن لتلك التعديلات أن تشمل تغييرات لمدد الولاية الرئاسية المحددة بولايتين.
وتمدد المادة 140 صلاحية المرسوم الرئاسي، الذي أصدره الرئيس قيس سعيد في سبتمبر 2021 وسمح له بالحكم من خلال إصدار المراسيم لحين انتخاب برلمان جديد واضطلاعه بمهامه.
الحريات والحقوق
تتعهد مسودة الدستور الجديد بحماية الحقوق والحريات، بما يشمل حق تشكيل أحزاب سياسية وحق الاحتجاج، وينص على ضمان حرية الرأي والنشر وكذلك حرية العقيدة.
وتقول المسودة الجديدة، إن الدستور يضمن المساواة بين الرجال والنساء، والدولة ستعمل على ضمان تمثيل المرأة في الكيانات المنتخبة، وستتخذ إجراءات لمكافحة العنف ضد النساء.
وتنص المادة 55 على أنه ليست هناك قيود تحد من الحقوق والحريات "إلاّ بمقتضى قانون ولضرورة يقتضيها الدفاع الوطني أو الأمن العام" وهو مماثل لما يذكره الدستور الحالي.
وينص الدستور الجديد على أن يتولى الرئيس السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة يعينه، ويمكن أن يقيله إن شاء، من دون أن يكون للبرلمان دور في ذلك.
كذلك يملك الرئيس، القائد الأعلى للقوات المسلحة، صلاحيات ضبط السياسة العامة للدولة، ويحدد اختياراتها الأساسية، ولمشاريعه القانونية «أولوية النظر» من قِبل نواب البرلمان.
وانقسمت الوظيفة التشريعية بين مجلس نواب الشعب، الذي ينتخب نوابه باقتراع مباشر لمدة خمس سنوات، والمجلس الوطني للجهات، ويضم ممثلين منتخبين عن كل منطقة، على أن يصدر لاحقًا قانون يحدد مهامه.
وتندد المعارضة والمنظمات غير الحكومية بالنص الجديد، مشيرة إلى أنه «مفصّل على قياس» سعيّد ويحصر السلطات بيدي الرئيس، الذي لا يمكن إقالته بموجب الدستور الجديد، خلافًا لما جاء في دستور 2014، وفي المقابل للرئيس الحق في حل البرلمان والمجلس الوطني.