رياح التوافق تهب... هل تقود اجتماعات عسكريي الشرق والغرب ليبيا إلى شاطئ الاستقرار؟

تشكل ضغطًا كبيرًا على حكومة عبدالحميد الدبيبة الرافضة لتسليم السلطة

رياح التوافق تهب... هل تقود اجتماعات عسكريي الشرق والغرب ليبيا إلى شاطئ الاستقرار؟

السياق

رغم رياح الخلافات والاشتباكات، التي تهب من ليبيا، حاملة معها ملفات لم تحسم ومخاوف لم تنته، فإن أملًا يلوح في الأفق، قد يقود الدفة نحو الاستقرار الذي ضل البلد الإفريقي طريقه عشر سنوات.

ذلك الأمل بات واقعًا، بعد لقاء هو الأول من نوعه، بين عسكريي شرق وغرب ليبيا، عقد خلال اليومين الماضيين في العاصمة طرابلس، لبحث تعيين رئيس أركان موحد للجيش الليبي، وبدء خطوات توحيد المؤسسة العسكرية، ضمن المسار الأمني، الذي يعد أحد أهم المسارات في البلد الإفريقي، لأن الأزمة الليبية أمنية أكثر من كونها سياسية أو اقتصادية.

وبينما وضع اللقاء النادر اتفاق جنيف، الذي وُقِّع في أكتوبر 2021، ومحادثات القاهرة اللاحقة له، أساسًا للبناء عليه، تمخض عن بعض القرارات التي قد تضع لبنات للحل في ليبيا.

وعقد الفريق أول عبدالرازق الناظوري، رئيس أركان الجيش الليبي اجتماعًا في طرابلس، مع رئيس أركان المنطقة الغربية الفريق أول محمد الحداد، بحضور أعضاء اللجنة الليبية العسكرية المشتركة (5+5) التابعين للطرفين، استكمالًا لما بدأ العمل به في اتفاق جنيف الخاص بوقف إطلاق النار، وما انبثق عنه من بنود تتعلق بإجلاء القوات الأجنبية والمرتزقة، وكذلك إعادة دمج المسلحين .

بدء توحيد الجيش

وبعد يومين من اجتماعات متواصلة، أصدر الطرفان بيانًا مشتركًا، أعلنا فيه الاتفاق على الشروع في تحديد الخطوات الواقعية لتوحيد المؤسسة العسكرية، مع ضرورة تسمية رئيس أركان واحد للمؤسسة العسكرية، ووضع أسس تبادل وتوحيد البيانات والتنسيق في الأعمال، بين رئاسات الأركان النوعية والإدارات المختلفة.

وشد البيان على رفض العودة للاقتتال بين أبناء الوطن الواحد، ونبذ العنف ودعم مدنية الدولة، وإبعاد المؤسسة العسكرية عن التجاذبات السياسية، وتأكيد خروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية.

وأكد البيان تشكيل لجنة مشتركة، لمتابعة ملف المحتجزين والمفقودين للوصول إلى نتائج عملية، والمضي قدمًا في برنامج المصالحة الوطنية وعودة المهجرين من كل ربوع الوطن إلى بيوتهم.

وجرى الاتفاق على وضع برامج تدريب مشتركة حسب الإمكانات المتوفرة، وتفعيل القوة المشتركة، التي تم الاتفاق على تشكيلها في اتفاق وقف إطلاق النار، ووضع خطة لبدء تسيير دوريات حدودية من الوحدات المختلفة لحرس الحدود، لحماية الحدود الليبية ومنع الهجرة غير القانونية وتجارة المخدرات والجريمة المنظمة، ومكافحة الإرهاب داخل الأراضي الليبية.

نجاح عسكري

بيان قال عنه مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الليبي، اللواء خالد المحجوب، عبر «فيسبوك»، إن المؤسسة العسكرية أسست على النضال من أجل تحرير الوطن ويسري في عروقها حبه والتضحية من أجله.

واتهم اللواء المحجوب، السياسيين الذين أداروا دفة البلاد بعد أحداث فبراير 2011، بدعم المليشيات المسلحة وتشكيل أجسام موازية للجيش، إلا أنه أكد أن المؤسسة العسكرية عادت بقوة لتفرض نفسها على الساحة.

وأشار إلى أن الجيش يعمل عبر اجتماعات طرابلس، على تجاوز ما صنعه عدد من «العملاء» وتنظيم الإخوان، مشيدًا بما تمخض عنه الاجتماع من نتائج.

إشادات أممية وأمريكية

بدروها، أشادت البعثة الأممية في ليبيا، باجتماعات طرابلس، قائلة عبر «تويتر»: نشيد بهذا الحوار المهم وسنواصل دعمنا للمحادثات في المسار الأمني، لاسيما تلك التي تتم من خلال اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) بما فيها تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في أكتوبر 2020.

من جانبها، أعربت المستشارة الأممية ستيفاني ويليامز، عبر «تويتر»، عن سعادتها بما خلص إليه الاجتماع، بين الفريق أول الحداد والفريق أول الناظوري، المبني على العمل الدؤوب الذي قامت به اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) منذ اتفاق وقف إطلاق النار عام 2020، مناشدة الأطراف السياسية أن تحذو حذوهما في روح التعاون والتوافق التي يتحليان بها.

الولايات المتحدة دخلت على خط الاجتماعات، قائلة عبر سفارتها في ليبيا، إنها تضم صوتها إلى بعثة الأمم المتحدة للدعم بليبيا في الإشادة بالتقدم المحرز في المسار الأمني الليبي نحو مؤسسة عسكرية موحدة، بفضل جهود اللواء الحداد واللواء الناظوري، وكذلك اللجنة العسكرية المشتركة 5+5.

وأكدت السفارة الأمريكية، أن الولايات المتحدة ستواصل دعمها لتنفيذ اتفاقية أكتوبر 2020 لوقف إطلاق النار بما في ذلك انسحاب القوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب والمرتزقة.

رسائل داخلية وخارجية

وعن تلك الاجتماعات، قال المحلل السياسي الليبي كامل المرعاش، في تصريحات لـ«السياق»، إن اجتماع رئيس أركان الجيش الوطني الليبي مع رئيس أركان المنطقة الغربية، رسالة إلى الداخل والخارج، بأن العسكريين قادرون على التفاهم في ما بينهم، على عكس الطبقة السياسية التي وصفها بـ«الفاسدة» و«الفاشلة» منذ عام 2011.

وأشار إلى أن عقد هذه الاجتماعات بقاعدة معيتيقة في طرابلس له دلالة رمزية قوية، وتشكل ضغطًا كبيرًا على حكومة عبدالحميد الدبيبة الرافضة لتسليم السلطة، وتعد اختبارًا لحكومة باشاغا في قدرتها على حسم الأمر ودخول طرابلس.

وأكد المحلل الليبي، أن هناك ضغوطًا من العسكريين على الحكومتين لإنهاء حالة الصراع على السلطة، مشيرًا إلى أنه سيكون للعسكريين رأي آخر في مسلسل صراع القوى السياسية وفشلها في إنقاذ ليبيا.

إلا أن المحلل السياسي الليبي أكد أن ضمان نجاح جهود توحيد المؤسسة العسكرية يبقى معلقًا حتى خروج المرتزقة الأجانب والوجود العسكري التركي المباشر شمالي غرب ليبيا، مشيرًا إلى ما أن وصفه بـ«الموقف السلبي» من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا من الوجود التركي العسكري، الذي يعد العائق الأساسي للحل الأمني وحتى السياسي، يعد سكوتًا ضمنيا لاستمرار الفوضى وغياب الحل.

وأكد المحلل الليبي، أن اجتماعات العسكريين الأخيرة لا تبشر بأي حل في الأفق، مع استمرار ضبابية الموقف الغربي، مشيرًا إلى أنها رمزية فقط، ولتوجيه رسائل للحكومتين المتصارعتين على السلطة في طرابلس.

وأشار إلى أن الأزمة في ليبيا أمنية بامتياز، لكن حلها عسكريًا يواجه "فيتو" من بعض الدول الغربية، التي تفضل وضع الفوضى والدولة الفاشلة، حتى تستمر هيمنتها على ليبيا.

وعن محاولة الدبيبة الدخول على خط الاجتماعات، قال المحلل الليبي، إن الدبيبة لا يريد الإفصاح عن تواصله وحتى «توسله» للقيادة العامة، حتى لا يخسر تيار الإسلام السياسي الممثل في المفتي المعزول والمجموعة الليبية المقاتلة بقيادة عبدالحكيم بلحاج.

اجتماعات مهمة ولكن

إلا أنه قال إن هذه الاجتماعات وضعته في زاوية، وأفسدت عليه خطط الاختفاء والإنكار، خصوصًا إثر إنهاء إغلاق الحقول النفطية والموانئ، بعد عزل مصطفى صنع الله من رئاسة المؤسسة الوطنية للنفط وتعيين شخصية توافقية من شرقي البلاد.

من جانبه، قال المحلل السياسي الليبي أيوب الأوجلي، في تصريحات لـ«السياق»، إن هذا الاجتماع مهم جدًا من حيث المخرجات والتوقيت، إلا أنه لا يمكن اعتباره بداية الحل لاعتبارات عدة.

أول هذه الاعتبارات –بحسب المحلل الليبي- أن المؤسسة العسكرية في ليبيا، منذ اتفاق وقف إطلاق النار الموقَّع في جنيف، وانطلاق مباحثات اللجنة العسكرية، كانت ملتزمة ببنود الاتفاق.

وأشار إلى أن المؤسسة العسكرية نأت بنفسها عن الدخول في الصراع السياسي، مؤكدًا أن المشكلة الأساسية في ليبيا حاليًا، استغلال أموال الدولة في الحصول على دعم المليشيات التي تستمر في عرقلة الاتفاقيات، وتسعى لإبقاء حالة الفوضى، في سبيل الحفاظ على مصالحها الخاصة.