النازيون الجدد من أمريكا إلى أوروبا.. كيف تحوَّل مراهقون إلى مصدر رعب في بلدان العالم الأول؟

قائمة الهجمات المرتبطة بهذه الأيديولوجية تتزايد كل عام، وشملت إطلاق النار الجماعي في مركز التسوق أوليمبيا في ميونيخ عام 2016 والهجوم عام 2019 على كنيس ومتجر كباب في هاله، بحسب التحقيق الذي أشار إلى أنه تم تكريم المهاجمين كأبطال في محادثات الشبكة، وتحولت أعداد ضحاياهم إلى مسابقة، مع إعلان الفائز بأكثر عدد قتلى

النازيون الجدد من أمريكا إلى أوروبا.. كيف تحوَّل مراهقون إلى مصدر رعب في بلدان العالم الأول؟

ترجمات - السياق 

كشف تحقيق صحفي مشترك لـ «بوليتيكو» و«إنسايدر» بالتعاون مع الصحيفة الألمانية «فيلت إم زونتاغ»، تشكيل شبكة من النازيين الجدد، خلايا إرهابية في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، لتنفيذ هجمات مسلحة.

وأمضى مراسلو الصحف، التي تعاونت في نشر التحقيق، أكثر من عام في تفتيش الأعمال الداخلية لهذه الشبكة الإرهابية اليمينية المتطرفة، باستخدام هويات مزيفة، لينجحوا في الوصول إلى قرابة عشرين من مجموعات الدردشة الخاصة بهم.

وحصل مراسلو التحقيق على أكثر من 98 ألف رسالة، بما في ذلك الصور ومقاطع الفيديو، وكشفوا عن قوائم الموت، والتهديدات بالقتل التي تستهدف السياسيين والصحفيين، وتعليمات لكيفية صنع القنابل واستخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد لإنتاج أجزاء من الأسلحة.

التحقيق كشف كيف يمكن أن يصبح المراهقون الصغار متطرفين، لدرجة أنهم يتحدثون عن ارتكاب جريمة قتل، كما يكشف أيضًا عن الدور الذي تلعبه الشبكة في الكواليس، ولماذا تجد الأجهزة الأمنية صعوبة شديدة في تفكيكها.

استخدم التحقيق هويات مستعارة للذين تحدث معهم، إذ كان أحدهم يدعى لوكاس، وهو صبي نحيف ذو شعر أسود، يبلغ 16 عامًا حينذاك، اتخذ من ثكنة عسكرية مهجورة على بعد قرابة 45 دقيقة من وسط مدينة بوتسدام، جنوبي غرب برلين بألمانيا، موقعًا لتلقي تدريبه .

هدير من الرعد يتردد عبر فناء الموقع الذي استخدمته القوات المسلحة النظامية الألمانية، خلال الحرب العالمية الثانية، يتخلله وميض كرة نارية وانفجار قنبلة يليه آخر، بينما يقف في الجهة المقابلة لوكاس يصوِّر تلك الانفجارات بهاتفه المحمول.

وقبل أشهر، أنشأ عدد من النازيين الجدد الشباب من بلدان عدة، يعتقدون أنهم يخوضون «حربًا عرقية» مجموعة عبر الإنترنت، وصف فيها لوكاس تلك القنابل، التي يفجروها في الموقع، بأنها اختبار لهم.

لوكاس ذو الـ 17 عامًا، عضو بشبكة الشباب من جميع أنحاء العالم، والمراهقين الذين يتبادلون الأفكار اليمينية المتطرفة، والدعاية النازية ومقاطع الفيديو للهجمات. يتحدث هؤلاء عن النقطة التي يعتقدون فيها أن عليهم حمل السلاح ضد النظام الليبرالي.

هناك العشرات من المجموعات المماثلة المرتبطة بشبكة دولية، تمتد من الساحل الغربي للولايات المتحدة إلى أوروبا الغربية ودول البلطيق، وتطلق تلك المجموعات على نفسها أسماء عسكرية مستوحاة من دعاية الاشتراكيين الوطنيين، أبرزها من حيث العضوية تسمي نفسها فرقةFeuerkrieg ، أوFire War .

لوكاس من بوتسدام،  ليس مجرد تابع، فلقد أنشأ مجموعته الخاصة المرتبطة بشكل وثيق بالشبكة، وأطلق عليها «أسلحة الموت»، ويُظهر لوكاس نفسه على أنه مناضل من النازيين الجدد، كما قام بإنشاء صور دعائية خلال عطلات التزلج.

في سياق هذا التحقيق، تمكنت فرق التحرير من معرفة الأسماء الحقيقية لبعض أعضاء المجموعة، بمن في ذلك لوكاس، الذي أخفى نفسه على الإنترنت باسم مستعار.

رحلة مدرسية

وفقًا لمصادر في دائرته، وُلد  لوكاس، في بيلاروسيا لأم بيلاروسية وأب كازاخستاني من أصل ألماني، انتقلت العائلة إلى بوتسدام عندما أنجبت الأسرة ولدين، لا يزال لوكاس يشترك في غرفة نوم مع أحدهما في منزل الوالدين.

وهناك صور طفولة لوكاس على الإنترنت رفعها أقاربه، تظهر أعياد الميلاد مع أكواب حفلات بلاستيكية، وعطلة عائلية في بولندا، في إحدى هذه الصور، يجلس لوكاس على مركبة عسكرية مع أحد أشقائه ووالدهم.

وقال مصدر عن صورة المركبة العسكرية، إن العائلة ذهبت إلى ساحة إطلاق النار عندما كانت بعطلة في بيلاروسيا، وسمحت للصبية بالانضمام إليها، وإطلاق النار.

ولا يزال للعائلة أقارب في بيلاروسيا وهناك مؤشرات على أن لديهم منزلًا هناك أيضًا، بينما كتب لوكاس ذات مرة أنه احتفظ بمسدس هناك، وقال شخص قريب منه إنها بندقية هوائية تابعة للأسرة.

في بوتسدام، تطوع لوكاس كدليل لمعرض مدرسي، كان يدور حول التطرف اليميني، وكان دور لوكاس التحدث مع الزوار من خلال لوحة عرض لرموز اليمين المتطرف.

وفقًا لمصدر، حتى في هذه المرحلة المبكرة كان لوكاس غالبًا ما يستخدم الكمبيوتر الخاص به، وقضى الكثير من الوقت على Discord ، وهي منصة اجتماعية لمحبي ألعاب الفيديو، وهناك ضايق هو وآخرون من أمثاله المثليين والمثليات.

نقطة تحول

في سن الـ15، ذهب لوكاس في رحلة مدرسية إلى معسكر اعتقال، بزيارات كان الهدف منها تعليم الأطفال الفظائع النازية ومخاطر الأيديولوجية النازية، لكن، كما قال شقيقه للصحفيين لاحقًا، كانت زيارة لوكاس لمعسكر الاعتقال نقطة تحول.

فعندما عاد إلى المنزل، قام بتغيير صورة سطح المكتب على الكمبيوتر الخاص به إلى صليب معقوف، ثم كتب لوكاس أنه أدرك لأول مرة «كراهيته» في سن 14 أو 15 عامًا.

وقال لوكاس في مجموعة الدردشة الخاصة به: كان حقيقيًا أنني اشتراكي قومي، لكن الآن أنا أقاتل من أجل هذا، ويصف الهولوكوست بأنها «تطهير»، مضيفًا أنه لا يستطيع فهم كيف يمكن للناس أن يعتقدوا أن ذلك لم يحدث.

في مرحلة ما، أنشأ لوكاس ملفًا شخصيًا على شبكة اجتماعية روسية، واضعًا صورة مموهة لملفه الشخصي، كان مموهًا ووجهه مغطى بقناع جمجمة، وكتب أعلى صفحته: «غط العالم بحمام دم».

ما علاقة ماسون؟

يقول التحقيق المشترك: لفهم ما قد يحدث في رؤوس الشباب مثل لوكاس، نحتاج إلى إعادة عقولنا إلى الوراء بضع سنوات، إلى الجانب الآخر من المحيط الأطلسي، إلى ولاية كولورادو الأمريكية، موطن جيمس ماسون.

انضم ماسون إلى حزب نازي أمريكي، عندما كان عمره 14 عامًا فقط، بعد ذلك بعامين كان يخطط لقتل مدير المدرسة، رغم أنه في النهاية لم ينفذ خطته، وفي الشبكة التي أصبح لوكاس عضوًا فيها، يجب قراءة كتاب ماسون بالنسبة للكثيرين من المتطرفين اليمينيين، الذين يعدونه أكثر أهمية حتى من كتاب هتلر "كفاحي".

ودعا ماسون -في كتابه- إلى إغراق المجتمع الليبرالي في حرب أهلية، مشيرًا إلى أن شيئًا كذلك لا يتطلب إنشاء منظمات جماهيرية، بل يحتاج فقط قتلة أو خلايا صغيرة لتنفيذ هجمات على البنية التحتية أو السياسيين أو الأقليات، ما يؤدي إلى فوضى وتمهيد الطريق لثورة اليمين المتطرف.

واكتسب ماسون وأفكاره أتباعًا كثيرين في السنوات الماضية، ما أدى إلى تشكيل مجموعات وخلايا وأفراد في أوروبا وكندا والولايات المتحدة.

ويطلق باحثو التطرف على هذه الاستراتيجية «التسارع المتشدد»، بحسب توماس هالدينفانج، رئيس المكتب الفيدرالي لحماية الدستور في ألمانيا، الذي قال إن مشهد الحصار يكتسب المزيد من القوة في ألمانيا أيضًا.

وتابع: «الشباب على وجه الخصوص، بعضهم لا يزال قاصرًا، وأصبحوا تابعين، ولم يعد من غير المعتاد أن تجد قاصرين يدعون إلى العنف أو حتى يخططون لأعمال عنف بأنفسهم».

قائمة الهجمات المرتبطة بهذه الأيديولوجية تتزايد كل عام، وشملت إطلاق النار الجماعي في مركز التسوق أوليمبيا في ميونيخ عام 2016 والهجوم عام 2019 على كنيس ومتجر كباب في هاله، بحسب التحقيق الذي أشار إلى أنه تم تكريم المهاجمين كأبطال في محادثات الشبكة، وتحولت أعداد ضحاياهم إلى مسابقة، مع إعلان الفائز بأكثر عدد قتلى.

مصنع الأسلحة

في صيف 2020، بعد بضعة أشهر من زيارته إلى ساكسنهاوزن، ترك لوكاس مدرسة بوتسدام الثانوية وبدأ تدريبًا مهنيًا، وفي نوفمبر 2020، أنشأ مجموعة دردشة على خدمة تليجرام أطلق عليها «أسلحة الموت»، تضم عددًا قليلاً من ذوي التفكير المماثل الذين التقاهم عبر منصات ألعاب Discord و Roblox.

وبين نوفمبر 2020 ومايو 2021، نشر ما يقرب من 100 مستخدم من بلدان مختلفة، بما في ذلك إستونيا وفرنسا والولايات المتحدة، رسائل إلى مجموعة «أسلحة الموت»، مستخدمين اللغة الإنجليزية، بينما أطلقوا على أنفسهم أسماء عسكرية مثل «رجل الحرب».

ويقول التحقيق، إن تلك المجموعة لا تواجه على «تليجرام» أي قيود عند مشاركة صور الرؤوس المتفجرة بين أعضاء المجموعة، مشيرًا إلى أن هؤلاء المراهقين انتقلوا من ألعاب الفيديو، أواخر نوفمبر إلى الحقيقة، بعد أن صوتوا لصالح إنشاء مجموعة إرهابية حقيقية.

في اليوم نفسه، نشر صبي يستخدم الاسم الرمزي إدوارد صورة للدردشة، أظهر مدفع رشاش MP40 يشير إلى أرضية صفائحية، كان هذا هو السلاح القياسي الذي استخدمه الفيرماخت هتلر.

ومن خلال مساراته الرقمية، يمكن التعرف إلى إدوارد على أنه نازي جديد يعيش في رومانيا، نهاية عام 2020، كان يبلغ من العمر 13 عامًا فقط، ولفترة من الوقت يبدو أنه أفضل رفيق لـ«لوكاس».

كان هو ومستخدم من بولندا، يبلغ من العمر 11 عامًا، يطلق على نفسه «يهود الغاز»، بين أول من انضموا إلى مجموعة الدردشة التي أنشأها لوكاس.

ويُطلب من الأعضاء الجدد في المجموعة بأداء اليمين، ويقسمون أنهم سوف يطيعون أوامر القيادة، ويتعين على الأعضاء الجدد أيضًا تحديد ما إذا كانوا قد قرأوا كتاب ماسون أم لا.

وأثنى أعضاء المجموعة على الإرهابي اليميني المتطرف، الذي قتل 51 شخصًا بالرصاص بمسجدين في مدينة كرايستشيرش بنيوزيلندا عام 2019، مشيرين إلى أنه أسطورة. وكرموا أندرس بريفيك، الإرهابي اليميني المتطرف الذي قتل 77 شخصًا في أوسلو عام 2011، وأطلقوا عليه «القديس».

بعد يومين من نشر إدوارد صورته للمدفع الرشاش، تحولت أفكاره إلى الحصول على المزيد من الأسلحة، فكتب أنه يريد طابعة ثلاثية الأبعاد، حتى يتمكن من طباعة المسدسات.

وفي رسالة نُشرت في ديسمبر2020، أوضح لوكاس إلى أي مدى هو مستعد للمضي قدمًا في طريقه، قائلًا: «أراهن في وقت ما أنني أشعر بالجنون، لدرجة أنني سأضع قنبلة على الموقع التالي، حيث ستلقي جويجيلا خطابها»، في إشارة إلى أنجيلا ميركل.

أواخر فبراير 2021، نشر لوكاس سلسلة من الصور التي يمكن رؤيته فيها وهو يقطع صليبًا معقوفًا من قطعة من الورق المقوى لاستخدامه كقالب، في اليوم نفسه نشر لوكاس صورة له مرتديًا الصليب المعقوف كصورة للذراع في غرفة نومه في بوتسدام.

وذات ليلة أوائل شهر مارس، خرج لوكاس، لنشر دعايته في بوتسدام، واضعًا ملصقًا عليه عبارة «تمرد على النظام اليهودي».

إلا أن التحقيق، قال إنه لفهم كيفية عمل شبكة الإرهابيين المراهقين هذه، لا نحتاج إلى النظر إلى أبعد من إستونيا، فأواخر عام 2018 شكل صبي صغير (11 عامًا) يعيش في جزيرة ساريما الإستونية جماعة يمينية متطرفة، ضمت أعضاء من جميع أنحاء العالم، سماها فرقة فيوركريغ وأطلق على نفسه «القائد».

هؤلاء الأعضاء، ومعظمهم من المراهقين والشباب، يتحدثون عن تخيلاتهم في القتل، غالبًا بالتفصيل. لقد ثبت أن فرقة فيوركريغ وراء قائمة طويلة من الهجمات المخطط لها في جميع أنحاء العالم.

ضربات أمنية

عام 2019، ألقي القبض على كونور كليمو، 23 عامًا، في لاس فيجاس، بتهمة التخطيط لهجمات على كنيس يهودي وحانة للمثليين، وحُكم عليه بالسجن عامين.

كما ألقت الشرطة في أمريكا، القبض على جاريت ويليام سميث، وهو جندي من كنساس عام 2019، بتهمة التخطيط لهجوم على محطة إخبارية، وحُكم عليه بالسجن 30 شهرًا.

وفي العام نفسه، اعتقلت الشرطة في المملكة المتحدة، بول دنليفي، 16 عامًا، بعد محاولته شراء بندقية، بينما كان يخطط لهجمات إرهابية، وحُكم عليه بالسجن خمس سنوات وستة أشهر.

كما اعتقلت الشرطة في المملكة المتحدة عام 2019، لوك هنتر، 21 عامًا، بتهمة التحريض على هجمات إرهابية، وحُكم عليه بالسجن أربع سنوات وشهرين.

إلى ليتوانيا التي ألقت القبض عام 2019 على جيديميناس بيرزينسكاس، 20 عامًا، في فيلنيوس بعد محاولته تفجير مبنى إداري، وحكم عليه بالسجن عامين وأربعة أشهر.

أما ألمانيا فاعتقلت القوات الخاصة عام 2020، فابيان د، كهربائي يبلغ من العمر 22 عامًا، في مكان عمله، لمحاولته صنع بندقية هجومية لاستخدامها في هجوم، وحُكم عليه بالسجن عامين.

كل هؤلاء الشباب كانوا أعضاء في فرقة فيوركريغ، التي صنفتها قوات الأمن في جميع أنحاء العالم على أنها تهديد خطير، بينما صنفتها المملكة المتحدة عام 2020 جماعة إرهابية، وحذت حذوها دول أخرى، بحسب التقرير السنوي الأخير للوكالة الفيدرالية الألمانية للأمن الداخلي.

فرقة فيوركريغ مصدر إلهام لوكاس، فغالبًا ما يشير إليها في مجموعة دردشة أسلحة الموت، ففي مارس 2021، على سبيل المثال، كتب أن المجموعة تحتاج إلى شعارها الخاص، وأنه يجب أن يعتمد على شعار قسم فيوركريغ الأول "الجمجمة".

معركة غير متكافئة

بالنسبة للسلطات، فإن هذه ليست معركة على قدم المساواة، فالمجموعات تختفي فقط لتظهر مرة أخرى، وتتم إعادة استخدام أسماء المجموعات والأسماء المستعارة، بحسب التحقيق الذي قال إن الروابط بين أعضاء المجموعة ليست نتاج تنظيم صارم، بقدر ما هي نتاج أيديولوجية مشتركة.

تكمن قوة الشبكة في حقيقة أنها ليست مجموعة ثابتة، لكنها مجرد مجموعة فضفاضة من الأفراد، يمكن أن يتمركزوا بأي مكان في العالم، كل ما يحتاجونه هو كمبيوتر وهاتف محمول وغرفة نوم، بينما تجمعهم أيديولوجيتهم.

ووفقًا لوكالة إنفاذ القانون الأوروبية "يوروبول" فإن هذا التحول من التسلسل الهرمي الواضح إلى مجموعة فضفاضة من الأفراد، يجعل من الصعب للغاية محاكمة هذه الجماعات، مشيرة إلى أنه في هذه المواقف المعقدة، يتعين التعامل مع الأفراد، لأن فردًا أو اثنين يمكن أن يشكلاً تهديدًا.

وقال ميرو ديتريش خبير في الإرهاب اليميني المتطرف بمركز المراقبة والتحليل في برلين، التي تراقب بشكل منهجي اتصالات اليمين المتطرف على تلجرام، إن الأمر استغرق سنوات حتى تبدأ السلطات في أخذ المساحات الرقمية على محمل الجد، مشيرًا إلى أنه حتى الآن هناك نقص في إنفاذ القانون.

وأشار إلى أن ذلك النقص، سمح لثقافة فرعية إرهابية يمينية متطرفة بأن تتطور من دون عوائق، مضيفًا: «بدأ الشباب التحول إلى التطرف قبل ذلك بكثير... في سن الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة يكونون قد وصلوا بالفعل إلى نهاية دوامة الكراهية، ويمكن للمراهقين تنفيذ استراتيجية الخلايا غير المترابطة والمهاجمين المنفردين، التي اقترحها جيمس ماسون بسهولة».

في الديمقراطيات، هناك أيضًا مسألة سن المسؤولية الجنائية، فلم تتمكن السلطات الإستونية من مقاضاة «القائد» الشاب لفرقة فويركريج، لأنه كان يبلغ من العمر 13 عامًا.

ورغم أن ذلك الشاب أعلن في فبراير 2020 حل الفرقة، فإنها بعد عام ظهرت مرة أخرى، في الملصقات والنشرات الدعائية وعلى «تليجرام» بزعيم جديد وهو مراهق آخر من إستونيا، لا يزال يستخدم الاسم المستعار «القائد».

النظام الحديدي

الساعة 5:45 صباح 8 مايو 2021، كتب لوكاس في مجموعته أنه كان خارجًا في دورية، ناشرًا بعض الصور لملصقات مجموعة «أسلحة الموت» التي كان يروجها.

أحد هذه الملصقات علقها خارج مدرسته القديمة، التي تركها قبل نحو عام. وفي الصباح التالي، عندما اكتشف الموظفون الملصق، أبلغوا الشرطة التي حضرت، وسجلت ملفًا لمجموعة «أسلحة الموت» عندها، لكنها لا تعرف أن مؤسسها لوكاس.

وطلب لوكاس مواد كيميائية لقنابله بأقل من 60 يورو، من «أمازون»، لتصله بعد أقل من أسبوعين، كمية من المواد الكيميائية وكيلو من الكبريت، و250 جرامًا من مسحوق المغنيسيوم وما شابه، هذه هي المواد الكيميائية التي يستخدمها في صنع القنابل التي يختبرها في موقع الجيش المهجور.

بعد أيام قليلة من نشر لوكاس الصور على مجموعة «أسلحة الموت»، كشف التحقيق أن هناك صلة بينه وبين قائد فرقة فيوركريغ، وأنهما على اتصال مباشر.

في ذلك الوقت، كان قائد فيوركريغ ينشئ نوعًا من المنظمات الإرهابية الجامعة باسم «النظام الحديدي»، بحسب التحقيق الذي أشار إلى أن وثيقة داخلية من عام 2021، تضمنت شعارات إحدى عشرة مجموعة وقَّعت ما عُرف بـ«التحالف الاشتراكي الوطني».

وينشط العديد من أعضاء المجموعات في «النظام الحديدي»، في مجموعات دردشة، بينما بدأ لوكاس التفكير في كيفية حصوله على سلاح ناري، فهاتف تاجر أسلحة أرسله إليه بدوره صورًا لبندقيتين نشرهما في الدردشة.

في صيف 2021، تلقت شرطة براندنبورغ بلاغًا من سلطة أخرى، بعد ذلك بوقت قصير، فتش الضباط شقة العائلة وصادروا الكمبيوتر المحمول والهاتف المحمول الخاص بلوكاس، جنبًا إلى جنب مع علم الحزب النازي والمواد الكيميائية المتبقية على ما يبدو من تجربته في صنع القنابل، وأخذ الضباط لوكاس إلى مركز الشرطة واستجوبوه، إلا أنهم تركوه يذهب.

وبحسب التحقيق، فإن الاستيلاء على أجهزته يعني أن لوكاس، لم يعد قادرًا على الوصول إلى مجموعات الدردشة الخاصة به، فحل محله إدوارد كرئيس لمجموعة «أسلحة الموت».

 في خريف 2021، اختفى أيضًا، تبعه بقية المجموعة، لتنتشر شائعة في غرف الدردشة اليمينية المتطرفة، بأن والدة إدوارد أخذت هاتفه المحمول.

تستمر التحقيقات، ويُظهر التحقيق أن الشرطة لم تكن حصلت على أي دليل من الموقع الذي فجر فيه لوكاس قنابله، فإحداها حطمت قاعدة خرسانية إلى أجزاء لا تزال موجودة.

وفي أغسطس الماضي، طعن شاب يبلغ من العمر 15 عامًا في مدرسة ببلدة إيسلوف السويدية مدرسًا في بطنه، وفي يناير من هذا العام، جرح صبي يبلغ من العمر 16 عامًا مدرسًا.

وأظهرت وثائق من التحقيقات السويدية أن المراهقين كانا على اتصال ببعضهما، وتحركا في النوع نفسه من الدوائر مثل لوكاس.

بدورها، قالت مارتينا رينر، عضو الحزب اليساري في البوندستاغ- البرلمان الألماني- إن مركز مكافحة التطرف والإرهاب المشترك في جمهورية ألمانيا الاتحادية، الذي يضم أجهزة المخابرات والشرطة، ناقش تلك المجموعات بشكل سري للغاية، إلا أن التحقيقات التي لم تسفر -حتى الآن- عن أي نتائج.

أواخر ديسمبر 2021، عندما كانت التحقيقات لا تزال جارية، ظهر لوكاس في مجموعات الدردشة على الشبكة مرة أخرى، حيث كان يحاول الاتصال بقسم فيوركريغ، ويريد قبوله في محادثة داخلية

وأوائل عام 2022، أعيد هاتف لوكاس والكمبيوتر المحمول إليه، بعد أن قال إنه تعاون مع الشرطة عندما فتشوا منزله وأنه «للأسف» أعطاهم كلمات المرور الخاصة به، لأن والدته كانت تضغط عليه.

وعندما سُئل عن سبب استمراره بالنشر في الدردشات القديمة، أجاب: «أعرف بعض الأشخاص، فهم لطفاء للغاية، وأنا أحبهم». يكتب أنه «قومي» وقد يجرب نشاطًا قانونيًا، وربما ينضم إلى حزب، لكن عليه أولا أن يجد موطئ قدم.

ماذا لو وجهت إليه تهمة؟

في الآونة الأخيرة، كان هناك بعض التحركات بين سلطات التحقيق الدولية: فقبل فترة وجيزة من عيد الفصح 2022، ألقي القبض على شاب يبلغ من العمر 15 عامًا في الدنمارك، بتهمة الانتماء إلى قسم فيوركريغ.

في الوقت نفسه تقريبًا، اختفى العديد من اللاعبين الرئيسين في الشبكة وسكتت القنوات الدعائية، ومنذ ذلك الحين، كان هناك نشاط أقل قليلاً في العديد من الدردشات، ويفترض الأشخاص في الحركة أن العديد من رفاقهم قد تم اعتقالهم في الوقت نفسه، في الولايات المتحدة وهولندا، لكن منذ فترة طويلة تم تشكيل مجموعات جديدة.

زيارة منزلية

نهاية مايو من هذا العام، قرع الصحفيون جرس باب شقة في الطابق الثامن من مبنى سكني وسط بوتسدام، فتح الباب من قبل والدي لوكاس، اللذين طلبا معرفة من هؤلاء الأشخاص ولماذا حضروا من دون إنذار، ليجيبهم المراسلون الذين أجروا التحقيق أنهم يعرفون عن تفتيش الشرطة من خلال الأحاديث، وأنهم يريدون التحدث مع لوكاس.

وقال والد لوكاس إن ابنه لم يؤذِ أحداً قط، وترد والدة لوكاس باللغة الروسية قائلة إنها مصدومة ومذعورة، ولا تفهم كيف يمكن أن يحدث كل ذلك.

أوائل يونيو الماضي، اعتقلت سلطات براندنبورغ لوكاس من شقة والديه، ليقبع في السجن بمكان ما في ماركيش أوديرلاند، بينما صنفه جهاز أمن الدولة على أنه شخص خطير، ويشكل خطرًا حقيقيًا على الجمهور، وأنه كان يعد لعمل عنف خطير ضد الدولة.