استراتيجية هدم الجدران... هل تتحول نيجيريا إلى رقة جديدة؟

داعش يحاول في الفترة الأخيرة الظهور كأنه مازال قويًا، بالعمليات التى يقوم بها في منطقة القرن الإفريقي والساحل الإفريقي

استراتيجية هدم الجدران... هل تتحول نيجيريا إلى رقة جديدة؟

السياق

لم يكن الهجوم الذي تبناه تنظيم داعش، في العاصمة أبوجا، الذي أسفر عن هروب نحو 440 سجينًا، مجرد عمل إرهابي تقليدي في إفريقيا، لكنه يؤشر على رؤية التنظيم ومستقبلا على الأرض هناك.

وأشار خبراء لمنصة "السياق" إلى أن تنظيم داعش ينفذ استراتيجية "هدم الجدران"، التي دعا إليها زعيم التنظيم السابق أبو بكر البغدادي في مقطع فيديو عام 2019، لتحطيم أسوار السجون لتهريب مسلحي التنظيم.

ويذكر الخبراء أن هذه الاستراتيجية كانت بداية ظهور داعش عام 2014، بعد عمليات "الهروب الكبير" من سجون العراق على يد التنظيم الإرهابي عام 2013.

ويستند الخبراء في رؤيتهم إلى طبيعة العلاقات المتشابكة بين الجماعات الإرهابية وعصابات التهريب وزعماء القبائل المحلية في إفريقيا عمومًا ونيجيريا على وجه الخصوص، فضلًا عن توسع خريطة التنظيمات الإرهابية نفسها، وتعقيداتها المختلفة بين القاعدة وداعش، وهو ما يثير تساؤلا عن قدرة التنظيم في بناء نفوذه على الأرض؟

حرب نفسية

الدكتور خالد عباس، الخبير بمرصد الأزهر لمكافحة الإرهاب والتطرف، يقول لـ"السياق": بعد الضربات الموجعة المتلاحقة للتنظيم خلال الفترة الأخيرة، ظهر داعش كأنه يترنح ولم يقم بعمليات لها وزن كبير سوى عمليتين بارزتين وواضحتين هما تهريب عدد من مسلحي التنظيم الإرهابي من سجن الحسكة في سوريا، وعملية أخرى مشابهة تمامًا في نيجيريا، قامت بها جماعة بوكو حرام التي أعلنت ولاءها لداعش.

ويشير عباس إلى أن العملية الأخيرة تعكس الهشاشة الأمنية في نيجيريا، خاصة الاستخباراتية، كما يرى أن داعش يحاول في الفترة الأخيرة الظهور كأنه مازال قويًا، بالعمليات التى يقوم بها في منطقة القرن الإفريقي والساحل الإفريقي.

ولفت الخبير بمرصد الأزهر لمكافحة الإرهاب والتطرف، إلى أن التنظيم يمارس "حربًا نفسية"، عبر الترويج إعلاميًا بأنها تسيطر على الأرض، وهو أمر غير صحيح في الواقع.

ولكن هذا الواقع، لا ينفي بحسب عباس، الخلل الأمني والاستخباراتي في نيجيريا، الذي ربما يرجع جزء كبير منه إلى الخلل والفساد المستشري بها، فهي من أغنى دول إفريقيا، ورغم ذلك تعاني نسبة عالية من الفقر، لا يشعر النيجيري معها بالانتماء، وقد استطاعت داعش استقطاب عدد كبير من النيجريين خاصة من المناطق التي تعاني الفقر ويغيب فيها الأمن.

وأوضح أن التنظيم يحاول التوسع بشكل أو بآخر في نيجيريا استغلالًا لهذه الظروف، لتعويض خسائره فى مناطق أخرى بالعراق وسوريا، عبر العلاقات مع شيوخ القبائل والدفع لهم وتوفير خدمات، لافتًا إلى أن هذه التنظيمات، التي تدعي الدفاع عن الإسلام، تقوم بعمليات أشبه ما تكون بقطع الطرق، واختطاف الأطفال والفتيات وسرقة الأموال بالإكراه.

ويستبعد عباس أن يعيد داعش خلافته المزعومة غربي إفريقيا، وقال إنه يستبعد أن تتحول نيجيريا إلى الرقة الجديدة، لاسيما أنها دولة ذات مؤسسات أمنية ولها باع أيضًا في محاربة الإرهاب، رغم الفساد المنتشر في البلاد.

لكنه شدد على ضرورة تلقي القوات الأمنية في نيجيريا تدريبات حديثة فى مواجهة داعش، والتعاون مع دول الجوا، وخصوصا في موريتانيا، للقضاء على هذا التنظيم.

الأزمة الاقتصادية

يتفق مع الرأي السابق، لواء دكتور شوقي صلاح، الخبير في مكافحة الإرهاب، الذي قال لمنصة "السياق"، إن داعش يستغل الأزمات الاقتصادية التي تعيشها الدول الإفريقية جنوب الصحراء، حتى يؤمن مكانًا له على الأرض.

وأوضح أن متابعة حركة التنظيمات الإرهابية في الآونة الأخيرة، تؤكد تنامي أنشطة هذه التنظيمات في إفريقيا، خاصة في ليبيا ومالي ونيجيريا.

ولفت إلى أن داعش استغل وجود فراغات أمنية في هذه الدول وباشر أنشطته، لتوسيع نطاق سيطرته على مساحات من الأرض، لإعادة دولته المزعومة.

ويشير الخبير في مكافحة الإرهاب إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية أولت جل اهتمامها لهذا الملف، حيث اجتمع أنتوني بلينكن وزير خارجيتها – منذ شهرين تقريبًا – بوزراء خارجية وممثلي ما يزيد على 80 دولة –أغلبيتهم من الدول الإفريقية- في مراكش بالمغرب، لتنسيق التعاون الأمني الدولي لمواجهة تمدد تلك التنظيمات، خاصة داعش في إفريقيا.

ويرى الدكتور شوقي صلاح، أن هذه التنظيمات يمكن أن تستغل الآثار السلبية للحرب الروسية الأوكرانية، خاصة ما يتعلق بالارتفاعات الكبيرة لأسعار مصادر الطاقة (البترول والغاز) والغذاء (خاصة أسعار القمح)، وقد حذرت منظمة الفاو من انفجار 20 بؤرة جوع لدول أغلبيتها من إفريقيا، تأثرًا بتداعيات تلك الحرب.

وتوقع أن يستغل تنظيم داعش الاحتجاجات الشعبية، الناشئة عن انفجار بؤر الجوع المشار إليها، لاستهداف مصالح الدول المشاركة في الصراع الأوكراني، وأهمها المصالح الأمريكية ودول من حلف الناتو من ناحية، والمصالح الروسية من ناحية أخرى، حتى يظهر كأنه يدافع عن حقوق المظلومين وأمنهم الاقتصادي، الذي انتهك بسبب هذه الحرب، لتغيير صورته الذهنية أيضًا، التي قد تمكنه من تثبيت وجوده على الأرض بدعم شعبي.

مسلحون جدد

الدكتور إيهاب شوقي، الخبير في الشؤون الإفريقية يقول لمنصة "السياق" إن تنظيم داعش يسعى بهذه الهجمات، إلى استقطاب مسلحين جدد.

وأشار إلى أن داعش يعاني نقصًا عدديًا في إفريقيا، لذا بدأ "تحطيم أسوار السجون" خصوصًا في نيجيريا، إذ بدأ التنظيم -العام الماضي- الهجوم على أحد سجون جنوب نيجيريا.

وعام 2021، هاجم مسلحون سجنًا بولاية أويو في ساعة متأخرة وأطلقوا سراح ما يزيد على 800 نزيل بالقوة، الأمر الذي ترك كثيرين في حالة من الصدمة والتخوف بشأن مدى توفير الأمن والأمان، في الوقت الذي تكافح فيه الدولة المتطرفين والتنظيمات المسلحة شمالي البلاد، الذي يشهد اضطرابات كثيرة.

تعود هذه الاضطرابات والاحتجاجات، في جانب كبير منها، بحسب شوقي، إلى عدم استطاعة الرئيس النيجيري محمد بخاري تقديم إجابات لأسئلة المواطنين عن كيفية غزو المهاجمين لقوات الأمن أثناء الخدمة ومدى سلامتهم، في البلد الذي يبلغ عدد سكانه 206 ملايين نسمة.