السيروتونين... هل مازال هُرمون السعادة؟
تزامن انتشار نظرية اختلال التوازن الكيميائي مع زيادة هائلة في استخدام مضادات الاكتئاب

ترجمات - السياق
كشفت صحيفة ديلي ميل البريطانية -نقلا عن دراسة متخصصة- أن السيروتونين، الهُرمون المسؤول عن السعادة،، ويُعزز جودة المزاج، يبدو أنه لم يعد كذلك، وهو ما يُلقي بظلال من الشك على الاستخدام الواسع النطاق لأدوية مضادات الاكتئاب، المصممة لعلاج اختلال التوازن الكيميائي في الدماغ.
والشائع أن هُرمون السيروتونين يلعب دورًا رئيسًا في وظائف الجسم مثل المزاج، والنوم، والهضم، والشعور بالغثيان، والتئام الجروح، وصحة العظام، وتجلُّط الدم، والرغبة الجنسية، ويمكن أن تسبب مستويات السيروتونين -المنخفضة جدًا أو المرتفعة جدًا- مشكلات جسدية ونفسية.
وحسب الدراسة، استعرض الخبراء 17 تحليلًا للسيروتونين وعلاقته بالاكتئاب، مشيرين إلى أنهم لم يجدوا دليلًا على صلة بينهما، بينما قال خبراء آخرون إن الأدوية تعمل حتى لو كان انخفاض السيروتونين لا يسبب الاكتئاب، وحثوا المصابين بالاكتئاب على الاستمرار في تناول أدويتهم.
ويتناول ملايين المرضى مثبطات انتقائية لاسترداد السيروتونين، مصممة لزيادة مستويات المادة الكيميائية "التي تجعلك تشعر بالسعادة والرضا".
ومع ذلك، يجادل باحثو جامعة كوليدج لندن بأنه لا يوجد "دليل مقنع" على أن الاكتئاب ناجم عن اختلال التوازن في المادة الكيميائية.
وقالت الكاتبة الرئيسة للدراسة، البروفيسور غوانا مونكريف، وهي طبيبة نفسية: "تزامن انتشار نظرية اختلال التوازن الكيميائي مع زيادة هائلة في استخدام مضادات الاكتئاب".
وحسب الدراسة، يعاني الآلاف الآثار الجانبية لمضادات الاكتئاب، بما في ذلك آثار الانسحاب الشديدة، التي يمكن أن تحدث عندما يحاول الناس إيقافها، ومع ذلك تستمر معدلات الوصفات الطبية في الارتفاع.
اعتقاد خاطئ
حسب "ديلي ميل" تشير الأرقام إلى أن واحدًا من كل ستة بريطانيين بالغين، وقرابة 13 في المئة من الأمريكيين، يتناولون مضادات الاكتئاب.
وتظهر بيانات هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية، أن هناك زيادة في الوصفات الطبية بإنجلترا، حيث تناولها 8.3 مليون مريض عام 2021/2022، بزيادة 6 في المئة عن العام السابق.
وأشارت الهيئة إلى أن الأكثر شيوعًا هي مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية، مثل فلوكستين (بروزاك) وسيتالوبرام (سيبراميل) وسيرترالين (لوسترال).
وبينت أن السيروتونين يساعد في حمل الإشارات بالدماغ، ويعتقد أن له تأثير إيجابي في الحالة المزاجية والعاطفة والنوم، لافتة إلى أنه مفضل على الأنواع الأخرى من مضادات الاكتئاب، لأنه يسبب آثارًا جانبية أقل، ومع ذلك، لا يزال بإمكانهم توجيه المرضى الذين يأخذونهم إلى الشعور بالقلق والإسهال والدوخة وعدم وضوح الرؤية.
يمكن أيضًا -حسب الهيئة- أن يصاب مرضى الاكتئاب بأعراض الانسحاب المعوقة، عندما يحاولون التخلص من الحبوب.
لا تعمل
وحسب "ديلي ميل" فقد حللت دراسة أجراها قسم علم النفس وعلوم اللغة في كلية لندن الجامعية، نُشرت في مجلة الطب النفسي الجزيئي، 17 مراجعة تعود إلى عام 2010 وتتألف من عشرات التجارب الفردية.
وبينت الدراسة أنه لم يثبت أن مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية لا تعمل، ومع ذلك فإنه يشير إلى أن الأدوية لا تعالج الاكتئاب عن طريق تثبيت مستويات منخفضة بشكل غير طبيعي من السيروتونين.
وقالت الدكتورة غوانا مونكريف من جامعة كوليدج في لندن: مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية ليست لديها طريقة أخرى مثبتة للعمل.
وأضافت: "يمكننا أن نقول بأمان إنه بعد قدر كبير من الأبحاث التي أجريت على مدى عقود، لا يوجد دليل مقنع على أن الاكتئاب ناتج عن شذوذ السيروتونين، لاسيما بسبب انخفاض مستوياته أو انخفاض نشاطه"، مضيفة: "نحن لا نفهم بالضبط ما تفعله مضادات الاكتئاب للدماغ".
وحسب الصحيفة البريطانية، فقد شملت الدراسات المستخدمة في المراجعة مئات الآلاف من مختلف البلدان، ووجدوا أنه لا فرق في مستويات السيروتونين بين المصابين بالاكتئاب والأصحاء.
كما أن خفض مستويات السيروتونين بشكل مصطنع لدى المتطوعين الأصحاء لم يقدهم إلى الإصابة بالاكتئاب، وعلى المدى الطويل، قد يكون لمثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية القوية تأثير معاكس لما هو مقصود.
سبب الاكتئاب
من جانبه، قال المؤلف المشارك في الدراسة، الدكتور مارك هورويتز: "لقد علمت أن الاكتئاب ناجم عن انخفاض مستوى السيروتونين في تدريبي على الطب النفسي ودرست ذلك للطلاب في محاضراتي الخاصة"، مضيفًا: "المشاركة في هذا البحث كانت مدهشة وشعرت بأن كل شيء اعتقدت أنني أعرفه انقلب رأسًا على عقب".
ومع ذلك، انتقد خبراء آخرون استنتاجات الدراسة، إذ حثت الكلية الملكية للأطباء النفسيين المصابين بالاكتئاب، على الاستمرار في تناول أدويتهم.
وقال متحدث باسم الكلية للصحيفة البريطانية: "مضادات الاكتئاب ستختلف في فعاليتها بالنسبة للأشخاص"، مشيرًا إلى أن أسباب ذلك معقدة، ولهذا من المهم أن تعتمد رعاية المرضى على حاجات كل فرد، وأن تتم مراجعتها بانتظام.
وأضاف: "لا نوصي أي شخص بالتوقف عن تناول مضادات الاكتئاب بناءً على هذه المراجعة، ونشجع أي شخص لديه مخاوف بشأن أدويته على الاتصال بطبيبه العام".
بينما وصف الدكتور مايكل بلومفيلد، الطبيب النفسي في جامعة كاليفورنيا، النتائج بأنها "غير مفاجئة" بالنظر إلى تعقيد حالة الاكتئاب.
وتابع: "للاكتئاب العديد من الأعراض، ولا أعتقد أنني قابلت أي علماء أو أطباء نفسيين يعتقدون أن أسباب الاكتئاب ناتجة عن اختلال بسيط بالتوازن الكيميائي في السيروتونين".
ومع ذلك، قال إنه لا يزال من الممكن أن تساعد مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية في علاج الاكتئاب، حتى لو لم تعالج السبب الجذري.
واستطرد: "يعرف كثيرون منا أن تناول الباراسيتامول يمكن أن يكون مفيدًا للصداع، ولا أعتقد أن أي شخص يعتقد أن الصداع ناتج عن عدم كفاية الباراسيتامول في الدماغ".
المنطق نفسه -حسب بلومفيلد- ينطبق على الاكتئاب والأدوية المستخدمة لعلاجه، مضيفا: "هناك أدلة ثابتة على أن مضادات الاكتئاب يمكن أن تكون مفيدة في علاج الاكتئاب، ويمكن أن تنقذ الحياة".
بدوره، قال البروفيسور آلان يونغ، مدير مركز الاضطرابات العاطفية في معهد الطب النفسي: المراجعة "لا تغير" الدليل على أن مضادات الاكتئاب تعمل.
وحسب ديلي ميل، فقد وجد تحليل لبيانات هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية -الذي نُشر هذا الشهر- أن عدد مضادات الاكتئاب، التي تم توزيعها على الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و19 عامًا، ارتفع بمقدار الربع، بين عامي 2016 و2020.
وشمل ذلك وصفات طبية حتى نهاية عام 2020، إذ إنه بعد عام من الإغلاق الوطني في بريطانيا، لفيروس كورونا وإغلاق المدارس والجامعات، بدأت الأدلة تظهر أن القيود ألحقت خسائر فادحة بالصحة العقلية للشباب.
كما أظهرت بيانات هيئة الخدمات الصحية- التي تم الحصول عليها من خلال طلب حرية المعلومات- أيضًا أن استخدام مضادات الاكتئاب ارتفع بشكل حاد بين البالغين في العشرينيات من العمر.
وقالت جمعيات خيرية للصحة العقلية والأطفال لـ "ديلي ميل": البيانات كانت "علامة مقلقة" لأزمة الصحة العقلية في بريطانيا، وحذروا من أن بعض الشباب ربما يكونون قد مُنحوا أدوية من قِبل الأطباء العامين، لأنهم لا يستطيعون الحصول على المشورة بسبب تراكم الأوبئة.