هل تمتد أزمة أوكرانيا إلى شمالي أوروبا؟
بينما تتسابق فنلندا للانضمام إلى الناتو فإن الحرب في أوكرانيا تخاطر بالانتقال إلى صراع أوروبي أوسع

ترجمات - السياق
رأت مجلة ناشيونال إنترست الأمريكية، أن إعلان قادة فنلندا أنهم سيسعون للانضمام إلى منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) من دون تأخير، يمثل تراجعًا جذريًا عن سياسة الحياد، التي تبنتها هلسنكي في أعقاب الحرب العالمية الثانية.
وقالت المجلة، في تقرير، إن عضوية "الناتو" ستعزز أمن فنلندا، ناقلة عن الرئيس الفنلندي سولي نينيستو ورئيس الوزراء سانا مارين قولهما في بيان مشترك: "كعضو في (الناتو) فإن فنلندا ستعزز التحالف الدفاعي"، وأضاف البيان: "على فنلندا التقدم بطلب للحصول على عضوية (الناتو) من دون تأخير، ونأمل اتخاذ الخطوات الوطنية التي لا تزال ضرورية لهذا القرار بسرعة، في غضون الأيام المقبلة".
وبحسب ما ورد، من المقرر أن تتبعها السويد، التي فصلت عملية عضويتها في "الناتو" عن هلسنكي بشكل رسمي، في الأسابيع المقبلة.
استقبال حار
من جانبه، قال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرج، إنه سيتم الترحيب بفنلندا والسويد بشكل حار، وإنه سيتم قبولهما "بسرعة" إذا تقدمتا بطلب للانضمام إلى الحلف، بينما يقول مسؤولو "الناتو" إن عملية انضمام فنلندا والسويد، وهما دولتان تتمتعان بدرجة عالية من قابلية التشغيل البيني مع البنية التحتية العسكرية لحلف الناتو، يمكن أن تتم في غضون أسابيع.
ووفقاً للمجلة، فإن توسع "الناتو" إلى فنلندا والسويد، قد يكون أكثر خطورة مما تتوقع قيادة الحلف، إذ قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الجمعة، إن أنقرة لا تدعم انضمام هلسنكي وستوكهولم إلى "الناتو"، ونقلت وكالة أسوشييتد برس عنه قوله: "نتابع التطورات المتعلقة بالسويد وفنلندا، لكننا لا نؤيد الأمر".
وقد اتخذت تركيا، وهي من أكثر أعضاء "الناتو" أهمية عسكرية وجيوسياسية، موقفًا محايدًا في الحرب الروسية الأوكرانية لتصبح لاعبًا رئيسًا في محادثات السلام بين موسكو وكييف، حسب المجلة.
إجراءات عقابية
من جانبه، قال الرئيس الكرواتي زوران ميلانوفيتش، إنه سيمنع انضمام فنلندا والسويد إلى "الناتو" بسبب قضية لا صلة لها بالأمر تتعلق بقوانين الانتخابات في البوسنة والهرسك.
ويواصل رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان اللعب بأوراق مختلفة، لكنه اتخذ وجهة نظر متشككة بشأن توسع "الناتو"، ولا يزال يقف في طريق بعض الإجراءات العقابية، بين الاتحاد الأوروبي و"الناتو" ضد روسيا.
كان الكرملين قد شجب، بشكل متوقع، قرار هلسنكي، وهدد برد "انتقامي"، إذ حذرت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، من أن "انضمام فنلندا إلى "الناتو" سيلحق ضررًا خطيرًا بالعلاقات الثنائية الروسية الفنلندية"، وأضاف البيان: "روسيا ستضطر إلى اتخاذ خطوات انتقامية، عسكرية وتقنية وغير ذلك، لوقف التهديدات لأمنها القومي التي تنشأ في هذا الصدد".
وتقدم التعليقات السابقة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بعض الأدلة على ماهية هذا الرد، إذ قال: "لقد اتخذنا ونفذنا قراراً بسحب قواتنا المسلحة على بُعد 1500 كيلومتر من حدود فنلندا، ورغم التوترات في منطقة البلطيق، فإننا لم نفعل أي شيء قد يثير مخاوف فنلندا، ونحن نقوم بذلك في ضوء وضع فنلندا المحايد، لكن تخيلوا لو دخلت هلسنكي في حلف الناتو، ذلك يعني أن القوات الفنلندية لم تعد مستقلة ولا ذات سيادة".
كما قال بوتين، خلال مؤتمر صحفي عام 2016 مع الرئيس الفنلندي سولي نينيستو: "ستصبح البلاد جزءًا من البنية التحتية العسكرية لحلف الناتو، ما يضعها مقابل حدود الاتحاد الروسي بشكل مباشر، فهل تعتقد أننا سنتصرف بالطريقة نفسها، ونبقي قواتنا على بُعد 1500 كم؟".
أسلحة نووية
وأثارت تعليقات بوتين هذه ارتباكاً واسعاً، إذ إن المسافة بين سانت بطرسبرج، حيث يقع المقر الرئيس للمنطقة العسكرية الغربية لروسيا، والحدود الروسية الفنلندية نحو 400 كيلومتر فقط، ما يجعل من المستحيل على الجيش الروسي سحب قواته على بعُد 1500 كيلومتر من فنلندا، ومع ذلك، فإن تصريحات الرئيس الروسي عام 2016 تعكس إحدى النتائج المحتملة لانضمام فنلندا إلى "الناتو"، وهي الحشد غير المسبوق للقوات الروسية على طول الحدود الفنلندية، حسب المجلة.
واقترح نائب رئيس مجلس الأمن الروسي والرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف، إمكانية أخرى بأن تنشر روسيا أنظمة أسلحة نووية وفرط صوتية في منطقة البلطيق، لكن وزارة الدفاع الليتوانية تجاهلت تهديدات موسكو، قائلة للصحفيين إن الأسلحة النووية "كانت دائماً محفوظة" في جيب كالينينجراد الروسي بأوروبا الوسطى.
ولكن مهما كان الأمر، فإن زيادة تراكم الأسلحة النووية، وإدخال أنظمة نووية أكثر تطوراً أو أنظمة ذات قدرة نووية، يؤدي إلى تفاقم التوترات العسكرية الحالية في منطقة البلطيق.
تهديد مباشر
أصدر نائب الممثل الدائم للاتحاد الروسي لدى الأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي، أكبر تهديد مباشر لهلسنكي وستوكهولم حتى الآن، إذ قال: "هما يعلمان أنه في اللحظة التي يصبحان فيها عضوين في (الناتو)، سيؤدي ذلك إلى اتخاذ خطوات متبادلة معينة من الجانب الروسي".
وأضاف بوليانسكي: "إذا باتت هناك وحدات تابعة لحلف الناتو على هذه الأراضي، فإن هذه الأراضي أهداف، أو أهداف محتملة لضربة، لأن "الناتو" كتلة معادية للغاية بالنسبة لنا، فهو عدو، كما أن الحلف نفسه يعد روسيا عدواً، وهذا يعني أن فنلندا والسويد ستنتقلان فجأة من دولتين محايدتين إلى كونهما جزءًا من أعداء موسكو، وسيتحملان المخاطر المرتبطة بذلك".
وأوضحت المجلة أن انضمام فنلندا والسويد إلى "الناتو" مدعوم بنشاط من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، كما أن جهود القوى الغربية الكبرى، لتسهيل موجة جديدة من توسع "الناتو" تعكس استمرار مهمتها، التي جرى توضيحها ومتابعتها، منذ بدء غزو أوكرانيا في 24 فبراير الماضي، لإضعاف روسيا عسكرياً وعزلها جيوسياسياً.
مواجهة أوروبية
تساءلت مجلة "ناشيونال إنترست": "كيف يمكن لموسكو، التي كثيرًا ما هددت باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية والاستراتيجية إذا جرى تهديد مصالحها الوجودية، أن ترد في حال حصارها في الزاوية؟".
وحذرت المجلة قائلة إن موسكو شنت غزوها لأوكرانيا، بدافع القلق من توسع "الناتو" الزاحف باتجاه الشرق منذ نهاية الحرب الباردة، وقد بات الحلف قريباً -أكثر من أي وقت مضى- من عتبة روسيا، ما ينذر بتصعيد الصراع بين موسكو والغرب، من حرب بالوكالة في أوكرانيا، إلى مواجهة أوروبية أوسع مع عواقب وخيمة لا يمكن التنبؤ بها.