خطة إرسال طائرات بولندية إلى أوكرانيا تكشف الخلاف في التحالف الغربي
شاب نقل الطائرات الحربية لتعزيز الدفاعات الجوية ضد روسيا ضعف التنسيق بين الحلفاء

ترجمات - السياق
كانت فيكتوريا نولاند، المسؤولة البارزة في وزارة الخارجية الأمريكية، في طريقها للإدلاء بشهادتها أمام الكونجرس –الثلاثاء- عندما علمت أن بولندا عرضت تسليم طائراتها المقاتلة، من طراز ميج روسية الصنع إلى الولايات المتحدة، لنقلها إلى أوكرانيا.
وقالت نولاند، للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ: "رأيت الإعلان، وأنا أقود السيارة للوصول إلى هنا"، مضيفة أن الأمر مثل مفاجأة كبيرة لها.
كما فوجئ البيت الأبيض، عندما نشرت بولندا العرض في موقع حكومي على الإنترنت. وقال مطلع على الوضع، إن السفير الأمريكي في وارسو لم يبلغ به، حتى من قِبل البولنديين.
مخاوف جدية
كشف إطلاق العرض –من دون مشاورات مع واشنطن- الشق الحقيقي الأول في النهج الموحد، الذي أظهرته الولايات المتحدة وحلفاؤها في "الناتو" بشأن الحرب في أوكرانيا.
وبعد ساعات، قال جون كيربي، المتحدث باسم البنتاغون، إن الخطة ليست "قابلة للدفاع عنها"، وأوضح أن فكرة إرسال بولندا طائرات ميج إلى رامشتاين، وهي قاعدة جوية بين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في ألمانيا، حيث "تطير إلى المجال الجوي المتنازع عليه مع روسيا بشأن أوكرانيا، تثير مخاوف جدية لتحالف الناتو".
إعلان العرض البولندي، أحدث تطور في ملحمة تداولت في العام والخاص، حيث ناقشت الولايات المتحدة وبولندا و"الناتو" نقل طائرة ميغ إلى أوكرانيا.
لقد كان شكلًا جديدًا من فكرة التبادل المعقدة، التي كانت ستشمل إرسال الولايات المتحدة طائرات مقاتلة من طراز F-16 إلى بولندا، لتجديد قوتها الجوية.
طائرات مقاتلة
قبل تسعة أيام، كان جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، قد دفع القضية الأوسع إلى نظر الجمهور، بالقول إن بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي، يخططون لتزويد أوكرانيا بطائرات مقاتلة بناءً على طلب من كييف.
ووضع تعليقه ضغوطًا على القادة الغربيين، للرد على الفكرة في وقت لم تكن الولايات المتحدة وحلفاؤها يخططون للإعلان فيه عن الأمر.
وبعد أيام من حديث بوريل، قال الرئيس البولندي أندريه دودا، إن وارسو لن ترسل طائرات ميج إلى أوكرانيا، لأن ذلك سيكون "تدخلاً عسكريًا في الصراع".
لكن العديد من المصادر الأمريكية والبولندية المطلعة على الوضع، قالت إن تعليقه جاء بعد أن رفضت واشنطن اقتراحًا بولنديًا، كان سيشمل إرسال بولندا طائرات ميج مباشرة إلى أوكرانيا واستلام طائرات F-16 في المقابل، وقال أحد كبار المسؤولين البولنديين، إن وارسو تلقت ردًا "متشككًا" على اقتراحها الأصلي.
ولم تعارض الولايات المتحدة نقل بولندا طائرات ميغ إلى أوكرانيا، لكن البنتاغون خلص إلى أن توريد طائرات F-16 سيكون صعبًا من الناحية اللوجستية، والأهم من ذلك، أنه يخاطر بجر أمريكا إلى حرب مع روسيا.
ونقلت فايننشال تايمز، عن أحد المطلعين على القضية، إن البنتاغون عارض فكرة F-16 منذ البداية، حيث كان بعض المسؤولين الأمريكيين قلقين من أن بولندا كانت تقترح المبادلة، كوسيلة لتحديث قوتها الجوية.
وقال كثيرون إن وزارة الخارجية أيدت الفكرة الأولى، بينما كان مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض منقسمًا.
ضوء أخضر
بدا أن الفكرة تبخرت، حتى عادت للظهور مرة أخرى في 5 مارس، عندما تحدث الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، مع ما يقرب من 300 مشرِّع أمريكي، في مكالمة هاتفية على "زووم"، ووجَّه نداءً متحمسًا للطائرات المقاتلة، لافتًا إلى أن بولندا مستعدة لإرسال طائرات ميج إلى أوكرانيا مقابل طائرات إف -16.
وبعد ساعات، قال البيت الأبيض لصحيفة فاينانشيال تايمز، إنه يجري محادثات مع بولندا بشأن هذه القضية. في اليوم التالي، قال وزير الخارجية أنتوني بلينكين -خلال زيارة لأوكرانيا- إن الاقتراح لديه "الضوء الأخضر"، في المقابل كان رد فعل وارسو غاضبًا لأنها لم تُبلغ بالتحول الأمريكي.
"كانت المشكلة أنه قيل لنا: لا، ثم ذهبوا فجأة إلى وسائل الإعلام وقالوا إن هناك ضوءًا أخضر، وفي الوقت نفسه لم يكن هناك اتصال بنا"، قال مسؤول بولندي كبير.
وقال أحد المطلعين على العلاقات الدبلوماسية، إن الولايات المتحدة لم تقصد غض الطرف عن موقف بولندا، مضيفًا أنه من غير الواضح ما إذا كانت بولندا لا تزال مهتمة -كما اقترح زيلينسكي- وتريد منح وارسو مساحة للمناورة، لكنه قال إنه يتفهم سبب انزعاج بولندا، من طريقة تعامل الولايات المتحدة مع الموقف.
إلى ذلك، قال كثيرون من المطلعين على الخلاف الدبلوماسي، إن وارسو قدمت عرضًا مفاجئًا، لتسليم طائراتها من طراز ميغ إلى الولايات المتحدة، لأنها أرادت تكذيب ما تداول بأنها كانت تسعى إلى ترقية سلاحها الجوي، وفي ما بعد أصيبت بالإحباط، مما عدَّتها محاولة للمجازفة، من دون دعم حلف الناتو.
بدوره قال مسؤول بولندي: "جاءت تصريحات الولايات المتحدة، من دون الاستشارة معنا، وتشوبها محاولة لتصويرنا أمام أوكرانيا كأننا مترددون، في حين أنهم في الواقع كانوا يثبطون عزيمتنا"، وأضاف: غضبت الحكومة أيضًا وردت بالمثل، يجب ألا تحاول الولايات المتحدة إلقاء اللوم علينا، نحن نقوم بالكثير من أجل أوكرانيا، لذلك ينبغي ألا نتعرض لخطر مثل هذا".
قضايا أكثر أهمية
قال دان فريد، السفير الأمريكي السابق في بولندا، إن البولنديين فسروا تعليق بلينكين عن "الضوء الأخضر" في أعقاب مكالمة زيلينسكي مع الكونجرس وكأن الولايات المتحدة ترمي المسؤولية عليهم.
وأوضح فريد: "لقد استاءوا، ثم قرروا إلقاء العبء مرة أخرى على الولايات المتحدة".
وأضاف فريد: "بوريل أخطأ، والولايات المتحدة أخطأت، والبولنديون كذلك، لكن لم يتصرف أحد بسوء نية، لقد كانت عملية عنقودية جماعية، لكنها لم تكن تخليًا استراتيجيًا عن أوكرانيا".
بدوره، قال ميشال بارانوفسكي، الخبير الأمريكي البولندي في مركز أبحاث صندوق مارشال الألماني، إن الخلاف من غير المرجح أن يعرقل العلاقات، بين بولندا والولايات المتحدة، على المدى الطويل.
وأضاف: "إذا ظهر الأمريكيون كأنهم ملاحقون ويلوون ذراع بولندا، فإن البولنديين ظهروا على أنهم لا يمكن توقع ردود أفعالهم، هذا خدش في العلاقة البولندية الأمريكية اللامعة، لكنني لا أعتقد أن الإشكال سيستمر".
وأكد المسؤولون الأمريكيون -منذ ذلك الحين- أنهم يقدرون مساهمة بولندا، في الجهود المبذولة لمساعدة أوكرانيا.
كامالا هاريس، نائبة الرئيس، زارت بولندا الأسبوع الماضي، في محاولة لإظهار الدعم للدول الواقعة على الجناح الشرقي لـ "الناتو".
قال المسؤول البولندي الكبير،"في العلاقات الحميمة تحتاج أحيانًا إلى مشاجرة"، وأضاف: "عادة ما نتعامل بأدب شديد مع حلفائنا الأمريكيين، لكنهم -في بعض الأحيان- يحتاجون أيضًا إلى فهم أننا بحاجة إلى أن نعامل كشركاء"، مشيرًا إلى أن المحادثات رفيعة المستوى الأخيرة، تشير إلى أن الجانبين تجاوزا هذه الأمور، لأن هناك -حسب تعبيره- قضايا أكثر أهمية.