كيف أصبحت الصين الهدف الجديد للجماعات الإرهابية؟

تاريخ الصين مع الجماعات الإرهابية العنيفة معقداً، ويبدو أن التسامح الذي أظهرته بكين أواخر التسعينيات تجاه رجال القاعدة الذين استخدموا الأراضي الصينية أحياناً لعمليات العبور والدعم، كان على الأرجح بسبب الجهل أكثر من التآمر، وبحلول عام 2004، تغيَّـرت هذه الديناميكية، وأصبحت المخابرات الصينية مستعدة للعمل مع الأجهزة الغربية، لتسليم الإرهابيين المشتبه بهم، الذين يمرون عبر مطارات البلاد.

كيف أصبحت الصين الهدف الجديد للجماعات الإرهابية؟
الحزب الشيوعي الصيني الحاكم

ترجمات-السياق

رأت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أن الصين أصبحت الهدف الجديد للجماعات الإرهابية، مشيرة إلى أن إعلان تنظيم "داعش خراسان" مسؤوليته عن الهجوم على مسجد قندز بأفغانستان، في أكتوبر الماضي، الذي أودى بحياة ما يقرب من 50 شخصاً، لم يكن مفاجئاً.

وقالت المجلة: الهجوم يمثل تطوراً جديداً مقلقاً لبكين، لأن التنظيم قرر ربط المذبحة بالصين، إذ قال إن "الانتحاري الذي نفذ الهجوم كان من الإيجور وإنه كان يهدف إلى معاقبة حركة طالبان لتعاونها الوثيق مع الصين، رغم أفعالها ضد الأويجور في شينجيانغ".

وأضافت المجلة، في تقرير، أنه طالما كان ينظر إلى الصين على أنها هدف ثانوي من المنظمات الإرهابية الدولية، إذ ركزت تنظيمات مثل "القاعدة" و"داعش" على استهداف الولايات المتحدة، أو الغرب بشكل عام، أو خصومهم المحليين، لدرجة أنهم نادراً ما رفعوا أسلحتهم تجاه بكين، لكن يمكن للأخيرة الآن أن تعد نفسها هدفاً لهذه التنظيمات.

تاريخ معقد

وقالت المجلة الأمريكية: "تاريخ الصين مع الجماعات الإرهابية العنيفة معقداً، ويبدو أن التسامح الذي أظهرته بكين أواخر التسعينيات تجاه رجال القاعدة الذين استخدموا الأراضي الصينية أحياناً لعمليات العبور والدعم، كان على الأرجح بسبب الجهل أكثر من التآمر، وبحلول عام 2004، تغيَّـرت هذه الديناميكية، وأصبحت المخابرات الصينية مستعدة للعمل مع الأجهزة الغربية، لتسليم الإرهابيين المشتبه بهم، الذين يمرون عبر مطارات البلاد".

ووفقاً للمجلة، فإنه خلال حكومة طالبان السابقة في التسعينيات، كان المسؤولون الصينيون مترددين، لكنهم راغبون في التحدث مع نظام المُلا محمد عمر.

صحيح أن بكين لم تكن من مؤيدي الحركة المتحمسين، لكنها فضَّلت، بدلاً من ذلك، إيجاد طرق خلفية للعمل معها، وقد اتخذ هذا في الغالب شكل تقديمها لاستثمارات محدودة ودعماً، مع توقع أن تكبح طالبان جماح مجموعات الأويجور التي ذهبت إلى أفغانستان تحت حماية المُلا عمر، لكن لا يبدو أن بكين قلقة للغاية بشأن الأهداف الأكبر لطالبان، كما أنه لا دليل على أنها ربطت هذه المشكلة المحلية بالتهديد الإرهابي الدولي الأوسع.

وذكرت المجلة أنه "مع الغزو الذي قادته الولايات المتحدة لأفغانستان، وبعد ذلك العراق، انطلقت مشكلة الإرهاب الدولي على مستوى العالم، حيث استهدفت الجماعات مجموعة من البلدان.

ومع ذلك، فإن دفع الصين الناجح لإضافة بعض مجموعات الأويجور المحلية الخاصة بها إلى قائمة الأمم المتحدة والقائمة الأمريكية للمنظمات الإرهابية، لم يجعلها تجذب الكثير من اهتمام الجهاديين الدوليين، لكن في السنوات التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر أصبحت الصين حذرة بشكل أكبر من طالبان".

استهداف الصين

على مدى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأ المزيد من الصينيين يتعرَّضون للأذى في حوادث إرهابية في جميع أنحاء العالم، لكن، هذه الأحداث في الغالب، كانت تتم بشكل عرضي حيث لم يكن هؤلاء الصينيون هم المستهدفين فيها.

وأصدر قادة القاعدة ثم داعش بعد ذلك، بعض التصريحات التي هددت بكين بسبب معاملتها للأويجور، والمسلمين بشكل عام، لكنها في الغالب كانت محدودة ولم تؤد إلى أي دفعة كبيرة لاستهداف الصين، بحسب المجلة.

ورأت المجلة أنه في الوقت الحالي، لم يعد هناك مجال لإنكار أن الصين مستهدفة من هذه الجماعات، خاصة مع نمو وجودها في أفغانستان، مشيرة إلى أن حكومة طالبان الجديدة صرحت برغبتها في العمل مع الحكومة الصينية، وهو أمر أوضحت بكين أنه مشروط باتخاذ إجراءات ضد مقاتلي الأويجور.

وذكرت المجلة أن الدرجة التي تكون فيها طالبان قادرة، أو راغبة، في قطع علاقتها بالأويجور ستظل سؤالاً مفتوحاً، وهو ما تدرك بكين أنه يمثل تطوراً خطيراً، لا سيما في منطقة تواجه فيها تهديدات أكبر.

طالبان والصين

وقالت المجلة، إن هذه هي الديناميكية التي استفاد منها تنظيم داعش في خراسان، عندما استخدم انتحارياً يسمى محمد الأويجوري في هجوم قندز، مضيفة أنه في الرسالة التي نشرتها القنوات الإعلامية التابعة للتنظيم، تم ربط المهاجم مباشرة بتعاون طالبان مع الصين.

وأوضحت المجلة أن هذه الرسالة، احتوت على علامات عدة، أولاً أنها إشارة لطالبان تسلِّط الضوء على عدم قدرتها على حماية الأقليات، في البلد الذي يزعمون الآن أنهم يسيطرون عليه، وثانياً أنها رسالة إلى الصين أنها تهاجمها بسبب سياساتها في شينجيانغ، وربط ذلك بمصالح التنظيم، وثالثاً أنها رسالة إلى الأويجور الآخرين الذين يشعرون بالتخلي عنهم أو تهديدهم من طالبان، وربما يسعون للانضمام إلى مجموعات أخرى لتعزيز مصالحهم، وهي أخيراً رسالة إلى العالم تُظهر أن "داعش في خراسان" منظمة قادرة على الاستمرار في العمل من ساحة المعركة، والتحدث نيابة عن المسلمين المضطهدين، وهي الرسائل التي سيكون لها صدى لدى المؤيدين المحتملين في العالم، حسب المجلة.

ولفتت المجلة إلى أن مشكلة الصين، أنها غير مستعدة للتعامل مع مثل هذه التهديدات، صحيح أن جيشها قد يكون كبيراً ومجهزاً بشكل جيد، لكنه لديه القليل من الخبرة في مواجهة التنظيمات المتطرفة، وغالباً ما يعتمد على دول أخرى في ذلك.

وضع جديد

وقالت "فورين بوليسي" إن بكين عالقة في وضع جديد الآن، فهي الجار الأقوى والأكثر نفوذاً لأفغانستان، وهو ما يفسر الاهتمام المتزايد بدورها في البلاد، كما أنه يُنظر إليها على أنها الداعم الأكبر لطالبان على المسرح الدولي، وعند توليها هذا الدور، فإنها ستخاطر بأن يُنظر إليها على أنها تملأ الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة في كابل، وهو أمر تحرص بكين على تجنُّبه.

ومع ذلك، فإن الحقيقة هي أنها بدأت الانغماس في هذا الدور داخل البلاد، ويبدو أن هجوم "داعش-خراسان" في قندوز سلَّط الضوء فقط على المدى الذي قطعته بكين في هذا المسار.