الحشد الشعبي العراقي يتحوَّل إلى مشكلة اجتماعية بسبب اليأس والخذلان
شبكة الميليشيات العراقية، تضم مجموعات من معظم الطوائف الدينية في البلاد، إلا أن الميليشيات الشيعية هي المهيمنة، والعديد منها مدعوم من إيران

ترجمة: السياق
رصدت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، حالة استثنائية، من المرارة والخذلان، المتفاقمة في صفوف ميليشيات الحشد الشعبي العراقية، وبين أهالي الذين قُتلوا منهم، على مدى السنوات السبع الماضية، قرأت فيها ارتدادات اجتماعية، لا تقل عُمقا وخطورة عن حقيقة أن هذه الميليشيات تُشكِّـل ذراعًا محسوبة لصالح إيران، في الصراع على ما سمتها "روح العراق" وهويته.
وفي تقرير بعنوان "الميليشيات العراقية المعادية لأمريكا ليست مجرد وكلاء لإيران" سجّل اثنان من مراسلي "واشنطن بوست" حالة من الانكسار العميق، في معنويات نسبة كبيرة من الميليشيات، التي تأسست عام 2014 تحت مسمى الحشد الشعبي، استجابة لدعوى النفير، لمحاربة تنظيم الدولة (داعش)، وكيف أن انتصارها على "داعش" بكل ما رافقه من زهو الدفاع عن "روح العراق"، لم يلبث أن تراجع، بعد أن تخلى الجميع عنهم، قيادات ودولة، وتوقفت عن الكثيرين منهم المخصصات المالية لأهالي "الشهداء" وباتوا الآن يتندمون على اليوم الذي خرجوا فيه، هم أو أبناؤهم للقتال، كما يقول التقرير.
بين الأهداف والنتائج
ينقل التقرير شكوى المقاتل ثامر الصافي من الناصرية، في مقاربة الأهداف التي خرجوا إليها قبل سنوات، وبين الحال الذي انتهوا إليه الآن، من الخذلان والعوز.
يقول الصافي :"كانت المسألة متعلِّقة بمستقبلنا. حاربنا بدلًا من الجيش، الذي انسحب في مواجهة مقاتلي تنظيم الدولة المتطرفين. كانت معركة لحماية روح العراق، لكن النتيجة هي أن قيادات الحشد الشعبي تسلَّمت أعلى مناصب صنع القرار في العراق، وتحوَّلت أهداف الميليشيات، إلى مواجهة الولايات المتحدة، بصورة مباشرة".
وأشار إلى أن التوجيه الإيراني لهذه الميليشيات، وظَّف مقاتلي الحشد الشعبي إلى التصعيد، من خلال إطلاق الصواريخ على المواقع الأمريكية، وهو ما اندرج في سياقات المواجهة، بين إيران والولايات المتحدة، وما رافقتها من مخاطر أن تتحول إلى مواجهة مباشرة، حتى مع وجود محادثات بين إيران وأمريكا، لإعادة العلاقات الدبلوماسية.
وينقل التقرير عن متطوع آخر، خاف من الانتقام، واكتفى باسمه الأول "عبدالله- 58 عامًا، قوله، إن حالته انتهت اليوم إلى أنه لا يريد أكثر من الستر وأن يكفي أبناءه، ويستذكر أن قناصًا من تنظيم الدولة قتل شقيقه حيدر، في كمين عام 2014 مضيفًا" "طالما شعرتُ بالندم لأنني سمحت لأخي بالقتال".
وكان عشرات الآلاف من أبناء الطائفة الشيعية في العراق، استجابوا عام 2014 لنداءات رئيس الوزراء والمرجعية المذهبية علي السيستاني، وخرجوا لقتال داعش، وحقَّقوا في ذلك انتصارات، لما تصفها "نيويورك تايمز" بـ"روح العراق".
ويرى التقرير، في ظاهرة الحشد الشعبي "خصوصية مُتجذِّرة في نسيج المجتمع العراقي".
إيران في لبنان ... احتلال غير مرئي قاتل
دور الحشد في قمع الحراك الشعبي
ويضيف التقرير أن هذه الميليشيات "قوى اقتصادية ومتنفذون في النظام السياسي، هي منظومة متداخلة في جميع أنحاء المؤسسات الحاكمة في البلاد، وعندما اندلعت الاحتجاجات الجماهيرية ضد الحكومة في أكتوبر 2019، قمعتها هذه الجماعات المسلحة المدعومة من إيران، بقوة مميتة، ما دفع جماعات حقوق الإنسان إلى اتهامهم بارتكاب انتهاكات فظيعة.
ومع ذلك، فإن ميليشيات الحشد، لا تقل عن نشطاء الحراك الشعبي، في الشكوى مما تعرضوا إليه من الخذلان.
ويقول تقرير "واشنطن بوست": "إنك تستطيع أن ترى في مدينة كالناصرية ذات الأغلبية الشيعية ، صور المجندين القتلى معلَّقة في الشوارع، على لوحات إعلانية باهتة، مع ذكريات من الماضي، تتحدَّث عن التضحيات التي قدَّمها هؤلاء، لهزيمة تنظيم الدولة".
لكن المأساة تتمثَّل في أن عائلات القتلى، تلقوا تعويضًا عن ذلك، بعض الأراضي والدفعات الشهرية، من اللجان المختصة، التي تدير شؤون الحشد الشعبي. غير أن هذه المزايا آخذة في الجفاف الآن، ما يغذي الاستياء من مجموعات الميليشيات، التي كان يُعتمَد عليها، في شبكة أمان اجتماعي.
ففي الناصرية اليوم، وكذلك في مدن الجنوب، تُرِكت بعض عائلات القتلى وحدها، في مواجهة الفقر والعوز، حتى أن معظمهم يشعرون بأن الميليشيات، التي قاتلوا وماتوا من أجلها، قد خانتهم.
"لقد وعدونا بالأرض، وعدونا بالتعويض". يقول ستار البالغ من العمر 59 عامًا: "في المرة الأخيرة التي ذهبت فيها إلى مكاتبهم، رميت جميع أوراقنا على مكاتبهم، وأخبرتهم بأنني أتمنى لو لم أرسل ابني كشهيد". وقالت العائلة إنها تلقت، حتى العام الماضي، 900 ألف دينار عراقي شهريًا، أي ما يزيد قليلا على 600 دولار، ثم توقفت العام الماضي، من دون تفسير واضح "وعدونا بأنها ستعود، لكنها لم تعُد".
ويشير التقرير إلى أن شبكة الميليشيات العراقية، تضم مجموعات من معظم الطوائف الدينية في البلاد، إلا أن الميليشيات الشيعية هي المهيمنة، والعديد منها مدعوم من إيران. وقد شكلت الميليشيات البارزة، مثل كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق، وحركة حزب الله، والنجباء، ومنظمة بدر، مصدر قلق كبير للمسؤولين الأمريكيين، الذين اتهموا العديد منهم في الأشهر الأخيرة، باستخدام مجموعات أمامية، لشن هجمات صاروخية على الولايات المتحدة، خصوصًا المرافق العسكرية والدبلوماسية ذات الصلة. وقد أدت هذه الهجمات، إلى مقتل أمريكيين وأجانب آخرين، بخلاف العراقيين.
وفي مناسبات عدة، شنَّت الولايات المتحدة ضربات انتقامية، وقتلت العديد من الميليشيات. كما أدى اغتيال إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للقائد الإيراني البارز قاسم سليماني وزعيم الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في بغداد، مطلع العام الماضي، إلى زيادة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، على الأراضي العراقية.
ومع إعلان بعض الميليشيات عزمها على طرد الجيش الأمريكي من العراق، لا تزال هناك مخاطر بحدوث المزيد من القتلى، وتصاعُد العنف بينها وبين الولايات المتحدة.
أين ذهبت المخصصات؟!
يشير التقرير إلى أن قوات الحشد الشعبي، تتلقى أموالًا من ميزانية الدولة العراقية، لدفع أموال لعائلات قتلى الحرب، لكن الرقابة قليلة جدًا والشفافية كذلك، على الطريقة التي تُنفق بها هذه الأموال.
فالقرارات المالية، تُتخَذ من قِبَلِ لجنة من كبار قادة الميليشيات، خارج إشراف الحكومة، وفقًا لورقة بحثية، أعدتها مؤسسة تشاتام هاوس البريطانية. وتخصص الميزانية الوطنية نحو 68 مليون دولار سنويًا، لشراء الأراضي لأسر الشهداء. لكن كل ما تم تخصيصه هو 3500 قطعة فقط، لأقارب رجال الميليشيات القتلى منذ عام 2014، وفقًا لمؤسسة الشهداء العراقية.
وخلص التقرير الميداني للـ "واشنطن بوست" إلى أن أحدًا لا يجيبك عن الأسئلة المريرة، التي يخضع لها الكثيرون من مقاتلي ميليشيات الحشد الشعبي وأهاليهم، وهي أسئلة تبدأ من الإحساس بالخذلان لما سمعوه من وعود لم تتحقَّق، ولا تنتهي عند إحساسهم باليأس، والشعور بأنهم أخطأوا في خدمة أهداف ليست هي التي دفعوا فيها أبناءهم ثمنًا لقضايا هناك مَنْ يوظِّفها لحسابات مشوبة بالفساد أحيانًا، وبالمصالح السياسية الهجينة أحيانًا أخرى.
يقول المقاتل حسين من الناصرية: "لقد قاتلنا لأننا نهتم ببلدنا، ولو كنا نعرف ما سيحدث، ما كنا التحقنا بهذه الميليشيات".