بعد خسارتها... ما الخطوة التالية لمارين لوبان؟

قال أنطوان بريستيل، مدير مرصد الرأي في مؤسسة جان جوريس: الخطر الذي يواجه اليمين المتطرف في فرنسا، أنه ستكون هناك حرب داخلية للسيطرة على الزعامة

بعد خسارتها... ما الخطوة التالية لمارين لوبان؟

ترجمات - السياق

بعد اعتراف زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا مارين لوبان، بهزيمتها أمام منافسها إيمانويل ماكرون، في الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي جرت الأحد 24 أبريل، تساءلت صحيفة الغارديان البريطانية عن الخطوة القادمة لها، عقب فشلها للمرة الثالثة في الوصول إلى قصر الإليزيه.

ورأت لوبان أن ما حصدته من أصوات في الانتخابات الرئاسية يشكل "انتصارًا مدويًا"، ووعدت بمواصلة مسيرتها السياسية، مشددة على أنها لن تتخلى عن الفرنسيين.

وذكرت الغارديان البريطانية، أنه رغم تخلصها من بعض الأفكار شديدة التطرف، داخل حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، مثل إنكار الهولوكوست، مع تخفيفها من نبرتها الحادة ضد الأجانب، والتخلي عن فكرة الخروج من الاتحاد الأوروبي، فإن ذلك لم يأتِ بالنتيجة التي كانت تريدها، وفشلت للمرة الثالثة في الوصول إلى رئاسة فرنسا.

 

مناهضة الهجرة

أوضحت لوبان أنها تخلت أيضًا عن دعم عقوبة الإعدام، وعن فكرة حظر الحق في الجنسية المزدوجة، مع الاستمرار بحزم في مناهضة الهجرة، مشيرة إلى أنها رغم تحدثها كثيرًا عن "غطرسة" منافسها إيمانويل ماكرون و "ازدرائه للشعب الفرنسي"، فإن برنامجها لم يستقطب عددًا كافيًا من الناخبين لمنحها مفتاح قصر الإليزيه.

وسعت لوبان لنزع "الشيطنة" عن حزب الجبهة الوطنية، الذي أسسه والدها جان ماري لوبان، ووصلت إلى حد طرده في أغسطس 2015، بعدما باتت على قناعة بأن مواقفه الخلافية والجدلية، ستبقى عائقًا أمام أي انتصار على المستوى الوطني.

وأمام هذا الهدف، لجأت لوبان لتغيير اسم "الجبهة الوطنية" إلى "التجمع الوطني" عام 2018، كمحاولة للخروج من عباءة والدها، والوصول إلى شرائح أكثر من الشعب الفرنسي.

 

مغادرة من الباب الخلفي

وعن محاولتها الخروج من الاتحاد الأوروبي، كشفت "غارديان" أن لوبان رغم إعلانها تخليها عن الفكرة، فإن بعض المراقبين بينوا أنها كانت ستتحايل على هذا القرار، عبر إنشاء تحالف من بعض الدول الأوروبية داخل الاتحاد، ما يمثل مغادرة فعلية من الاتحاد الأوروبي ولكن (من الباب الخلفي).

ورغم ما كشفه المراقبون، فإن لوبان توقفت عن المطالبة بالخروج من الاتحاد وإنهاء التعامل باليورو، وتحدثت عن الإسلام على أنه "يتماشى مع الجمهورية"، وغير ذلك من المواقف التي تفيد بوجود (يمين متطرف بوجه جديد)، لكن على مستوى الجوهر، لا شيء تغير والبرنامج السياسي للحزب بقي كما هو.

وعقب إعلان الهزيمة، وجهت لوبان كلمة لمؤيديها قالت فيها: نتيجة الانتخابات تعكس عدم ثقة الشعب الفرنسي بالسياسة الحالية ورغبته في التغيير.

وذكرت مارين لوبان، أن مشروع إيمانويل ماكرون خطر على فرنسا، وسنقف ضده وسنواجهه في انتخابات البرلمان، مضيفة: "لا نزال نملك الأمل رغم الفشل في الانتخابات، لأن معركتنا لم تنته".

وتعليقًا على هذه التصريحات، رأت "غارديان" أن وعد لوبان -التي لم تهنئ ماكرون بفوزه- بمواصلة القتال و"عدم التخلي عن فرنسا" يلقي بظلال من الشك على تعهدها، بالتخلي عن طموحاتها الرئاسية في حال الفشل.

وأشارت الصحيفة، إلى أنها كانت قد أعلنت أنها لن تترشح لرئاسة فرنسا إذا خسرت هذه المرة، إلا أن حديثها يترك الباب مفتوحًا أمام محاولة أخرى نحو الوصول إلى الإليزيه.

 

لا تزال شابة

رأت "غارديان" أن لوبان (53 عامًا)، لا تزال شابة من الناحية السياسية الفرنسية، ورغم أن ماكرون (44 عامًا)، وفريقه أقل سنًا، فإنها شددت على أن إعلانها عدم تخليها عن السياسة -خلال الفترة المقبلة- يكشف استعدادها للانتخابات التشريعية.

توقعات "غارديان" تأتي رغم أن لوبان كانت قد قالت لصحيفة لو جورنال دو ديمانش الفرنسية الشهر الماضي: "بداهة لن أترشح للرئاسة مرة أخرى، لكنني سأستمر في ما قمت به سنوات، وسأدافع عن الفرنسيين، لا أعرف في أي دور ، لكنه سيكون بدور أكون فيه أكثر فعالية".

وذكرت الصحيفة البريطانية، أن لوبان استحوذت على حزب الجبهة الوطنية، الذي أسسه والدها جان ماري لوبان عام 2011، وشرعت في تحسين صورتها لدى الرأي العام، حتى أنها ركزت خلال الحملة الانتخابية على "مارين" بدلًا من كنيتها التي كانت عبئًا عليها منذ أعوام طويلة.

كما أنها سعت -خلال الأعوام الماضية- إلى تقديم صورة أكثر ودًا، عبر ردود فعل أقل انفعالًا في مواجهة أسئلة الصحفيين، إذ كانت تظهر بملابس ذات ألوان فاتحة، مع ابتسامة حاضرة حتى في خِضم المناظرة التلفزيونية مع ماكرون، قبل أيام من الحسم.

 

زلزال سياسي

ووصفت "غارديان" وصول لوبان إلى المرحلة الثانية من الانتخابات الفرنسية لهذا العام، بالزلزال السياسي، مشيرة إلى أنها سجلت 17.9% في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية لعام 2012 التي واجه فيها الاشتراكي فرانسوا هولاند نيكولا ساركوزي في الجولة الثانية، وانتهت بفوز هولاند، بينما عام 2017، سجلت لوبان 21.3% في الجولة الأولى، ما اضطرها لتغيير اسم الحزب إلى التجمع الوطني.

هذه المرة، زادت لوبان نقاطها في الجولة الأولى إلى 23.25%، ومع ذلك، جرى تقسيم أصوات اليمين المتطرف بينها وبين مرشح حزب "الاسترداد" إريك زمور ، الذي حصل على 7.1%، ما يشير إلى أن نتيجتها كان من الممكن أن تكون أعلى من ذلك بكثير.

وحسب الصحيفة، شكل ظهور زمور في هذه الانتخابات بثوب منافس لمارين لوبان، لا سيما بخطابه الناري ضد الهجرة والإسلام، أول عقبة لها في هذه الانتخابات، خاصة أن مجموعة من كوادر حزبها، وعلى رأسهم ابنة شقيقتها ماريون ماريشال، غادروا الحزب على حين غرة ليعززوا صفوف زمور.

ونقلت الصحيفة عن أنطوان بريستيل، مدير مرصد الرأي في مؤسسة جان جوريس، ذات الميول اليسارية، قوله: لوبان قد تواجه صراعًا حزبيًا داخليًا إذا تراجعت عن سياسة الخطوط الأمامية.

وكمحاولة لدفع الحزب إلى الاستمرار في المنافسة السياسية، سلمت لوبان زمام حزبها للنجم اليميني المتطرف الصاعد جوردان بارديلا، البالغ من العمر 26 عامًا، وهو ابن لمهاجرين إيطاليين في إحدى ضواحي باريس.

وأشارت الصحيفة البريطانية، إلى أن هناك العديد من الشبان الذي ينتظرون لعب دور أكبر داخل الحزب خلال المرحلة المقبلة، بمن في ذلك ابنة أختها ماريون ماريشال، التي تخلت عن ولاء الأسرة لدعم زمور في الجولة الأولى.

وقال بريستيل: "الخطر الذي يواجه عائلة اليمين المتطرف في فرنسا، أنه ستكون هناك حرب داخلية للسيطرة على الزعامة"، مشيرًا إلى أن لوبان نجحت -خلال الفترة الماضية- في تنظيم الأمور داخل الحزب، ما أوصلها إلى أن تكون قاب قوسين أو أدنى من الوصول للإليزيه.

وأوضح أن قوة الحزب تكمن في قوة لوبان ذاتها، خصوصًا في فرض سيطرتها، للحفاظ على جبهة موحدة داخله.