شملت مناطق سيطرة الشرق.. ماذا يعني توقيع حكومة الدبيبة على اتفاقيات للتنقيب عن النفط والغاز مع تركيا؟
توقيع تركيا وليبيا اتفاقيات للتنقيب عن النفط والغاز.. الأسباب وسر التوقيت

السياق
على وقع أزمة سياسية داخلية «خانقة» تعيشها ليبيا، أجَّجتها ازدواجية السلطة التنفيذية، بعد تعنُّت رئيس الحكومة منتهية الولاية عبدالحميد الدبيبة، في تسليم السلطة لخَلَفه، تتعرض العاصمة طرابلس بين الفينة والأخرى لتوترات، بسبب مليشيات الحكومتين.
ورغم أنَّ أزمة ازدواجية السلطة التي تعيشها ليبيا تظل شأنًا داخليًا وإن كان عدم الاستقرار السياسي فيها يؤرِّق جيرانها، إلا أنَّ حكومة عبدالحميد الدبيبة منتهية الولاية، بدأت في إثارة القلاقل الخارجية لدول الجوار، بتوقيعها على اتفاقية جديدة مع تركيا للتنقيب عن النفط والغاز في البحر المتوسط، في مناطق تشمل تلك التي تقع تحت سيطرة حكومة فتحي باشاغا.
ووقعت وزارة الخارجية الليبية ونظيرتها التركية اليوم الإثنين في طرابلس اتفاقية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الليبية، بعد مرور 3 سنوات على إبرام اتفاق ترسيم الحدود البحرية المثير للجدل والذي أثار حفيظة الاتحاد الأوروبي ومصر حينها.
إلا أنَّ الاتفاقية الجديدة والتي سارت فيها حكومة الدبيبة على خطى حكومة فائز السراج، تهدف لتحقيق من ورائها عدَّة أهداف؛ أبرزها: إثبات أنها الحكومة الوحيدة في ليبيا وأنَّ حكومة باشاغا ما هي إلا حبر على ورق، وهو ما أشارت إليه وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش في المؤتمر الصحفي مع نظيرها التركي مولود أوغلو، بقولها إنَّ السلطة التنفيذية في ليبيا واحدة رغم محاولات التقسيم.
رسائل متعددة
كما تهدف حكومة الدبيبة من خلال التوقيع على اتفاقية تشمل ليبيا بأكملها لإيصال رسالة إلى مصر، بعد أن اعتبرت الأخيرة أن حكومة الوحدة غير ممثلة لليبيا، واعتذرت عن المشاركة في الاجتماع الوزاري العربي بجامعة الدول العربية الأخير، والذي كانت برئاسة ليبيا.
هدف ثالث أشار إليه المراقبون من تلك الاتفاقية، مؤكدين أنها محاولة من حكومة الدبيبة للرد على مساعي البرلمان الأخيرة الهادفة لتشكيل حكومة توافقية ثالثة، تكون بديلًا عن حكومتي عبدالحميد الدبيبة وفتحي باشاغا، ومنعًا لازدواجية السلطة.
ورغم أنَّ حكومة الدبيبة خالفت الاتفاق السياسي الموقع في جنيف والذي أتى بها لسدة الحكم، إلا أنها أرادت التأكيد على أنها صاحبة قرار في ليبيا، متكئة في ذلك على تركيا التي لديها هي الأخرى مصالح كبيرة من الاتفاقية.
وتنصّ الفقرة العاشرة من المادة السادسة لاتفاق جنيف الموقع في فبراير/شباط 2021 على: لا تنظر السلطة التنفيذية في أية اتفاقيات أو قرارات جديدة أو سابقة، بما يضرّ باستقرار العلاقات الخارجية للدولة الليبية، أو يلقي عليها التزامات طويلة الأمد.
وبحسب مراقبين، فإنَّ تركيا والتي أرسلت وزراءها إلى ليبيا كانت واثقة من توقيع الاتفاقية لعدة أسباب؛ أولها أن مصير حكومة الدبيبة بيدها، فيما الأخيرة لا تستطيع الوقوف أمام رغبات أنقرة.
ثاني تلك الأسباب –بحسب مراقبين- النكاية في مصر، خاصة أن أنباء حول المصالحة المصرية التركية تشير إلى تعثر في المفاوضات؛ فأرادت تركيا إيصال رسالة للقاهرة أنها تستطيع جلب التوتر إلى حدودها البحرية والبرية.
وأكد المراقبون، أن ثالث الأهداف التركية ضرب المحور المصري اليوناني في البحر المتوسط، خاصة أن تركيا تم استبعادها من منتدى غاز شرق المتوسط، مشيرين إلى أنَّ تركيا حاولت من خلال تلك الاتفاقية التأكيد على الاتفاقية السابقة والتي وقعتها مع حكومة فايز السراج في العام 2019، والتي أثارت حفيظة القاهرة وأثينا.
تعطيل الحل
وإلى ذلك، قال المحلل السياسي الليبي أحمد المهدوي، في تصريحات لـ«السياق»، إنَّ توقيع الدبيبة لهذه الاتفاقية جاء لتعطيل الحل في ليبيا ومساهمته في تفاقم الوضع، خاصة أن هذا التوقيع جاء بعد تعالي الأصوات في برقة للنظام الفدرالي.
وأوضح المحلل السياسي الليبي، أن التوقيع جاء بالمخالفة لفقرة العاشرة من المادة السادسة الفقرة العاشرة من الاتفاق السياسي الليبي، مشيرًا إلى أن الأمر برُمَّته يهدف إلى تقديم الدبيبة الولاء للأتراك من أجل ضمان بقائه في السلطة.
وأشار إلى أنّه بالنسبة لتركيا، فالأمر ليس بجديد؛ فأنقرة وقعت اتفاقية بالمخالفة القانونية مع حكومة منتهية الولاية، في إشارة إلى حكومة السراج السابقة، مؤكدًا أنَّ أنقرة تحاول استغلال المجتمع الدولي وحاجته إلى الطاقة البديلة والغاز البديل عن الطاقة والغاز الروسي أيضًا.
وشدَّد المحلل السياسي الليبي على أن تركيا تحاول إنعاش اقتصادها باستغلال الظروف الحالية للصرع الأوكراني الروسي، مؤكدًا أن الديبية يحاول دفع ثمن بقاء حكومته، بالإضافة إلى مساعيه لخلط الأوراق أمام المبعوث الأممي الجديد ليثقل كاهله بالمشاكل، ما يصعب عليه مهمة إيحاد الحلول لأزمة الحكومتين.
تجربة سابقة
الأمر نفسه أشار إليه المحلل السياسي الليبي أيوب الأوجلي، والذي قال في تصريحات لـ«السياق»، إنَّ هذه الاتفاقية تعد إكمالًا لما بدأه السراج باتفاق ترسيم الحدود مع ليبيا.
وحول ثقة الجانب التركي في توقيع الاتفاقية، أكد المحلل الليبي أنها نابعة من تجربته السابقة مع السراج عندما وقعت اتفاقية في ذات المنطقة التي كانت قابعة تحت سيطرة حكومة عبدالله الثني السابقة.
وأوضح أن الدبيبة يعمل بمعزل عن السلطات والجهات كافة، مؤكدًا أنه لا يخشى من الحساب أو العقاب بل يعمل وفق أهوائه الخاصة ومصالحه الشخصية، وهو مستعد لتقديم أي تنازلات مقابل بقائه في السلطة.
لا خيار
رئيس لجنة الأمن القومي في المؤتمر الوطني العام الليبي (المنتهية ولايته) الدكتور عبدالمنعم اليسير، في تصريحات لـ«السياق»، إنَّ حكومة الدبيبة نصبتها تركيا بالأمر الواقع، مشيرًا إلى أنّها ليس لديها خيار إلا تنفيذ ما يريده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وأوضح اليسير، أنَّ هناك أمرًا واقعًا مفروضًا في المنطقة الغربية بقوة الطائرات المسيرات التركية، واصفًا إياه بـ«الواقع الاستعماري»، محذرًا من الخطر الذي يوجهه التمدد التركي على شمال إفريقيا، والذي ستتأثر به مصر.
وأشار إلى أنَّ أردوغان أرسل رسالة بهذه الاتفاقية للأطراف الليبية مفادها أنه من يقرر أي حكومة تحكم، مؤكدًا أنه رغم أن حكومة تتعاون مع تركيا، إلا أنها ليس لديها فهم واضح لنواياها.