صواريخ باتريوت الأمريكية تقترب من كييف... هل تُغيِّـر مجرى الحرب؟
المتحدث باسم الكرملين: إذا تم إرسال صواريخ -باتريوت- الأمريكية إلى أوكرانيا، فإنها ستكون أهدافا مشروعة للقوات الروسية.

ترجمات – السياق
دفعت التطورات الأخيرة في حرب أوكرانيا، وزارة الدفاع الأمريكية، إلى التفكير جديًا في تقديم منظومة صواريخ باتريوت المتقدمة للجانب الأوكراني، لتعزيز قدراته في مواجهة القوات الروسية، وفق تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية.
وأوضحت الصحيفة، أن تلك الخطوة من جانب الولايات المتحدة، تأتي في أعقاب القصف الروسي المكثف لشبكة الطاقة الأوكرانية، ما أدى إلى تعرُّض البلاد لأزمة طاقة حادة، بعد تدمير ما يقرب من 50% من البنية التحتية للطاقة.
ونقلت عن مسؤولين أمريكيين كبار قولهم، إن وزارة الدفاع الأمريكية تستعد لإرسال منظومة الصواريخ المتطورة "باتريوت" إلى كييف، في ظل الهجمات الروسية العنيفة على شبكة الطاقة الأوكرانية.
ووفقًا لهؤلاء المسؤولين، تخطط إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لإرسال معدات إلكترونية متطورة إلى أوكرانيا، تحول الذخائر الجوية غير الموجهة إلى "قنابل ذكية"، يمكنها استهداف المواقع العسكرية الروسية، بدرجة عالية من الدقة.
وبينت الصحيفة، أن المعدات تشتمل على أجهزة تحديد المواقع من أجل الدقة، ويمكن تثبيتها على مجموعة من الأسلحة، ما يشكل ما يسميها البنتاغون ذخيرة الهجوم المباشر المشترك، إذ استخدم الجيش الأمريكي هذه التقنية، في القنابل التي يصل وزنها إلى 2000 رطل، وعادةً ما تُدمج مع الطائرات القاذفة والمقاتلة.
وفي أول تعليق على الخطوة الامريكية، قال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، إنه إذا تم إرسال صواريخ "باتريوت" الأمريكية إلى أوكرانيا، فإنها ستكون "أهدافا مشروعة" للقوات الروسية، لكنه أضاف أن الخطة الأمريكية لم يتم تأكيدها.
موافقة بايدن
وأكد المسؤولون الأمريكيون -الذين رفضوا كشف هوياتهم كإجراءات أمنية- في حديثهم لـ "واشنطن بوست" أنه رغم عدم موافقة الرئيس الأمريكي جو بايدن رسميًا على تلك الخطوة حتى الآن، فإن من المتوقع تنفيذها في أقرب وقت ممكن.
وشددوا على أن تقديم هذا النوع من الصواريخ لأوكرانيا، يُمثل استجابة لطلب طالما ألحت كييف على الولايات المتحدة لتحقيقه، خصوصًا أنه يأتي في أعقاب عمليات قصف روسية لا هوادة فيها، على منشآت الطاقة، ما أدى إلى إغراقها في ظلام دامس، إضافة إلى انعدام وسائل التدفئة خلال شتاء قارس، تنخفض فيه الحرارة إلى ما دون الصفر.
بينما أوضحت الصحيفة الأمريكية، أنه رغم أن المعونات العسكرية التي قدمتها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لأوكرانيا منذ بداية العملية الروسية في فبراير الماضي، بلغت ما يقرب من 20 مليار دولار، فإن الإدارة الأمريكية كانت ترفض إمداد أوكرانيا بأسلحة متطورة -بما في ذلك الصواريخ بعيدة المدى والطائرات المقاتلة ودبابات القتال- خشية أن تفسر روسيا تلك الخطوة على أنها تمثل تورط واشنطن بالحرب في أوكرانيا بشكل مباشر.
تأتي الخطوة الأمريكية، بينما انتقدت موسكو الدعم الأمريكي لأوكرانيا مرارًا، قائلة، إنه لا يؤدي سوى لإطالة النزاع.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بتصريحات متلفزة في أغسطس الماضي: "يظهر الوضع في أوكرانيا أن الولايات المتحدة تحاول إطالة أمد هذا النزاع، ويتصرفون بالطريقة ذاتها، إذ يثيرون احتمال اندلاع نزاعات في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية".
أمام ذلك، ترى الصحيفة الأمريكية، أن دعم واشنطن، كييف، بصواريخ باتريوت، من شأنه أن يجر الولايات المتحدة إلى عمق الحرب، مشيرة إلى أن صيانة وتشغيل مثل هذه الأنظمة معقدان.
ونقلت عن مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية قوله، إن التطورات الأخيرة في ميدان المعركة بأوكرانيا دفعت مجلس الأمن القومي الأمريكي لإصدار توصية بتغيير الموقف الأمريكي، بعد أن كثفت موسكو ضرباتها الصاروخية في جميع أرجاء أوكرانيا.
وأوضحت الصحيفة، أن روسيا كثفت هجماتها وزادت تنسيقها الدفاعي مع إيران، لتكملة إمداداتها المتناقصة من الطائرات من دون طيار والصواريخ البالستية، كرد فعل على التقدم الذي أحرزته أوكرانيا على الأرض، خصوصًا إعادة سيطرتها على خيرسون جنوبي البلاد.
دعم أمريكي مستمر
وأشارت "واشنطن بوست" إلى أن الولايات المتحدة كانت قد اتخذت خطوات أخرى الشهر الماضي، لتعزيز القدرات العسكرية للجانب الأوكراني، بينها إرسال منظومتي دفاع جوي متطورة (صواريخ أرض-جو)، وتوقيع اتفاق بـ 1.2 مليار دولار، لتصنيع ست منظومات أخرى خلال العامين المقبلين.
وبينت أنه، في وقت سابق من الصراع، ساعد المسؤولون الأمريكيون في التوسط بصفقة مع سلوفاكيا، حليف الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، لإرسال نظام الدفاع الجوي الوحيد إس - 300 إلى أوكرانيا مقابل وحدات "الناتو" باتريوت.
كانت سلوفاكيا أعلنت نقلها منظومة "إس-300" للدفاع الجوي إلى أوكرانيا، مؤكدة أن المنظومة الصاروخية أصبحت موجودة هناك، وأنه جرى نقلها بسرية تامة خلال الفترة الأخيرة.
وفي ما يخص الدعم الجديد، أفادت الصحيفة الأمريكية، بأن الولايات المتحدة تضع اللمسات الأخيرة على إرسال نظام الدفاع الصاروخي "باتريوت" إلى أوكرانيا، في الوقت الذي كشفت فيه تقارير غربية أن الإعلان الرسمي، من الممكن أن يكون في أقرب وقت هذا الأسبوع.
ونقلت عن مسؤولين بالإدارة الأمريكية، قولهم، إن إعلان القرار "قد يكون في غضون الساعات القليلة المقبلة، لكنه ينتظر موافقة رسمية من وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، والرئيس جو بايدن".
وأوضح أحد المسؤولين أنه "من المرجح تدريب القوات الأوكرانية على نظام الدفاع الصاروخي في ألمانيا، قبل إرسال معدات باتريوت إلى أوكرانيا"، بعدما طلبت كييف من شركائها الغربيين، توفير دفاعات جوية، لحمايتها من القصف الصاروخي الروسي المكثف.
واستهدفت موجات صواريخ كروز الروسية والطائرات من دون طيار التي زودتها إيران لموسكو، محطات الطاقة في جميع أنحاء أوكرانيا، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء والمياه، ورغم إسقاط العديد منها باستخدام الأنظمة الحالية، فإن ذلك لم يكن كافيًا.
في الوقت نفسه، وافقت إيران على زيادة عدد الطائرات من دون طيار التي تزودها لروسيا بشكل كبير، من مئات إلى آلاف، وحصلت موسكو على صواريخ بالستية إيرانية لتكملة مخزونها المتضائل.
وقال مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية، إن بايدن سيوقِّع خطة لمنح أوكرانيا نظام باتريوت فقط، بعد أن يجيب البنتاغون على جميع الأسئلة المتعلقة بالتدريب والصيانة، وقوانين النقل، وتأثيره في الاستعداد العسكري الأمريكي.
أمام ذلك، تعمل وزارة الدفاع "البنتاغون" على معايير برنامج تدريبي، من المحتمل أن يكون في ألمانيا.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا التدريب قد يستغرق أكثر من ستة أشهر، وقال مسؤول أمريكي آخر إن الأسلحة ستأتي من المخزونات الأمريكية، لكن ليس من أي وحدات عملياتية.
تأمين "الناتو"
كانت شبكة سي إن إن الأمريكية، كشفت أن وزير الدفاع الأمريكي وقَّع الصفقة، بانتظار موافقة بايدن.
وذكرت الشبكة أن نظام الأسلحة الدفاعية بعيد المدى "سيكون الأكثر فعالية الذي يرسل إلى أوكرانيا"، وقال المسؤولون إنه "سيساعد في تأمين المجال الجوي لدول الناتو في أوروبا الشرقية".
ونقلت "واشنطن بوست" عن الضابط العسكري الأمريكي المتقاعد مارك إف كانسيان -الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، الذي ركزت أبحاثه خلال الحرب على إمدادات الأسلحة- قوله: "ستكون هذه أكثر المعدات تحديًا التي تلقتها أوكرانيا حتى الآن"، مضيفًا: "إذا كان لدى الأوكرانيين عام أو عامان لاستيعاب باتريوت، فلن تكون تلك مشكلة، أظن أن البنتاغون قلق للغاية بشأن هذا الأمر".
وأعرب كانسيان عن اعتقاده أن واشنطن تُقدم على مغامرة باتخاذها تلك الخطوة، موضحًا أنه يبدو أن حاجة أوكرانيا الملحة للحصول على هذا النوع من الصواريخ المتطورة، هي التي دفعت الولايات المتحدة إلى اتخاذ هذا القرار، الذي يتعارض مع موقف البيت الأبيض السابق.
وحسب الصحيفة، يعتمد نظام باتريوت على رادار متطور لاكتشاف التهديدات، ويطلق صواريخ بعيدة المدى لاعتراضها، في حين أن قاذفاتها مثبتة على هيكل شاحنة، وتعد عالية الحركة.
وقد خُصص نحو 90 جنديًا لبطارية باتريوت النموذجية، التي تضم ما يصل إلى ثماني قاذفات، تحمل كل منها ما بين أربعة صواريخ و16 صاروخًا لإطلاق النار، اعتمادًا على نوع الذخيرة.
وأشارت الصحيفة إلى أنه رغم أن الأمر يتطلب طاقمًا مكونًا من ثلاثة أفراد فقط، لتشغيل النظام بمجرد نشره، فإنه عادةً ما يلزم إجراء نسخ احتياطي وافر، لافتة إلى أن النظام مصمم لاستخدامه على مستوى الكتيبة، حيث تضم كل كتيبة مقرًا رئيسًا، وشركة صيانة، ومتخصصين في الاتصالات.
وتمتلك الولايات المتحدة قرابة 15 كتيبة باتريوت، ينتشر العديد منها في أوروبا والشرق الأوسط.
العديد من حلفاء وشركاء الولايات المتحدة أيضًا، يمتلكون أنظمة باتريوت الأمريكية الخاصة بهم.
ومن الممكن أن تقفز صواريخ باتريوت إلى ارتفاعات تصل إلى 79000 قدم، مع نطاق تشغيلي، اعتمادًا على نوع الذخيرة المستخدمة، من عشرة إلى 100 ميل، لاستخدامها ضد الصواريخ البالستية والصواريخ الانسيابية، وكذلك الطائرات.
ورغم أنه لم يتضح نوع الذخيرة التي سيقترح البنتاغون توريدها، فإن إطلاق معظم الصواريخ الروسية يكون بطائرات خارج الأراضي الأوكرانية، من طائرات تحلق داخل حدود روسيا أو فوق البحر الأسود.
ونقلت الصحيفة عن مدير مشروع الدفاع الصاروخي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، توم كاراكو، قوله، إن نظام باتريوت "أحد أكثر أنظمة الدفاع الصاروخي الجوي تشغيلًا وموثوقية وثباتا".
وأوضح أن المدى الموسع للباتريوت وتعقيدها، يمنحانها قدرة أكبر على رؤية وتدمير التهديدات، أكثر من الأنظمة الأخرى، لكنه قال إن ذلك يتطلب أيضًا مسؤولية أكبر للتمييز بين الصديق والعدو و"الحاجة المتزايدة للتأكد مما تريده".