لماذا الولايات المتحدة الرابح الحقيقي في حروب الطاقة؟
رغم المعاناة التي يعيشها المستهلك الأمريكي من ارتفاع أسعار الطاقة، تعد الارتفاعات الأخيرة في الأسعار عمودًا فقريًا لقطاع استخراج النفط الصخري الأمريكي

ترجمات - السياق
في ضوء الأزمة العالمية بمجال الطاقة، التي تفاقمت منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، رأت صحيفة فايننشال تايمز أن الاتحاد الأوروبي الخاسر الأكبر في حرب الطاقة، بينما تتكشف حقائق أخرى عن إمكانية أن تكون الولايات المتحدة الرابح الأكبر من هذه الأزمة.
وقالت الصحيفة، في تحليل للصحفي البريطاني، جدعون راتشمان: إن الصدمات النفطية الكبرى في سبعينيات القرن الماضي علَّمت السياسيين الغربيين درسًا واقعيًا عن الطاقة كقوة عظمى في العالم، مشيرة إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يبدو أنه تعلَّم الدرس جيدًا عندما ضغطت الدول الأكثر إنتاجًا للنفط في منطقة الخليج على الولايات المتحدة أثناء حرب أكتوبر 1973.
وأكدت أن بوتين بدا أنه يجيد استخدام سلاح الطاقة، للإفلات من العقوبات المفروضة عليه بعد قراره بغزو أوكرانيا، من خلال تقييد إمدادات الغاز إلى أوروبا، مشيرة إلى أن احتمال قطع الغاز الروسي يثير حالة من الذعر في أوروبا، حيث تفكر ألمانيا والاقتصادات الأخرى في تقنين الطاقة هذا الشتاء.
وحسب الصحيفة، فإن ما يزيد وطأة الأزمة -بعد أن دعت ألمانيا أوروبا إلى توفير استهلاك الطاقة- أن أشهرًا قليلة تفصل القارة العجوز عن فصل الشتاء والبرد القارس الذي ينتظره الأوروبيون، وسط قلق من إمكانية ألا يجدوا ما يساعدهم في التدفئة.
الطاقة تحكم
واعتبرت "فايننشال تايمز" أن الدرس يبدو بسيطًا، إذ إنه عام 2022 -كما كان عام 1973- لا يزال بإمكان كبار منتجي النفط في العالم، جعل القوى السياسية الكبرى تدور في فلكها.
وأضافت: "إذا نظرنا إلى ما هو أبعد من العناوين الرئيسة، نجد أن الجغرافيا السياسية للطاقة أكثر تعقيدًا"، لافتة إلى أن أغلبية المؤشرات المتوافرة في المشهد الحالي ترجح أن روسيا تتمتع بموقف قوي على المدى القصير في ما يتعلق بإمدادات الطاقة، لكنها قد تواجه الكثير من المتاعب وتتحول إلى موقف سيئ، خلال السنوات الثلاث المقبلة، بينما على النقيض من ذلك، فإن الولايات المتحدة قد تعاني -على المدى القصير- أزمة طاقة، لكنها قد تحقق مكاسب كبيرة على المدى الطويل من تلك الأزمة.
وبين أمريكا وروسيا -حسب الصحيفة- يعاني الاتحاد الأوروبي أكبر المشكلات على المديين القصير والمتوسط، إذ إنه رغم الحديث الشجاع عن التنويع والابتعاد عن استخدام الكربون، لا يزال الأوروبيون بعيدين عن إيجاد استراتيجية طاقة جديدة قابلة للتطبيق.
السباق الروسي الأوروبي
وبينت الصحيفة أن روسيا والاتحاد الأوروبي تخوضان سباقًا مع الزمن، لافتة إلى أنه من الواضح أن الهدف الروسي هندسة أزمة اقتصادية في أوروبا هذا الشتاء، وبذلك إضعاف دعم الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا، وهو ما دفع حكومة المجر -التي اشتهرت بموقفها المتسامح مع بوتين- للضغط لوقف سريع لإطلاق النار في أوكرانيا، خوفًا من كارثة اقتصادية محتملة.
الاستغناء عن الطاقة الروسية
وأوضحت أن أمام الأوروبيين أشهرًا قبل الشتاء للاستعداد للضغط الروسي المقبل، لكن حتى لو نجحت تكتيكات الضغط التي تتبعها موسكو على المدى القصير، فإن بوتين على المدى الطويل يدمر إحدى الركائز الأساسية للقوة الروسية.
وفسرت ذلك بأن أوروبا تعلَّمت درسًا مريرًا عن مخاطر الاعتماد على الطاقة الروسية وحدها، ومن ثمّ فهي الآن مصممة على ألا تكون معرضة للخطر مرة أخرى، وهو ما يعني احتمال الاستغناء عن النفط الروسي في المستقبل.
ونقلت الصحيفة عن أحد كبار المسؤولين الألمان قوله: "قبل الحرب، كانت روسيا تتطلع إلى 30 عامًا أخرى من عائدات النفط والغاز المضمونة، الآن يتطلعون إلى ثلاث سنوات فقط".
تضاؤل القدرة الحربية
وأشارت إلى أنه حتى على المدى القصير، يُعد قطع صادرات الغاز عن أوروبا لعبة خطرة لروسيا، لأن ما يقرب من مليار يورو في اليوم لا يزال يتدفق إلى خزائن روسيا، بشكل أساسي من أوروبا، ومن ثمّ إذا ضحى بوتين بهذه الإيرادات، فإن قدرته على الاستمرار في الحرب ستتضاءل بسرعة.
تحرير أوروبا
وذكرت "فايننشال تايمز" أنه رغم أنه يمكن لروسيا أن تجد أسواقًا بديلة لنفطها بسهولة نسبيًا، خصوصًا في الهند والصين، فإن بكين ونيودلهي قد تستغرقان سنوات لبناء منشآت جديدة تستوعب النفط الروسي، عكس أوروبا، التي تحصل على النفط الروسي بسهولة عبر خطوط الأنابيب.
وأوضحت أنه يمكن رؤية جدية الجهود الأوروبية لتحرير أنفسهم من الاعتماد على الطاقة الروسية في أجندات سفر قادتهم، حيث زارت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، إسرائيل ومصر، لتوقيع صفقة غاز جديدة، بينما زار المستشار الألماني أولاف شولتز السنغال وألقى بثقله وراء تطوير حقل غاز جديد هناك.
الأزمة لن تحل
ومع ذلك -تضيف الصحيفة- لا يزال هناك سؤال مهم عن السرعة والسلاسة التي يمكن أن تحل بها أوروبا مشكلة البديل للطاقة الروسية، مشيرة إلى أن بعض كبار الشخصيات في صناعة الطاقة يتشككون في الوصول إلى حل جذري قبل 5 سنوات على الأقل من الآن، حتى يمكن لأوروبا أن تقلل حاجتها من الطاقة الروسية.
ورغم التوقعات بأنه قد تحل أوروبا مشكلة البديل للطاقة الروسية خلال نحو 5 سنوات، فإن الصحيفة البريطانية ترى أن الأزمة لن تُحل، بينما يواجه المستهلكون ارتفاعًا مستمرًا في الأسعار وتواجه الصناعة إمدادات غير آمنة.
وضع أمريكي مريح
ورأت "فايننشال تايمز" أنه على النقيض من الأزمة التي تلاحق أوروبا، فإن أمريكا في وضع مريح أكثر على المدى الطويل، إذ إنه وفقًا لدان يرغين، محلل الطاقة البارز، حلت أمريكا مكان روسيا كأكبر مصدر للطاقة في العالم.
ورغم المعاناة التي يعيشها المستهلك الأمريكي من ارتفاع أسعار الطاقة، تعد الارتفاعات الأخيرة في الأسعار عمودًا فقريًا لقطاع استخراج النفط الصخري الأمريكي.
وبينت الصحيفة أن أحد الدروس المستفادة من حرب أوكرانيا، أنه من الخطر أن يعتمد بلد ما على خصم جيوسياسي للحصول على طاقته، مضيفة: "أمريكا الآن مصدر صافٍ كبير للطاقة، بينما لا تزال الصين -ثاني أكبر اقتصادات العالم- تعتمد بشكل كبير على الواردات".
وأشارت إلى أن الإنتاج الأمريكي وحده لا يمكنه حماية المستهلكين الأمريكيين من ارتفاع أسعار النفط العالمية، لافتة إلى أنه أمام ذلك فإن رغبة الولايات المتحدة، في فرض العزلة على روسيا وإيران وفنزويلا، كانت سببًا في تعزيز موقف السعودية بين أكبر منتجي النفط على مستوى العالم.
وأوضحت الصحيفة أن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تناصب جميع كبار منتجي النفط على مستوى العالم العداء، مرجحة أن تتمتع السعودية بموقف مميز يفيد الولايات المتحدة سياسيا أيضًا، وليس اقتصاديًا فحسب، خصوصًا أنها من أقدم حلفاء الولايات المتحدة، عكس روسيا أو إيران.
عودة إلى الفحم
وأوضحت "فايننشال تايمز" أنه بينما أدت أزمة الطاقة العالمية -التي نجمت عن الغزو الروسي لأوكرانيا- إلى زيادة الطلب على الوقود الأحفوري -بما في ذلك الفحم- غير الروسي، فإنها أيضًا فتحت الباب على مصراعيه أمام منتجي النفط الصخري الأمريكي، للاستحواذ على نصيب أكبر من السوق العالمية على حساب روسيا.
وعن تحول العالم إلى (الفحم)، ذكرت الصحيفة البريطانية، أن ألمانيا بدأت إعادة تشغيل محطات الفحم المعطلة، لتوليد الكهرباء وتأمين إمدادات بديلة، حال قطع شحنات الغاز الروسي، بينما مازالت الصين تتشبث بشكل أكثر تشددًا بأكثر أشكال إنتاج الطاقة المحلية موثوقية وهو الفحم.