فورين بوليسي: معركة دبلوماسية بين أمريكا وروسيا للسيطرة على إفريقيا

تلعب الولايات المتحدة وروسيا لعبة الكراسي الموسيقية الدبلوماسية في إفريقيا

فورين بوليسي: معركة دبلوماسية بين أمريكا وروسيا للسيطرة على إفريقيا

ترجمات - السياق 

عقب جولة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الإفريقية، في إطار سعي روسيا لتعزيز علاقاتها ببلدان القارة، وسط عقوبات وعزلة دولية تعيشهما موسكو، عقب غزوها أوكرانيا، ظهر اهتمام من نوع آخر، إذ كشفت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، أن الولايات المتحدة تسير على خطى روسيا في رحلات استقطاب إلى القارة السمراء.

وحسب المجلة الأمريكية، "تلعب الولايات المتحدة وروسيا لعبة الكراسي الموسيقية الدبلوماسية في إفريقيا، إذ إنه بينما يتخذ البنتاغون خطوات صغيرة نحو إعادة تأسيس وجود قواته في الصومال، تعمل روسيا على توسيع نطاق وجودها العسكري في إفريقيا من خلال مرتزقة فاغنر".

أمام هذه التطورات، من المقرر أن ترسل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن اثنين من كبار مسؤوليها إلى إفريقيا خلال الأسابيع المقبلة، في محاولة لإحياء المشاركة الأمريكية في القارة والتنافس مع منافسيها الجيوسياسيين، روسيا والصين، على النفوذ هناك.

رحلات بلينكن

ونقلت "فورين بوليسي" عن مسؤولين أمريكيين، تأكيدهم، أن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين سيقوم برحلات إلى إفريقيا بداية أغسطس، يزور خلالها جمهورية الكونغو الديمقراطية وجنوب إفريقيا .

في غضون ذلك، تتجه سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، إلى غانا وأوغندا الأسبوع المقبل، بعد زيارة رئيسة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية سامانثا باور إلى الصومال وكينيا الأسبوع الماضي.

ورأت المجلة، أن هذه الزيارات المكوكية المتلاحقة -بعد زيارة لافروف إلى مصر والكونغو وأوغندا وإثيوبيا- تكشف التنافس الجيوسياسي بين واشنطن وموسكو للحصول على دعم الدول الإفريقية بشأن الحرب في أوكرانيا.

وتعاني البلدان الإفريقية صدمات اقتصادية للحرب، بما في ذلك أزمة الإمدادات الغذائية بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي أدى إلى خروج صادرات مهمة من المواد الغذائية، وغيرها من المواد الزراعية الأساسية، عن مسارها من البلدين.

وتُعد أوكرانيا رابع أكبر دولة مصدرة للقمح في العالم، بـ 42 في المئة من الإنتاج العالمي من زيت دوار الشمس و16 في المئة من إنتاج العالم من الذرة و9 في المئة من إنتاج القمح.

علاوة على تأثير الحرب في الصادرات الأوكرانية، فإن صادرات القمح من روسيا -التي تُعد أكبر مصدر له في العالم- انخفضت.

الصديق الحقيقي

وترى "فورين بوليسي" أن الزيارات المكوكية المتلاحقة للمسؤولين الروس والأمريكيين، إلى إفريقيا، لتقديم يد العون، وتأكيد من منهما الصديق الحقيقي لهذه الدول.

وأشارت إلى أن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف زار أوغندا وجمهورية الكونغو وإثيوبيا ومصر، في محاولة لإظهار أن روسيا ليست معزولة دوليًا كما كان يأمل الغرب، وقدَّم بلاده على أنها صديقة للدول الإفريقية، حيث دعم المقترحات لمنح القوى الإفريقية نفوذًا أكبر في الأمم المتحدة، ومقعدًا دائمًا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وألقى باللوم على الغرب في صدمات أسواق المواد الغذائية داخل القارة، وليس على الحرب.

وقال لافروف، أثناء توقفه في إثيوبيا: "أنا واثق بأن الأغلبية العظمى من الدول لا تريد أن تعيش كما لو أن الحقبة الاستعمارية قد عادت".

تأتي رحلة لافروف -حسب المجلة الأمريكية- في الوقت الذي تعمل فيه روسيا على توسيع وجودها العسكري في إفريقيا، من خلال "وجود مرتزقة مرتبطين بالكرملين من مجموعة فاغنر في الدول الإفريقية غير المستقرة سياسيًا للحفاظ على نفوذها في القارة".

ووفقًا لمصادر المخابرات الأمريكية، فإنه بعد أن عززت "فاغنر" وجودها في مالي، قد تتجه إلى بوركينا فاسو بعد ذلك.

تحديات وأشواك

لكن -حسب "فورين بوليسي"- تواجه روسيا تحديات عدة قد تعيق خططها في إفريقيا، مشيرة إلى أنه من السهل على لافروف التحدث كيفما شاء، لكن اقتصاد بلاده في حالة يرثى لها، بعد أن تحولت الحرب في أوكرانيا إلى مستنقع لجيش بلاده، وأخضعت معظم الاقتصادات الكبيرة في العالم موسكو لعقوبات مدمرة.

أمام هذه التحديات، أضافت المجلة: "بعيدًا عن بعض الجدل الدبلوماسي الخيالي والمرتزقة الذين لديهم ميل لارتكاب الفظائع، يأتي غصن الزيتون الروسي إلى البلدان الإفريقية مع الكثير من الأشواك".

وتأكيدًا لتفسيرها للتحديات التي تواجه روسيا، نقلت المجلة عن جوزيف سيجل من مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية قوله: روسيا تمتلك اقتصادًا بحجم اقتصاد إسبانيا، ولا توفر استثمارات ولا تجارة كبيرة للقارة السمراء (بخلاف الحبوب والأسلحة)، فضلًا عن أنها منفصلة -بشكل متزايد- عن النظام المالي الدولي.

مقابل ذلك -حسب المجلة- فإن الجهود التي تقودها الولايات المتحدة، لحشد الدول في جميع أنحاء القارة، لعزل روسيا دبلوماسيًا واقتصاديًا، فشلت حتى الآن.

أمام هذا الفشل، من المتوقع أن يحاول بلينكين -خلال زيارته المتوقعة للقارة- التوسط في التوترات بين الكونغو ورواندا بشأن دعمها المزعوم لحركة 23 مارس المتمردة المتورطة في اشتباكات مستمرة مع الجيش الكونغولي.

وأشارت المجلة، إلى أن توسط بلينكن، يأتي على خلفية رسالة من السناتور بوب مينينديز، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، طالبه فيها بضرورة تعليق المساعدة الأمنية الأمريكية لرواندا -بدءًا من تعليق ملايين الدولارات من الدعم لقوات حفظ السلام الرواندية- على خلفية دورها المزعوم في دعم حركة 23 مارس المتمردة.

وبينت أن منينديز، حث بلينكين على إجراء "مراجعة شاملة" لسياسة الولايات المتحدة تجاه رواندا في ضوء ما سماه "استمرار تجاهل الديمقراطية وحقوق الإنسان هناك".

وفي ما يتعلق بالأوضاع في الصومال، نقلت "فورين بوليسي" عن الجنرال ستيفن تاونسند، القائد العسكري الأعلى للولايات المتحدة في إفريقيا، قوله: الولايات المتحدة لا تزال في "المراحل الأولية" لإعادة وجود قواتها في الصومال، بعد أن أمر بايدن القوات الأمريكية بالعودة إلى البلاد هذا العام.

وحسب المجلة، فقد كانت القوات الأمريكية تواجه خطرًا محدقًا في تنقلاتها بالصومال، خاصة من قِبل حركة الشباب التابعة لتنظيم القاعدة، وهو ما قلص تعاملات وزارة الدفاع مع الصوماليين، نتيجة للشكوك المحيطة، ويأمل البنتاغون تغيير المشهد مع وجود رئيس منتخب جديد هو حسن شيخ محمود.

وقال تاونسند، الذي يغادر منصبه الشهر المقبل، إن قواتهم الأمنية الأكبر كانت مشتتة بسبب الخلل السياسي، الذي كانت تعيشه البلاد خلال العامين الماضيين.

كانت قيادة الجيش الأمريكي في إفريقيا "أفريكوم" حذرت من هجمات حركة الشباب على إثيوبيا، وقالت إنها لم تكن صدفة، وذلك في أول تعليق للجيش الأمريكي على تسلل المقاتلين إلى المنطقة الصومالية في إثيوبيا.

وأشار الجنرال ستيفن تاونسند، القائد المنتهية ولايته للقيادة الأمريكية في إفريقيا، إلى أن حركة الشباب تشجعت بسبب الاضطرابات السياسية الأخيرة في الصومال، التي استحوذت على اهتمام المسؤولين والسياسيين الصوماليين، طوال الثمانية عشر شهرًا الماضية، وكذلك بقرار ديسمبر 2020 من رئيس الولايات المتحدة آنذاك، دونالد ترامب، بإنهاء وجود القوات الأمريكية في الصومال.

وأضاف: "هذا ليس صدفة… قبل أقل من عام فقط دعا أمير حركة الشباب أحمد ديري إلى زيادة التركيز على الهجمات الخارجية وزيادة التركيز كذلك على مهاجمة أهداف غربية في القرن الإفريقي".

كان ما يقرب من 500 من مقاتلي حركة الشباب عبروا إلى شرقي إثيوبيا قبل أسبوع، واشتبكوا مع القوات الإثيوبية على طول الحدود، وتشير التقييمات الأمريكية إلى أنهم ربما اخترقوا ما يصل إلى 150 كيلومترًا داخل إثيوبيا، قبل إيقافهم.