الإيكونوميست: المجاعة تُحاصر الصوماليين... والمساعدات لا تصل إلى أغلبية السكان
الأطفال يموتون، حيث تأتي الأمهات بعد فوات الأوان ويدفن أطفالهن في الطريق

ترجمات - السياق
أصبح الصومال على شفا التعرض لمجاعة على نطاق واسع، تهدد حياة مئات الآلاف من سكانه، لعوامل عدة، من أبرزها موجة الجفاف القاسية التي تضرب البلاد، وتداعيات الحرب في أوكرانيا، حسب تقرير لمجلة الإيكونومست البريطانية.
وأفادت المجلة، بأن آلاف الصوماليين يعيشون حياة فقر وبؤس منذ نحو ثلاثة عقود، مشيرة إلى أن الصومال يُعد خامس أفقر دولة في العالم، وثامن أكثر الدول عنفًا، كما يأتي متوسط العمر المتوقع للصوماليين سادس أدنى مستوى في العالم.
وأشارت إلى أن كل ذلك، يحدث بينما تسيطر الحكومة فقط على أجزاء من البلاد، والباقي بيد متطرفين، يلجأون لتفجير أنفسهم في أماكن مزدحمة.
جفاف وفيضانات
وأوضحت "الإيكونومست" أن الجفاف والفيضانات يزيدان معاناة الصوماليين، حيث سبق أتسبب تراجع الأمطار عام 2011 في أسوأ مجاعة بالعالم في القرن الحادي والعشرين، التي أودت بحياة أكثر من 250 ألف شخص، نصفهم من الأطفال.
وبعد عقد من الزمان، قد يعيد التاريخ نفسه، حيث تعاني دول منطقة القرن الإفريقي (الصومال وإثيوبيا وكينيا) موجة جفاف شديدة، مشيرة إلى أن هذه الموجة هي الأسوأ منذ أربعة عقود، إذ أدت إلى تلف المحاصيل الزراعية وقتل الماشية في الدول الثلاث، وبات أكثر من 18 مليون شخص في المنطقة، يكافحون للعثور على ما يسد رمقهم من الطعام، وسط ارتفاع نسبة وفيات الأطفال.
وبحسب المجلة، فإن الصومال الهشة ستكون الأكثر تضررًا من موجة الجفاف هذه، إذ يرى محمد عبدي، عضو المجلس النرويجي للاجئين (مؤسسة خيرية) أنه إذا لم نفعل شيئًا في الوقت الراهن، فإننا سنتحدث في ما بعد عن مئات الآلاف من الوفيات في الصومال.
على صعيد متصل، قد يكون الاضطراب السياسي والفقر في الصومال مسؤولين عن الكارثة، إلا أن المسؤولية تقع أيضًا خارج حدود الصومال -لكن بشكل محدود- حيث لا يمكن ربط الجفاف الحالي مباشرة بظاهرة الاحتباس الحراري في العالم، لأن الصومال ينبعث منه ثاني أكسيد الكربون بصورة أقل من إمارة "أندورا" - دولة حبيسة صغيرة جنوبي غرب أوروبا- ومن ثم لا يمكن الاستناد إلى مشكلة تغيُّر المنا،خ الذي يجعل حالات الجفاف أكثر شيوعًا كسبب للأزمة الراهنة في الصومال، كما لا يمكن أيضًا تفسير تلك الأزمة في ضوء تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية وحدها.
وبينت المجلة أن الصومال يستورد قرابة 80% من طعامه، مشيرة إلى أنه في يناير الماضي، أدت تكاليف الشحن المرتفعة إلى اقتراب الأسعار المحلية من المستويات التي شوهدت آخر مرة خلال مجاعة عام 2011، كما أدت الأزمة الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار الوقود إلى تفاقم أسعار الغذاء.
ونتيجة لذلك، أصبحت تكاليف الغذاء أكثر تكلفة بالنسبة للصوماليين، حيث يكافح ما يقرب من 7 ملايين شخص، أي أكثر من 40% من سكان الصومال، للحصول على الطعام، كما يعاني نحو 1.4 مليون طفل سوء التغذية الحاد، وهناك المئات -ربما الآلاف- من حالات الوفاة بسبب سوء التغذية. ومع ذلك، لم يتم الإعلان عن المجاعة رسميًا حتى الآن. ولكن بمجرد استيفاء المعايير المتعلقة بسوء التغذية، وندرة الغذاء، ومعدلات الوفيات، سيكون من شبه المؤكد أن الأوان قد فات لتجنُّب الكارثة.
وتشير المجلة إلى أن الحرب في أوكرانيا وما أسفرت عنه من ارتفاع أسعار الوقود، أدت إلى زيادة أسعار المواد الغذائية، وجعلت شراء القوت اليومي للصوماليين، الذين يعيشون على ما تنتجه أراضيهم الزراعية أكثر تكلفة، كما جعلت من الصعوبة بمكان تقديم المساعدة لهم من سكان المدن.
كما أدى ارتفاع أسعار الحبوب إلى زيادة تكلفة المساعدات المقدمة للصومال، فمنذ بداية الحرب في أوكرانيا، ارتفعت الفواتير التشغيلية لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة بنسبة 44%، وتمكن المانحون من تقديم 30% فقط من المبلغ الإجمالي الذي تقول الأمم المتحدة إنها بحاجة إليه لتجنُّب كارثة في الصومال، الذي يبلغ 1.5 مليار دولار.
وكشفت المجلة، أن بريطانيا أوقفت المساعدات التي تراها غير ضرورية، لتجنُّب عجز في ميزانيتها التي أرهقتها تكلفة المساعدات الإنسانية المخصصة لأوكرانيا.
ونتيجة لكل ما سبق -حسب المجلة البريطانية- يجد عمال الإغاثة في الصومال أنفسهم مضطرين لاتخاذ قرارات صعبة بشأن من يساعدون ومن يرفضون تقديم يد العون لهم من السكان.
تفادي الكارثة
وبينت "الإيكونومست" أن هناك نحو 7 ملايين شخص في الصومال -أي أكثر من 40% من السكان- يكافحون للحصول على ما يسد رمقهم من الطعام.
ووفق تقديرات عمال الإغاثة، فإن نحو 1.4 مليون طفل يعانون سوء التغذية الحاد، بينما قضى مئات الأطفال -وربما الآلاف- بسبب المجاعة الحالية.
ورغم هذا الوضع المرعب، فإن ذلك لم يؤدِ إلى إعلان رسمي عن مجاعة في الصومال، وهو مصطلح تقني يستخدم فقط عندما يتجاوز الوضع في بلد ما مجموعة من العتبات المتعلقة بسوء التغذية وندرة الغذاء ومعدلات الوفيات، لكن -حسب المجلة- فإن الوضع في الصومال قريب من هذه المستويات في بعض المناطق وقد تجاوزها في مناطق أخرى.
وترى المجلة، أنه عندما يتم استيفاء جميع المعايير لإعلان المجاعة في الصومال، فإنه من المؤكد أن يكون الأوان قد فات لتفادي الكارثة، وهو السيناريو الذي حدث، فعندما تم الإعلان عن مجاعة في الصومال عام 2011، الإعلان الذي أطلق سيلًا من تمويل المانحين، نِصف الوفيات المتوقعة حدث بالفعل.
الجدير بالذكر أن الصومال كان منذ فترة طويلة عُرضة للجفاف، إلا أن الجفاف الحالي هو الأكثر حدة منذ 40 عامًا، لذلك فإن مساعدة الشعب الصومالي لن تتطلب المزيد من المال مقابل الغذاء فحسب، بل تحتاج أيضًا إلى مزيد من الجهود لتوجيه المساعدات إلى من هم في أمس الحاجة إليها، وإلى أجزاء من الريف، كما يتعين على وكالات الإغاثة تحمُّل المزيد من المخاطر، ليست فقط على عمالها لكن أيضًا سمعتها وقدرتها على جمع الأموال.
ونقلت المجلة عن كريستوف هودر ، مستشار الأمم المتحدة للمناخ في البلاد، قوله: رغم أن الجفاف الحالي لا يمكن ربطه مباشرة بالاحترار العالمي فإنه الأكثر انتشارًا، مشيرًا إلى أن التوقعات بأمطار قريبًا قليلة جدًا.
وأضاف: "مع توقع ارتفاع متوسط الحرارة في الصومال بمقدار 3-4 درجات مئوية بحلول عام 2080، فإن التوقعات على المدى الطويل مريعة".
ليس الطقس وحده
ورأت "الإيكونومست" أن الطقس ليس المسؤول وحده عن هذه الكارثة، مشيرة إلى أنه منذ عام 1991، تعيش البلاد في حرب أهلية وحركة تمرد يقودها متطرفون، بعد سقوط سياد بري.
تبعت ذلك -حسب المجلة- عقود من الفوضى، وشهدت البلاد التي كانت تكفي نفسها من الطعام، انخفاضًا حادًا في إنتاج الحبوب بنسبة 60 منذ عام 1989، لافتة إلى أن هذا الإنتاج الضعيف من الزراعة لا يلبي سوى خُمس احتياجات البلاد، بينما يعيش الآخرون على استيراد معظم المواد الغذائية الأساسية، بما في ذلك الأرز والمكرونة وزيت الطهي.
كما دمر القتال البنية التحتية، وأعاق الاقتصاد، وأجبر الملايين على الفرار من منازلهم، وترك الدولة غير قادرة على توفير الخدمات الأساسية مثل الرعاية الصحية والتعليم.
وأشارت إلى أن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود -الذي تولى منصبه في يونيو الماضي- يأمل إنقاذ البلاد من المجاعة وفوضى السلاح، التي ورثها عن سلفه محمد عبدالله محمد، الذي كاد أن يشعل الحرب الأهلية مجددًا، عندما حاول البقاء في منصبه بعد انتهاء ولايته.
وحسب المجلة، تسيطر الحكومة وحلفاؤها على العاصمة مقديشو ومدنها الإقليمية الرئيسة، لكن حركة الشباب، التابعة لتنظيم القاعدة تسيطر على مساحات شاسعة من الريف.
معاناة الأطفال
وعن معاناة الأطفال، نقلت "الإيكونوميست، عن عبدالله أحمد إبراهيم، طبيب في مستشفى بيدوا العام، قوله: "الأطفال يموتون، حيث تأتي الأمهات بعد فوات الأوان ويدفن أطفالهن في الطريق".
وأشارت المجلة، إلى أن شخصًا يدعى إسحاق نور إبراهيم أحضر زوجته وولديه الصغار إلى مخيم عشوائي على مشارف كيسمايو بعد نفوق ماشيته قبل ثمانية أشهر.
وذكرت أنه بعد خسارة عمله الذي كان يتكسب منه دولارًا واحدًا في اليوم، توقف عن إطعام أولاده الوجبة اليومية الوحيدة، ما أصاب ابنه عبد الكافي -البالغ من العمر عامين- بفقر الدم المرتبط بسوء التغذية، ليلقى حتفه.
حسب المجلة أيضًا، توفي صبي آخر هو ابن شقيق إبراهيم البالغ من العمر أربع سنوات، بسبب سوء التغذية، ولحق به سبعة أطفال في الشهر نفسه.
وختمت "الإيكونومست" تقريرها، بالإشارة إلى قلق وكالات الإغاثة من الوقوع تحت طائلة العقوبات الأمريكية –بموجب قوانين مكافحة الإرهاب- إذا وجَّهت المساعدات للصومال، ووقعت هذه المساعدات في أيدي الجماعات المتطرفة المشمولة ضمن قائمة الإرهاب الأمريكي.
ومع ذلك -حسب المجلة- فإن عدم بذل المزيد من الجهد للمساعدة، ينطوي أيضًا على مخاطر على أمن الصومال، لأن عدم توفر الطعام قد يدفع الصوماليين إلى دعم الجماعات المتطرفة، ما يزيد مخاطر تفاقم الأوضاع في البلاد.