هل لرحلة بيلوسي إلى تايوان عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي؟

هذه الأضرار قد تكون أكثر شدة من الضرر الناتج عن الأزمة الأوكرانية

هل لرحلة بيلوسي إلى تايوان عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي؟
نانسي بيلوسي في تايوان

ترجمات - السياق 

لم تستبعد صحيفة غارديان البريطانية، أن تكون للزيارة الأخيرة التي أجرتها نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي إلى تايوان، عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي، مشيرة إلى أن التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين تهدد بتسريع الفصل بين أكبر اقتصادين في العالم.

وأشارت الصحيفة، إلى أن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين كانت سيئة، حتى قبل زيارة بيلوسي لتايوان، لافتة إلى أن الزيارة ستسرع تحول الأمور إلى ما هو أسوأ قريبًا.

ورأت أنه في الوقت الحالي تبدو الأمور قابلة للاحتواء، فقد استجابت الأسواق المالية -بهدوء نسبي- لزيارة نانسي بيلوسي والتدريبات العسكرية التي أمرت بها بكين ردًا على ذلك، مشيرة إلى أن هذا الوضع سيستمر في حالة واحدة فقط، هي أن تتوقف الصين عن اتخاذ أي قرار أحادي الجانب تجاه تايوان قريبًا.

رأي آخر

لكن -حسب غارديان- فإن الرئيس الصيني شي جين بينغ يمتلك أسلحة اقتصادية ومالية تحت تصرفه وقد يختار استخدامها، وهو ما يُغير طبيعة الأمور.

من هذه الأسلحة الاقتصادية التي يمتلكها شي -حسب الصحيفة البريطانية- وأكثرها اعتدالًا، أنه "يمكن أن تجعل الصين من الصعب على الشركات الأمريكية الوصول إلى أسواقها، لكنها لن تكون في عجلة من أمرها"، مضيفة: "على سبيل المثال، قد تتخذ بكين قرارًا نهائيًا بالسماح لشركة بوينغ باستئناف مبيعات طائراتها من طراز ماكس 737".

كانت سلطات الطيران الصينية قد أصدرت في ديسمبر الماضي، توجيهًا بشأن صلاحية الطيران لشركة بوينغ، لسلسلة 737 ماكس، من شأنه أن يساعد في تمهيد الطريق لعودة الطراز إلى الخدمة في الصين، بعد أكثر من عامين ونصف العام.

وتم توجيه شركات الطيران إلى المراجعات الضرورية قبل عودة ماكس إلى الخدمة، رغم أنه لم يحدد متى ترفع الصين حظر ماكس فى مجالها الجوي.

وتشير الصحيفة إلى أن ذلك "سيؤدي إلى تسريع فصل أكبر اقتصادين في العالم، وهو اتجاه بدأ عندما كان دونالد ترامب في البيت الأبيض واستمر في عهد جو بايدن"، مشيرة إلى أن ما سمته "العداء لبكين" هو أحد الأشياء القليلة التي يتفق عليها الجمهوريون والديمقراطيون.

أبعد من ذلك

ومع ذلك -حسب غارديان- هناك خطر أكبر يتمثل في أن الصين يمكن أن تذهب أبعد من ذلك وتستغل اعتماد تايوان على الوقود المستورد من خلال فرض حصار على الجزيرة.

تعليقًا على ذلك، نقلت الصحيفة عن مارك ويليامز، كبير محللي آسيا في كابيتال إيكونوميكس، قوله: "هذا من شأنه أن يشل الصناعة التايوانية قريبًا ويسبب اضطرابًا اقتصاديًا عالميًا هائلا".

وذلك -كما تضيف الصحيفة- لأن تايوان تصنع ما يقرب من نصف أشباه الموصلات في العالم، التي تُستخدم في كل شيء من الهواتف المحمولة إلى السيارات، التي تعاني نقصًا.

أمام هذه المعضلة -حال وقوعها- ترى الصحيفة، أن تقييد تصدير الرقائق قد يؤدي إلى اختناقات في العرض وارتفاع التضخم وضعف النمو العالمي، مشددة على أنه "لا محالة، ستكون هناك ضغط أيضًا على الولايات المتحدة، ليس فقط لفرض عقوبات اقتصادية وتجميد الأصول، ولكن للتدخل عسكريًا أيضًا".

وأوضحت أنه رغم استهانة الأسواق المالية بالمخاطر التي تشكلها تايوان، فإنه على أقل تقدير "ستتلقى الأعمال ضربة جديدة، وستزداد القيود التجارية المتبادلة، وسيكون هناك المزيد من الضغط لتحقيق الاكتفاء الذاتي الوطني، لتقليل الاعتماد على سلاسل التوريد العالمية".

ورغم كل هذه التطورات التي ستضر لاشك بالاقتصاد العالمي تباعًا، فإن الصحيفة ترى أن هذه التوقعات تعد "قراءة متفائلة نسبيًا للأحداث"، مشيرة إلى أن هناك خطرًا آخر لا يستهان به -حتى لو كانت نسبة تحقيقه أو الوصول إليه ضعيفة- وهو أن تصبح هذه الحرب الباردة المتوترة على نحو متزايد ساخنة، فتلتهم ما تبقى من الاقتصاد العالمي، الذي يعاني بالأساس جراء الحرب في أوكرانيا.

تداعيات الزيارة

اهتمت الصحف العالمية، بزيارة بيلوسي إلى تايوان، وتداعيات هذه الزيارة على الاقتصاد العالمي، واختلفت شدة التصريحات بين الجانبين، إذ لم يخفِ الرئيس الصيني غضبه للرئيس الأمريكي، جو بايدن، خلال مباحثات هاتفية، واصفًا ما تقوم به واشنطن بـ "اللعب بالنار".

وترى الصين أن زيارة مسؤول أمريكي رفيع المستوى -الأولى لمسؤول أمريكي خلال 25 عامًا- تحمل اعترافًا ضمنيًا من واشنطن باستقلال تايبيه، التي تعدها بكين جزءًا أساسيًا من أراضيها.

وفي تعقيب على الزيارة، قال مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، تشانغ جون، إن زيارة بيلوسي لتايوان قد تضر بالعلاقات بين بلاده وأمريكا.

وتتربع الولايات المتحدة على عرش أكبر اقتصادات العالم، بينما تأتي الصين كثاني أكبر اقتصاد.

ووفقًا لبيانات موقع ستاتيستا الألماني -المتخصص في بيانات السوق والمستهلكين- تجاوز حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة والصين 657 مليار دولار عام 2021، وقد استوردت أمريكا منتجات من الصين بـ 506 مليارات دولار خلال العام نفسه، بينما استوردت الصين منتجات أمريكية بـ 151 مليار دولار.

وعام 2018، أعلن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب فرض رسوم على واردات بعض السلع المستوردة من الصين بشكل تدريجي.

وحاليًا، تدرس إدارة الرئيس الأمريكي بايدن إمكانية تخفيف التعريفات والرسوم على واردات الصين من قطاع التكنولوجيا، لتخفيف آثار التضخم الحادة على أسعار المستهلك الأمريكي، إلا أن توتر العلاقات مع الصين قد يقف حائلا أمام هذا الخيار.

خسائر الشركات

تداعيات الزيارة -حسب صحيفة تلغراف البريطانية- قد تشمل كبريات الشركات العالمية، مشيرة إلى أن هذه الأضرار قد تكون أكثر شدة من الضرر الناتج عن الأزمة الأوكرانية.

ورأت الصحيفة -في تقرير- أن محاولة الصين لاستخدام القوة العسكرية أحد الاحتمالات الأكثر رعبًا، خصوصًا لمجالس إدارة الشركات، التي وظفت مبالغ ضخمة للاستثمار في تايوان، كما أن أرباح الشركات الأمريكية في الصين قد تتراجع بشكل حاد إذا اشتدت الأزمة بين البلدين.

كانت أرباح شركة آبل الأمريكية قد بلغت 68 مليار دولار في الصين عام 2021، وهو يعادل نحو 9 بالمئة من إيرادات الشركة، بينما تبلغ أرباح شركة "أسترازينيكا" البريطانية من الصين نحو 6 مليارات دولار سنويًا، بما يقارب 16 بالمئة من الأرباح.

وتعد تايوان، بحسب التقرير، "العمود الفقري لسلاسل التوريد العالمية"، خاصة في مجال التقنيات الرقمية وصناعة أشباه الموصلات، فللجزيرة أهمية كبرى في ما يتعلق بقطاع التصنيع التكنولوجي، خاصة في صناعة أشباه المواصلات، إذ إن شركة "تايوان لتصنيع أشباه الموصلات" أو "تي إس إم سي"، أكبر شركة لتصنيع الرقائق الإلكترونية في العالم، وتصل قيمتها إلى نحو 600 مليار دولار.

وبحسب شركة غلوبال داتا للإحصائيات، يُعد اقتصاد تايوان من أكبر اقتصادات العالم، فقد بلغ الناتج المحلي الإجمالي لها 620 مليار دولار عام 2021.

وتعد الصين أكبر شركات تايوان التجاريين، إذ بلغ إجمالي صادرات تايوان إلى الصين عام 2021 نحو 126 مليار دولار، بينما استوردت تايوان 82.5 مليار دولار من المنتجات الصينية.

بينما ترى الولايات المتحدة، من جهة أخرى، استقلال تايوان بمنزلة ضمان لعدم سيطرة الصين على صناعة أشباه الموصلات في العالم، لأنها من أهم الصناعات التي تعتمد عليها التكنولوجيا الحديثة.